مفهوم التشخيص في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


مفهوم التشخيص في علم النفس الاجتماعي:

يشير التشخيص إلى المدى الذي يمكن أن يميز فيه مصدر البيانات بين فرضية معينة وبدائلها، حيث أنه في المواقف الاجتماعية غالبًا ما يلاحظ الأفراد سلوكيات الآخرين ويحاولون تكوين انطباع عن شخصيتهم واستعداداتهم، وكجزء من هذه العملية يختبر الأفراد فرضيات النزعة، أي الفرضيات المتعلقة بسمات وقدرات الآخرين، ومصادر البيانات التشخيصية هي تلك التي تميز بين امتلاك سمة أو قدرة معينة وعدم امتلاك السمة أو القدرة.

على سبيل المثال عندما يضع الشخص في اعتباره موقفًا لا يستجيب فيه زميل الدراسة الجديد لتحياته الترحيبية ويريد أن يعرف نوع الشخص الذي هو، منها يمكنه إنشاء فرضية عنه، وجمع المعلومات لاختبار هذه الفرضية، واستخلاص استنتاج بناءً على المعلومات المتاحة، ووضع فرضية ثانية بديلة.

خلفية مفهوم التشخيص في علم النفس الاجتماعي:

عند اختبار فرضية ميول من أجل معرفة خلفية مفهوم التشخيص في علم النفس الاجتماعي يمكن اتخاذ واحدة من استراتيجيتين عريضتين، تتميزان بمدى اعتبار الأفراد ببدائل لفرضيتهم المختارة، حيث يمكننا توضيحها بما يلي:

1- اختبار الفرضية التشخيصية:

حيث يتم استخدام إحدى الاستراتيجيات، والتي تسمى اختبار الفرضية التشخيصية، عندما يبحث الأفراد عن أدلة تحمل على كل من معقولية فرضيتهم البؤرية وكذلك على معقولية بدائلها، من خلال هذه الاستراتيجية، يجمع الأفراد المعلومات التي يمكن أن تميز بين الفرضيات المختارة والبديلة، وبمجرد جمع معلومات كافية، فإن ثقتهم في استنتاجهم تكون عالية فقط إذا كان الدليل متوافقًا إلى حد كبير مع الفرضية المختارة وغير متسقة مع بدائلها.

2- اختبار الفرضية التشخيصية الكاذبة:

على عكس الاختبار التشخيصي فإن الاستراتيجية الثانية التي تسمى اختبار الفرضية التشخيصية الكاذبة، تتضمن جمع واستخدام المعلومات فقط وفقًا لاتساقها مع الفرضية المختارة، ويتم تجاهل الفرضيات البديلة، أو يُفترض ببساطة أن المعلومات التي تتوافق مع الفرضية البؤرية غير متوافقة مع بدائلها.

دليل مفهوم التشخيص في علم النفس الاجتماعي:

أظهر بحث أجراه يعكوف تروب وزملاؤه أن الأفراد حساسين لمخاوف عملية التشخيص عند اختبار فرضياتهم، أي أنهم يضعون في اعتبارهم فرضيات بديلة عند البحث عن معلومات تتعلق بفرضية مُختارة وموازنة الأدلة مقابل هذه البدائل عند استخلاص استنتاجاتهم.

على سبيل المثال عندما اختبر الأفراد فرضية مفادها أن الشخص المستهدف هو منفتح، فقد فضلوا طرح أسئلة حول السلوكيات الانطوائية عالية التشخيص أي الصمت، على أسئلة حول السلوكيات الانقلابية التشخيصية الضعيفة مثل الانخراط في الأنشطة الرياضية، وعند اختبار فرضية أن الشخص المستهدف هو انطوائي ويفضّل أسئلة حول السلوكيات المنحرفة عالية التشخيص أي كونه ودودًا على السلوكيات الانطوائية ضعيفة التشخيص مثل الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية.

ومع ذلك لا يشارك الأفراد دائمًا في اختبار فرضية التشخيص، حيث يعتمد ما إذا كان الأفراد سيشاركون في استراتيجيات التشخيص أو التشخيص الكاذب على الموارد المعرفية والتحفيزية، وعندما يتم تشتيت انتباه الأفراد، تكون مواردهم المعرفية لمعالجة المعلومات محدودة.

وبالمثل عندما لا يكون لدى الأفراد حافز للوصول إلى نتيجة دقيقة تكون مواردهم التحفيزية منخفضة، وفي ظل هذه الظروف دون المستوى الأمثل، يميل الأفراد إلى إجراء اختبار التشخيص الكاذب، وبالتالي إذا لم يتم تحفيز الأفراد للوصول إلى استنتاج دقيق أو عندما يكون لديهم أشياء أخرى في أذهانهم، فسيختارون ويستخدمون المعلومات التي تتعلق فقط بالفرضيات التي اختاروها ويتجاهلون المعلومات ذات الصلة بالفرضيات البديلة.

آثار مفهوم التشخيص في علم النفس الاجتماعي:

في العديد من مواقف الحياة الواقعية، يتم تحديد سلوكيات الأفراد بشكل أكبر بالقيود الظرفية وأقل من خلال تصرفاتهم الشخصية، حيث يمكن أن تؤثر عوامل مثل ضغوط المجموعة، والأعراف الاجتماعية، والضغوط الظرفية على الطريقة التي يتصرف بها الأفراد، على سبيل المثال قد يتصرف الشخص بعدوانية بعد موقف استفزاز قوي بغض النظر عما إذا كان هذا الشخص ودودًا أو غير ودي.

يعتبر الاختبار التشخيصي لفرضية التصرف كل من التصرف الشخصي أي الفرضية البؤرية والقيود الظرفية أي الفرضية البديلة من الأسباب المحتملة للسلوك الإنساني، وبالتالي فإن الأفراد الذين يستخدمون استراتيجية تشخيصية لن ينسبوا سلوكًا إلى التصرف المقابل عند وجود إغراءات ظرفية قوية للتصرف بطريقة معينة.

في المقابل يتجاهل اختبار التشخيص الكاذب الفرضيات البديلة، وبالتالي قد يفشل في إعطاء الوزن المناسب للإغراءات الظرفية في تحديد السلوك الإنساني، وفي ظل الاختبار التشخيصي الكاذب، سيظل سلوك الشخص المنفرد ذو السلوك الفردي يُعزى إلى عدم الصداقة؛ لأن احتمال أن يتصرف معظم الأفراد، وليس فقط أولئك غير الودودين بهذه الطريقة عندما يكونون على عجلة من أمرهم لا يُعطى اهتمامًا كبيرًا.

وبالتالي قد ينتج عن اختبار التشخيص الكاذب تحيزًا وميولًا في الاستنتاجات التي يستمدها الأفراد من سلوك الآخرين، ويحدث هذا بشكل خاص عندما يتم استنفاد موارد المعالجة والتحفيز لدى الأفراد في ظل هذه الظروف.

مفهوم التشخيص في التقييم الذاتي:

استراتيجيات الاختبار التشخيصي وغير التشخيصي ذات صلة بالأسئلة حول تصرفات الفرد ومهاراته أيضًا، ومع ذلك عندما يبحث شخص ما عن معلومات تتعلق بسماته الخاصة، فإن الدوافع الأخرى إلى جانب التوصل إلى نتيجة دقيقة قد تلعب دورًا، اقترح الباحثين ثلاثة أنواع من الدوافع التي توجه اختبار المعلومات ذات الصلة بالذات، تتمثل بما يلي:

1- تعزيز الذات:

أحد الدوافع هو تعزيز الذات، أي الدافع إلى تبني وجهات نظر ذاتية إيجابية، وبالتالي السعي للحصول على ردود فعل إيجابية وكذلك تجنب ردود الفعل السلبية فيما يتعلق بالسمات ذات الصلة بالذات.

2- التحقيق الذاتي:

الدافع الثاني هو التحقق الذاتي، أي الدافع لتأكيد وجهات النظر الذاتية الموجودة مسبقًا وسيقود هذان الدافعان الأفراد إلى البحث عن معلومات قد تكون غير تشخيصية لقدراتهم وصفاتهم الشخصية، أي عندما توجه أهداف التعزيز الذاتي معالجة المعلومات ذات الصلة بالذات، فإن الأفراد سيقبلون فقط المعلومات التي يمكن أن تعزز احترامهم لذاتهم، في حين أن المعلومات التي قد تكشف عن التزاماتهم سيتم تجنبها أو رفضها.

وبالمثل عندما توجه أهداف التحقق الذاتي معالجة المعلومات ذات الصلة بالذات، سيقبل الأفراد فقط المعلومات التي يمكن أن تؤكد وجهات نظرهم الذاتية الحالية، سواء كانت إيجابية أو سلبية.

3- الدوافع التوجيهية:

النوع الثالث من الدوافع التي توجه معالجة المعلومات ذات الصلة هو التقييم الذاتي، أي الدافع لعقد آراء ذاتية دقيقة يمكن أن تساعد الفرد على التنبؤ بنتائج القرارات المستقبلية ومحاولات تحسين الذات، حيث عندما تنظم أهداف التقييم الذاتي السلوكي، يفضل الأفراد المعلومات التشخيصية بغض النظر عما إذا كانت إيجابية أم سلبية.

قد يؤدي التقييم الذاتي أيضًا إلى القيام بمهام متوسطة الصعوبة، تعتبر هذه المهام تشخيصًا لقدرة الفرد لأن النجاح يرجح أن يعطى قدرة عالية، في حين أن الفشل يكون أكثر احتمالًا نظرًا لقدرة منخفضة، والمهام السهلة أو الصعبة غير قابلة للتشخيص؛ لأن النجاح في المهام السهلة والفشل في المهام الصعبة أمر مرجح للغاية بغض النظر عن مستوى قدرة الفرد.

كما هو الحال في اختبار الفرضية السلوكية، يعتمد ما إذا كان المرء سيشارك في اختبار تشخيصي للمعلومات ذات الصلة على العوامل المعرفية والتحفيزية، من المرجح أن يسعى الأفراد إلى الحصول على تعليقات تشخيصية عندما يرون أن التغذية الراجعة تتعلق بالقدرات المتغيرة بدلاً من القدرات الثابتة.

المصدر: علم النفس، محمد حسن غانم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.


شارك المقالة: