مفهوم الذكاء العملي في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


لا يمكننا أن نقوم بتعلم المعرفة والمهارات المتنوعة في الحياة اليومية بدون أن نقوم بتجربتها وتطبيقها بشكل عام على أرض الواقع، بحيث أننا نتعلم من الجانب التعليمي والتطبيقي بشكل كبير في اختبار كل ما مررنا به من معلومات وما تم نقله لنا من معارف متنوعة، حيث أننا بحاجة لأن نكون أذكى بشكل عملي أو تطبيقي للتأكيد على ما اكتسبناه من معلومات ومعرفة ومهارات للقدرة على أن تكون أقوى أدواتنا في النجاح.

مفهوم الذكاء العملي في علم النفس

لم يكن مفهوم الذكاء العملي في علم النفس قائمًا على قدرة الشخص على تحليل المعلومات وإعادة إنتاجها في الاختبار، ولا على الخروج بأفكار جديدة، بدلاً من ذلك يعتمد مفهوم الذكاء العملي في علم النفس على قدرة الأفراد على تطبيق معرفتهم في العالم الحقيقي.

يعبر مفهوم الذكاء العملي في علم النفس عن القدرة على تطبيق ذكاء المرء في المواقف العملية اليومية، ففي النظرية الثلاثية للذكاء لصاحبها ستيرنبرغ فإن جانب الذكاء هو الذي يتطلب التكيف مع البيئات الجديدة وتشكيلها واختيارها، والذي يختلف عن الذكاء الذي يتمحور حول التحليل والتشخيص والذكاء الذي يهتم بجميع القدرات والمهارات الإبداعية.

يعبر مفهوم الذكاء العملي في علم النفس عن القدرة على التفكير بسرعة والتكيف النفسي بسهولة، حيث أنه غالبًا ما يُطلق على الأشخاص ذوي الذكاء العملي بذكاء الشارع؛ لأنهم يستطيعون التنقل في محيطهم أيضًا، إن لم يكن أفضل من الآخرين الذين قد يكون لديهم معرفة أكاديمية أو براعة ذهنية أكبر في مجالات أخرى من الحياة.

يعتبر مفهوم الذكاء العملي في علم النفس هو المعرفة والمهارات التي يستخدمها الأفراد عند التنقل في محيطهم وحل المشكلات أثناء التنقل ومواجهة التحديات الجديدة بثقة، أي أنه يعبر عن الطريقة الخاصة في الحكم في الأشخاص من خلال أفعالهم وسلوكياتهم بدلاً من ما يعرفونه أو مدى ذكائهم في مجالات أخرى من الحياة مثل الأكاديميين.

كيف يختلف الذكاء العملي عن معدل الذكاء في علم النفس

تعتمد فكرة معدل الذكاء على الذكاء العام، ويعتبرها بعض علماء النفس ضيقة النطاق للغاية، على الرغم من أنها قد تبدو محدودة الآن إلا أن النظرية التي تصورها تشارلز سبيرمان في عام 1904 استندت إلى الملاحظات التي تفيد بأن الأشخاص الذين تجاوزوا في مجال واحد مثل القراءة أو الرياضيات، يؤدون أداءً أفضل أيضًا في منطقة أخرى، بحيث قد نتعرف على هذا الأسلوب في تصنيف أطفال معينين على أنهم موهوبين مثلاً.

لكن ستيرنبرغ يشعر أن النظر إلى الذكاء بهذه الطريقة يستبعد مجموعة كاملة من العوامل الأخرى التي تحدد النجاح في الحياة، فنحن نعلم جميعًا شخصًا قد لا يكون كاتبًا ذكيًا، ولكن يمكنه التنقل على الفور في بيئته حتى في الظروف غير المألوفة فهو قابل للتكيف ويمكنه التعلم من التجارب السابقة، وقد يبدو أيضًا أن لديه قدرة فريدة على التأثير في الناس والحصول على ما يريده.

هذا النوع من الذكاء العملي هو مهارته الفريدة ويمكن القول إنها ذات قيمة كبيرة أيضاً، فإذا كانت هذه الأشياء تنطبق على أي شخص فهو على الأرجح أذكى مما يعتقد، على العكس من ذلك قد لا يتمكن الأشخاص ذوو التعلم الأكاديمي من تطبيق معرفتهم على العالم الحقيقي لإحداث تغيير إيجابي.

ما هو مثال الذكاء العملي في علم النفس

ليس من المستغرب أن ينتهي الأمر بالأشخاص ذوي الذكاء العملي في كثير من الأحيان في أدوار قيادية من خلال الاستقلال والقيام في السلوك القيادي؛ وذلك بسبب قدرتهم على التواصل بشكل فعال مع الآخرين، والتكيف مع بيئتهم وتشكيلها، وبالنظر إلى الحياة اليومية الحديثة، قد يكون أحد الأمثلة العملية للذكاء في علم النفس كما ذكر ستيرنبرغ، هو إجراء مقابلة عمل لا تستند فقط إلى السيرة الذاتية للشخص ولكن على قدرته على التعامل مع المواقف المتوترة والتواصل بفعالية والتأثير على الأشخاص الذين يتحدث معهم.

هناك أيضًا طرق سهلة ومثبتة علميًا ليبدو الأشخاص الذين يسعون خلف النجاح والارتقاء بالصحة النفسية أكثر ذكاءً في تلك المقابلة، فغالبًا ما يكون المديرين الناجحين ورجال الأعمال ومندوبو المبيعات أذكياء جدًا من الناحية العملية، على الرغم من أن ستيرنبرغ يقول إن المهارة يمكن العثور عليها بين العديد من الحرف والمهن.

قد يتخذ الذكاء العملي في نظرية ستيرنبرغ في علم النفس أيضًا شكل التنقل الحرفي في مدينة غير مألوفة أو نظام مترو أنفاق، ليس فقط معرفة إلى أين نذهب، ولكن كيفية حث السكان المحليين على مساعدتنا في الاتجاهات للوصول إلى وجهتنا المطلوبة.

هل الذكاء العملي ثابت في علم النفس

على الرغم من أن العلم قد وجد أن الأطفال يحصلون على ذكائهم من والديهم بالدرجة الأولى، فإن هذا هو أفضل جزء من مفهوم الذكاء العملي الذي يمكن للشخص تعلمه، حيث يقول ستيرنبرغ أن الفرد ليس مولودًا بذكاء عملي بل هو من يكتسبه ويتعلمه، ويقول أن مفهوم الذكاء العملي يقوم على المعرفة الكمية، أو ما يحتاجه كل فرد للنجاح الذي لم يتم تعليمه بشكل صريح وغالبًا ما لا يتم حتى نطقه.

أي أن مفهوم الذكاء العملي هو ليس شيئًا تم توجيهنا إليه في المدرسة لأنه يعتمد على تجاربنا الفردية، وذلك من خلال كيفية معالجة المعلومات التي نجمعها من خلال تجاربنا اليومية في الحياة، وكيف نقوم بفرز الأشياء المهمة، ودمجها مع ما نعرفه بالفعل ويكون ضمن خزينتنا المعرفية، حيث يميل الأشخاص ذوو الذكاء العملي إلى القيام بذلك دون جهد خارجي، ولهذا السبب يبدو أنهم لديهم طريقة خاصة بهم تتيح لهم التنقل بسهولة في الحياة.

كيفية بناء الذكاء العملي في علم النفس

إذا لم نتعلم مفهوم الذكاء العملي في المدارس وغيرها من المؤسسات التعليمية، فكيف نكتسب ذكاءً عمليًا؟ يقول ستيرنبرغ أننا نكتسب ذكاءً عمليًا من خلال التعلم من تجاربنا الخاصة بنا، وبالتحديد التعلم من الأخطاء التي يقع بها الفرد أثناء تلك التجارب، والتعلم من أخطاء الآخرين، حيث أن التجربة ليست كافية، بل علينا أن نتعلم منها بالفعل.

إن بناء مفهوم الذكاء العملي يشبه تقريبًا تعلم كيفية التعلم، فالإنسان بحاجة إلى استكشاف نقاط القوة والضعف لديه، وتجربة طرق مختلفة للقيام بالمهام المتنوعة والمناطة له، والبناء على ما ينجح وما لا ينجح، والأهم من ذلك كله أن الشخص يحتاج إلى المشاركة والتفاعل بنشاط لاكتساب هذا النوع من المهارة، ومن بين الحيل الصغيرة التي يمكن أن تجعله أكثر ذكاءً يقترح رائد الأعمال أندرو ميدال تجربة برمجة الكمبيوتر، والرسم، وغرف الهروب، وبناء الأشياء حرفيًا وحتى ممارسة ألعاب الفيديو لتعزيز الذكاء العملي.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: