نظرية العلاج المتمحور حول الإنسان في علم النفس الإرشادي

اقرأ في هذا المقال


تبدو فكرة العلاج المرتكز على العميل زائدة عن الحاجة بعد كل شيء، متى لا يتمحور العلاج على العميل؟ يبدو هذا المصطلح زائد عن الحاجة الآن ولكن عندما تم تطويره لأول مرة كان فكرة جديدة؛ قبل إدخال العلاجات الإنسانية في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت الأشكال الحقيقية الوحيدة للعلاج هي السلوكية أو الديناميكية النفسية.
ركزت هذه الأساليب على تجربة اللاوعي أو اللاوعي للعملاء بدلاً من التركيز على ما هو ظاهري، تركز العديد من أشكال العلاج الشائعة اليوم على العميل أكثر من العلاج النفسي في أوائل القرن العشرين، لكن لا يزال هناك شكل معين من العلاج يختلف عن الآخرين بسبب تركيزه على العميل والنفور من إعطاء العميل أي شيء.


نظرية العلاج المتمحور حول الإنسان في علم النفس الإرشادي:

إنّ العلاج الذي يركز على الإنسان ويتمحور حوله والمعروف أيضاً بإسم الاستشارة التي تتمحور حول الشخص أو العميل، فهو نهج إنساني يتعامل مع الطرق التي ينظر بها الأفراد إلى أنفسهم بوعي، بدلاً من كيفية تفسير المستشار لأفكارهم أو أفكارهم اللاواعية، تم إنشاؤه في الخمسينيات من قبل عالم النفس كارل روجرز ويرى النهج الذي يركز على الفرد في نهاية المطاف أن البشر لديهم ميل فطري للتطور نحو إمكاناتهم الكاملة، مع ذلك يمكن أن يتم حظر هذه القدرة أو تشويهها من خلال تجارب حياتية معينة، خاصة تلك التجارب التي تؤثر على إحساسنا بالقيمة.
يوجد ثلاث صفات رئيسية تجعل المعالج جيد ويركز على العميل ومنها؛ النظرة الإيجابية غير المشروطة حيث يعتبر التقدير الإيجابي غير المشروط ممارسة مهمة للمعالج الذي يركز على العميل، يحتاج المعالج إلى قبول العميل كما هو وتقديم الدعم والرعاية بغض النظر عما يمر به، كذلك الصدق؛ يحتاج المعالج الذي يركز على العميل إلى الشعور بالراحة عند مشاركة مشاعره مع العميل، لن يساهم هذا فقط في علاقة صحية ومفتوحة بين المعالج والعميل ولكنه يوفر كذلك للعميل نموذج للتواصل الجيد ويظهر للعميل أنه من المقبول أن تكون ضعيف.
أيضاً التفاهم التعاطفي؛ حيث يجب على المعالج الذي يركز على العميل أن يوسع التعاطف مع العميل، لتكوين علاقة علاجية إيجابية والعمل كنوع من المرآة، مما يعكس أفكار العميل ومشاعره؛ سيسمح هذا للعميل بفهم نفسه بشكل أفضل، من السمات البارزة الأخرى للعلاج الذي يركز على الفرد أو العميل استخدام مصطلح العميل بدلاً من المريض؛ فالمعالجون الذين يمارسون هذا النوع من النهج يرون العميل والمعالج كفريق من شركاء متساوين وليس خبير ومريض، يعمل المعالج في هذا النهج على فهم تجربة الفرد من وجهة نظره.
يجب على المعالج أن يقدر العميل بشكل إيجابي كشخص في جميع جوانب إنسانيته، بينما يهدف إلى أن يكون منفتح وصادق، هذا أمر حيوي في مساعدة العميل على الشعور بالقبول والقدرة على فهم مشاعره بشكل أفضل، يمكن أن يساعد النهج العميل على إعادة الاتصال بقيمه الداخلية وإحساسه بقيمة الذات، بالتالي تمكينه من إيجاد طريقه الخاص للمضي قدماً والتقدم.
يستخدم العلاج الذي يركز على الشخص نهج غير رسمي يسمح للعملاء بأخذ زمام المبادرة في المناقشات، بحيث يكتشفون في هذه العملية حلولهم الخاصة، يعمل المعالج كميسر عطوف ويستمع دون حكم ويقر بتجربة العميل دون تحريك المحادثة في اتجاه آخر، فالمعالج موجود لتشجيع ودعم العميل وتوجيه العملية العلاجية دون مقاطعة أو التدخل في عملية اكتشاف الذات لدى العميل.

ما هي الاستشارة التي تركز على الإنسان؟

الغرض الأساسي من العلاج الذي يركز على الشخص هو تسهيل قدرتنا على تحقيق الذات، أيضاً الإيمان بأننا جميعاً سوف ننمو ونحقق إمكاناتنا، يسهل هذا النهج النمو الشخصي والعلاقات بين العملاء من خلال السماح لهم باستكشاف واستخدام نقاط القوة والهوية الشخصية الخاصة بهم، يساعد المستشار في هذه العملية ويقدم الدعم الحيوي للعميل ويشق طريقه خلال هذه الرحلة، كذلك المستشار المتمحور حول الشخص ليس خبيراً؛ بدلاً من ذلك يُنظر إلى العميل على أنه خبير في نفسه ويشجع المستشار الذي يركز على الشخص العميل على استكشاف وفهم نفسه ومشاكله.
إنّ البيئة النفسية هي البيئة التي يشعر فيها الشخص بأنها خالية من التهديد جسدياً وعاطفياً، هناك ثلاثة شروط يعتقد أنها تساعد في تحقيق هذه البيئة، خاصة في غرفة العلاج ومنها؛ التطابق الذي يجب أن يكون المستشار حقيقي تماماً، كذلك التعاطف؛ حيث يجب أن يسعى المستشار إلى فهم تجربة العميل، احترام إيجابي غير مشروط ؛ يجب أن يكون المستشار غير قضائي وقيّم.
يمكن أن يؤثر عدد من العوامل على قدرة الشخص على الازدهار، بما في ذلك تدني احترام الذات ونقص الاعتماد على الذات وقلة الانفتاح على التجارب الجديدة، يدرك النهج الذي يركز على الشخص أن البيئة الاجتماعية للشخص وعلاقاته الشخصية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على ذلك، لذلك يتم تقديم العلاج في بيئة محايدة ومريحة؛ حيث يمكن للعميل أن يشعر بالراحة والأصالة والانفتاح على التعلم عن نفسه، من خلال توفير بيئة آمنة ومريحة يكون العميل قادر على فهم التجارب السابقة التي أثرت على الطريقة التي يشعر بها تجاه نفسه أو قدراته واتخاذ خطوات للتغيير الإيجابي. يمكن أن يساعد النهج الذي يركز على الشخص العميل أيضاً على:

  • إيجاد اتفاق أوثق بين الذات المثالية والذات الفعلية.
  • تحقيق فهم وإدراك ذاتي أفضل.
  • إطلاق مشاعر الدفاعية وانعدام الأمن والذنب.
  • لديهم قدرة أكبر على الثقة بالنفس.
  • تطوير علاقات صحية.
  • رؤية تحسن في التعبير عن الذات.
  • تحقيق شعور صحي بالتغيير بشكل عام.

فوائد نظرية العلاج المتمحور حول الإنسان:

بشكل عام يمكن أن تساعد الاستشارة النفسية التي تركز على الشخص الأفراد من جميع الأعمار، في مجموعة من القضايا الشخصية، كثير من الناس يجدونها نوع جذاب من العلاج؛ لأنه يسمح لهم بالتحكم في محتوى الجلسات ووتيرتها ولا داعي للقلق من أنه يتم تقييمهم أو تقييمهم بأي شكل من الأشكال، يُعتقد أن الأسلوب غير المباشر لعلم النفس الإرشادي الذي يركز على الشخص أكثر فائدة لأولئك الذين لديهم رغبة قوية في استكشاف أنفسهم ومشاعرهم، كذلك لمن يرغبون في معالجة عادات نفسية أو أنماط تفكير معينة.
يقال إنّ النهج أن تكون فعالة بشكل خاص في مساعدة الأفراد على التغلب على مشاكل محددة؛ مثل الاكتئاب والقلق والتوتر والحزن أو غيرها من المشاكل النفسية، مكن أن يكون لهذه المشكلات تأثير كبير على احترام الذات والاعتماد على الذات والوعي الذاتي، كما يمكن أن يساعد العلاج الذي يركز على الشخص الأشخاص على إعادة الاتصال بأنفسهم الداخلية من أجل تجاوز أي قيود.
بينما تم تطوير الاستشارة التي تتمحور حول الشخص في الأصل كنهج للعلاج النفسي، غالباً ما يتم نقلها إلى مناطق أخرى حيث يُطلب من الأشخاص بناء علاقات قوية؛ مثل التدريس ورعاية الأطفال ورعاية المرضى، لا يقتصر هذا النهج على المستشارين المؤهلين بل سيستخدم العديد من الأشخاص هذا النهج في شكل ما للمساعدة في توجيههم خلال العمل والعلاقات اليومية.

النظرية وراء هذا النهج:

في بعض مناهج العلاج النفسي يُعتبر المعالج وملاحظاته خبير، يبتعد النهج الذي يركز على الفرد عن هذه الفكرة ويثق بدلاً من ذلك في أن لدينا ميل فطري لإيجاد إشباع في إمكاناتنا الشخصية (تحقيق الذات)، من خلال تسهيل ذلك يساعد النهج العميل على التعرف على قدرته ليس فقط على الشفاء الذاتي ولكن للنمو الشخصي أيضاً، عامل رئيسي آخر في هذه النظرية هو مفهوم مفهوم الذات.
يشير مفهوم الذات إلى المجموعة المنظمة والمتسقة من المعتقدات والتصورات التي يمتلكها الشخص عن نفسه، تشكل هذه مكون أساسي من تجربتنا الكلية وتؤثر على تصورنا للعالم، تدرك الاستشارات التي تركز على الشخص أن مفهومنا الذاتي يمكن أن يتحول إذا سعينا جاهدين للانتماء وقبوله من حولنا، بصفتنا أشخاص نتعامل عادةً مع أي قبول مشروط يُعرض علينا من خلال دمج هذه الشروط تدريجياً ودون وعي في صورتنا الذاتية، يمكن أن يؤدي هذا إلى تطوير مفهوم الذات الذي يتكون من أفكار مميزة، على سبيل المثال “أنا من نوع الشخص الذي سيحترم الآخرين دائماً”.
نظراً لأننا نرغب عموماً في احترام إيجابي من المحيطين بنا، فمن الأسهل غالباً أن تكون “نوعاً” مقبولاً ومبسطاً من الأشخاص، كذلك أن نكون أي شيء آخر أو أن نكون مختلفين، يمكن أن يرانا نفقد هذا التقدير الإيجابي من الآخرين، بمرور الوقت يمكن أن تصبح هويتنا وأحكامنا الشخصية ومعانينا وخبراتنا محل مُثُل الآخرين، لهذا السبب تهدف الاستشارة التي تركز على الشخص إلى مساعدة العملاء على تحقيق الذات وتحقيق النمو الشخصي، يتم تطوير ذلك من خلال توفير بيئة داعمة حيث يمكن للعملاء تعزيز وتوسيع هويتهم الخاصة والبدء في فصل أنفسهم عن مفاهيمهم المتطورة حول الكيفية التي ينبغي أن يكونوا عليها.

المصدر: علم النفس الإرشادي، احمد عبداللطيف أبو سعدعلم النفس الإرشادي، فاطمة راشد الدرمكيعلم النفس الإرشادي، عطالله فؤاد الخالديعلم النفس، هاني يحيى نصري


شارك المقالة: