قصة اختراع الترانزستور

اقرأ في هذا المقال


ما هي قصة اختراع الترانزستور وكيف بدأت؟

تُعد (Bell Laboratories)، أحد أكبر المختبرات الصناعية في العالم، الذراع البحثية لشركة الهاتف العملاقة (American Telephone and Telegraph (AT&T)، في عام 1945م بدأت (Bell Labs) في البحث عن حل لمشكلة طويلة الأمد، المشكلة بدأت عندما جلبت شركة  (AT&T) رئيسها السابق ثيودور فيل، من التقاعد لمساعدتها على محاربة المنافسة التي اندلعت من انتهاء صلاحية براءات اختراع هاتف ألكسندر جراهام بيل حيث كان حل فيل، بخدمة هاتف عابرة للقارات.

في عام 1906م، طوّر المخترع الأمريكي غريب الأطوار (Lee De Forest) صمامًا ثلاثيًا في أنبوب مفرغ، كان جهازًا يمكنه تضخيم الإشارات، بما في ذلك الإشارات على خطوط الهاتف حيث تم نقلها عبر البلاد من مربع تبديل إلى آخر، اشترت (AT&T) براءة اختراع (De Forest) وحسنت الأنبوب بشكل كبير، حيث سمح بتضخيم الإشارة بانتظام على طول الخط ممّا يعني أنّ المحادثة الهاتفية يمكن أن تستمر في أي مسافة طالما كانت هناك مكبرات صوت على طول الطريق.

لكن الأنابيب المفرغة التي جعلت هذا التضخيم ممكنًا كانت غير موثوقة للغاية، واستهلكت قدرًا كبيرًا من الطاقة وكانت تنتج الكثير من الحرارة، في الثلاثينيات من القرن الماضي، أدرك مدير الأبحاث في مختبر بيل السيد ميرفين كيلي، أنّ هناك حاجة إلى جهاز أفضل لاستمرار نمو أعمال الهاتف، لقد شعر أنّ الإجابة قد تكمن في فئة غريبة من المواد تسمّى أشباه الموصلات (بداية صناعة الترانزستور).

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، شكّل كيلي فريقًا من العلماء لتطوير مفتاح أشباه الموصلات (الترازستور) في الحالة الصلبة ليحل محل الأنبوب المفرغ المشكل، سيستخدم الفريق بعض التطورات في أبحاث أشباه الموصلات خلال الحرب والتي جعلت الرادار ممكنًا، تم اختيار الشاب اللامع بيل شوكلي كقائد للفريق، قام شوكلي بمساعدة والتر براتين من مختبر بيل، وهو فيزيائي تجريبي يمكنه بناء أو إصلاح أي شيء تقريبًا وعيّن الفيزيائي جون باردين من جامعة مينيسوتا، ملأ شوكلي فريقه بمزيج انتقائي من الفيزيائيين والكيميائيين والمهندسين، كانت المجموعة متنوعة ولكنها متماسكة.

في ربيع عام 1945م، صمّم شوكلي ما كان يأمل أن يكون أول مضخم لأشباه الموصلات، بالاعتماد على ما يسمّى “تأثير المجال”، كان جهازه عبارة عن أسطوانة صغيرة مغطاة بطبقة رقيقة من السيليكون، مثبتة بالقرب من صفيحة معدنية صغيرة، لقد كانت فكرة مجنونة كما قال المهندس الكهربائي بجامعة إلينوي نيك هولونياك في الواقع لم يعمل الجهاز، وكلف شوكلي باردين وبراتين لمعرفة السبب، وفقًا للكاتب جويل شوركين عمل الاثنان إلى حد كبير دون إشراف، وقضى شوكلي معظم وقته يعمل بمفرده في المنزل.

بدأ باردين وبراتين، المتواجدين في منشآت موراي هيل العمل في (Bell Labs)، كانت شراكة رائعة واقترح المنظر باردين التجارب وفسر النتائج، بينما بنى براتين التجارب وأدارها، يتذكر الفني فيل فوي أنّه مع مرور الوقت دون نجاح يذكر، بدأت التوترات تتصاعد داخل مجموعة المختبر، في خريف عام 1947م، تقول الكاتبة ليليان هوديسون بأنّ براتين قرر محاولة غمر الجهاز بأكمله في حوض من الماء، والمثير للدهشة أنّه نجح!

بدأ براتين بتجربة الذهب على الجرمانيوم مستبعدًا الطبقة السائلة بناءً على نظرية أنّها تبطئ الجهاز، لم ينجح الأمر لكن الفريق استمر في تجربة استخدام هذا التصميم كنقطة انطلاق، قبل فترة وجيزة من عيد الميلاد، كان لباردين نظرة تاريخية، حيث اعتقد الجميع أنّهم يعرفون كيف تتصرف الإلكترونات ولكنهم فسروها بطريقة خاطئة، بعد ذلك اكتشف باردين بأنّ الإلكترونات تتجمع وتشكل حاجزًا على السطح، وأخبر براتين لما توصل إليه دون إخبار شوكلي بالتغييرات التي أجروها على التحقيق، بعد ذلك عمل باردين وبراتين عليها.

في 16 ديسمبر 1947م قاموا ببناء ترانزستور نقطة التلامس، المصنوع من شرائح من رقائق الذهب على مثلث بلاستيكي، تمّ دفعه لأسفل لتلامس لوح من الجرمانيوم، عندما اتصل باردين وبراتين بشوكلي ليخبراه عن الاختراع، كان شوكلي مسرورًا بنتائج المجموعة وغاضبًا لأنّه لم يشارك بشكل مباشر، بعد ذلك قام شوكلي بتطوير جهاز التقاطع  الترانزستور، معظمها كان في غرفة فندق في شيكاغو، استغرق الأمر ما مجموعه أربعة أسابيع من العمل بالقلم على الورق، على الرغم من أنّ الأمر استغرق عامين آخرين قبل أن يتمكن بالفعل من بناء واحدة عملية منها، كان جهازه أكثر صلابة وعملية من ترانزستور نقطة الاتصال لباردين وبراتين وأسهل بكثير في التصنيع.

وأصبحت بذلك الأداة المركزية للعصر الإلكتروني، يقول المؤلف مايكل ريوردان إنّ باردين وبراتين “تم دفعهما جانبًا”، أدّت هذه الإهانة إلى تفكك الفريق وتحويله من بيئة تعاونية إلى بيئة تنافسية للغاية، أدّت مشكلة وهي من يجب أن يكون اسمه على براءة اختراع الجهاز؟ ومن يجب أن يظهر في صور الدعاية؟ إلى توترات أعلى، قامت شركة (Bell Labs) بالكشف عن الاختراع في 30 يونيو 1948م، بمساعدة المهندس جون بيرس الذي كتب الخيال العلمي في وقت فراغه، استقرت شركة (Bell Labs) على اعتماد اسم “الترانزستور”، حيث جمعت أفكار “المقاومة العابرة” بأسماء الأجهزة الأخرى مثل الثرمستورات.

لم يحظ الاختراع باهتمام كبير في ذلك الوقت، سواءً في الصحافة الشعبية أو في الصناعة، لكن شوكلي رأى إمكاناتها، وغادر مختبرات بيل ليؤسس (Shockley Semiconductor) في بالو ألتو، كاليفورنيا، وقد استأجر مهندسين وفيزيائيين رائعين، ولكن وفقًا لعالم الكيمياء الفيزيائية هاري سيلو، فإنّ شخصية شوكلي أخرجت ثمانية من أفضل وأذكى الشخصيات، أسس هؤلاء الثمانية شركة جديدة تسمّى (Fairchild Semiconductor)، ذهب بوب نويس وجوردون مور وهما اثنان من الثمانية ليشكلوا شركة إنتل.

لقد شاركوا (وآخرون في شركة Texas Instruments) في اختراع الدائرة المتكاملة، اليوم تنتج إنتل مليارات الترانزستورات يوميًا على دوائرها المتكاملة لكن باردين وبراتين، وشوكلي كسبوا القليل من المال من أبحاثهم، ومع ذلك كانت شركة شوكلي هي بداية وادي السيليكون، ترك باردين مختبرات بيل لجامعة إلينوي، حيث حصل على جائزة نوبل الثانية، بقي براتين لعدة سنوات، ثم غادر للتدريس، فقد شوكلي شركته وقام بالتدريس في جامعة ستانفورد لفترة، ثم انخرط في جدل سيء السمعة حول العرق وعلم الوراثة.

في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، اختارت معظم الشركات الأمريكية تركيز اهتمامها على السوق العسكرية في إنتاج منتجات الترانزستور، ترك هذا الباب مفتوحًا على مصراعيه للمهندسين اليابانيين مثل (Masaru Ibuka وAkio Morita)، الذين أسسوا شركة جديدة تسمّى (Sony Electronics) والتي تنتج أجهزة راديو ترانزستور صغيرة الحجم بكميات كبيرة، قال إيان روس الرئيس الفخري لشركة (Bell Labs)، إنّ جزءًا من نجاحهم يكمن في تطوير القدرة على إنتاج الترانزستورات بكميات كبيرة بسرعة.

التطور الكبير في الترانزستور:

غيّر راديو الترانزستور العالم، وفتح عصر المعلومات، يمكن أن تنتشر المعلومات بسرعة إلى أقاصي الأرض، لدرجة أنّ المؤرخ تشارلز ستيوارت سمع عن اغتيال مارتن لوثر كينغ جونيور من رجال القبائل البدوية في الصحراء بعد وقت قصير من حدوثه، التقى الثلاثة الأصليون عدة مرات بعد تفككهم، مرة واحدة في ستوكهولم، السويد، لتلقي جائزة نوبل عام 1956م لمساهماتهم في الفيزياء، ومرة ​​أخرى في (Bell Labs) في عام 1972م للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لاختراعاتهم، كانوا يحتفلون بشيء لم يتمكنوا من معرفته عندما بدأوا العمل على الترانزستور.

موريس تانينباوم وآخرون، في مختبرات بيل كانوا أول من طوّر ترانزستور سيليكون عامل في 26 يناير 1954م، بعد بضعة أشهر طور جوردون تيل، الذي يعمل بشكل مستقل في شركة (Texas Instruments)، جهازًا مشابهًا تمّ تصنيع كلا الجهازين عن طريق التحكم في تعاطي المنشطات من بلورات السيليكون المفردة أثناء نموها من السيليكون المصهور، تمّ تطوير طريقة متفوقة من قبل موريس تانينباوم وكالفين إس فولر في مختبرات بيل في أوائل عام 1955م، عن طريق الانتشار الغازي للشوائب المانحة والمقبلة في رقائق السيليكون البلورية المفردة.

حتى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، ظل الجرمانيوم مادة شبه موصلة مهيمنة للترانزستورات وأجهزة أشباه الموصلات الأخرى، اعتبر الجرمانيوم في البداية مادة أشباه الموصلات الأكثر فاعلية، حيث كان قادرًا على إظهار أداء أفضل بسبب ارتفاع حركة الناقل، كان النقص النسبي في الأداء في أشباه موصلات السيليكون المبكرة بسبب تقييد التوصيل الكهربائي بسبب حالات السطح الكمومية غير المستقرة، ممّا منع الكهرباء من اختراق السطح بشكل موثوق للوصول إلى طبقة السيليكون شبه الموصلة.

كان أول خط إنتاج تجاري للترانزستور في العالم في مصنع ويسترن إلكتريك في يونيون بوليفارد في ألينتاون، بنسلفانيا، بدأ الإنتاج في 1 أكتوبر 1951م، بنقطة اتصال الجرمانيوم الترانزستور، كان أول تطبيق تجاري للترانزستورات في الاتصالات السلكية واللاسلكية في خريف عام 1952م في مولدات النغمات للإشارات متعددة الترددات لنظام التبديل (Crossbar).

بحلول عام 1953م، تمّ استخدام الترانزستور في بعض المنتجات، مثل أجهزة السمع ومبادلات الهاتف، ولكن لا تزال هناك مشكلات كبيرة تمنع استخدامه على نطاق أوسع، مثل الحساسية للرطوبة وهشاشة الأسلاك المتصلة ببلورات الجرمانيوم، ركزت شركات أشباه الموصلات في البداية على ترانزستورات الوصلات في السنوات الأولى من صناعة أشباه الموصلات، ومع ذلك كان ترانزستور الوصلة جهازًا ضخمًا نسبيًا كان من الصعب تصنيعه على أساس الإنتاج الضخم، ممّا جعله يقتصر على عدد من التطبيقات المتخصصة.


شارك المقالة: