قصة اختراع الكمامة

اقرأ في هذا المقال


في العام الماضي، لم يتخيل أحد على الأرجح أنّ أقنعة الوجه (الكمامات) ستكون واحدة من أكثر العناصر مبيعًا في العالم في أوائل عام 2020م، ومع ذلك نظرًا لأزمة فيروس كورونا الجديد الذي بدأ في الصين، أصبح ارتداء الكمامة ضرورة يومية لكثير من الناسن حيثُ أنّ ارتداء الكمامات يساعد في عدم تفشي الأوبئة وتستخدم كجز من التدابير الوقائية لحماية أنفسنا من الأمراض والأوبئة، مع الحفاظ على النظافة العامة والتباعد الاجتماعي والالتزام بكافة الإرشادات من منظمة الصحة.

ما هي قصة اختراع الكمامة؟

يعود تاريخ أقدم الأشياء التي تشبه قناع الوجه (الكمامة) المسجلة في التاريخ إلى القرن السادس قبل الميلاد، تمّ العثور على بعض الصور لأشخاص يرتدون الملابس على أفواههم على أبواب المقابر الفارسية، في الصين يُعتقد أنّ نوعًا من الوشاح المنسوج بخيوط الحرير والذهب من أسرة يوان (1279-1368) هو أول عنصر في الصين يشبه الكمامة التي نرتديها اليوم.

وفقًا لسجل رحلات ماركو بولو، رحلة القرن الثالث عشر للإيطالي الشهير الذي سافر مرة واحدة في الصين في عهد أسرة يوان (1279-1368)م، كان الخدم الذين خدموا الإمبراطور أثناء وجبات الطعام بحاجة إلى ارتداء الأوشحة الحريرية لتغطية أفواههم والأنوف، كان يعتقد أنّ الأوشحة الحريرية ستمنع أنفاس الخدم من التأثير على رائحة وطعم الطعام، في القرن الرابع عشر، انتشر الطاعون الأسود في أوروبا، أدّى هذا أيضًا إلى تعزيز ظهور أقنعة تشبه الكمامة.

في القرن السادس عشر، اخترع الطبيب الفرنسي شارل دي لورم قناع للوقاية من المرض والتصدير له، يغطي العين والفم حيث قام بتركيب الزجاج في تجاويف العين لضمان الرؤية، والعطور والتوابل المعطرة أو الأدوية بما في ذلك أوراق النعناع للتصدي للمرض، في نفس القرن اقترح الرسام الشهير ليوناردو دافنشي نقع القماش في الماء ووضعه على وجهه من أجل تصفية المواد الكيميائية السامة القادمة من أجهزة التنفس لدى الناس.

لا تزال هذه الطريقة الفعالة مستخدمة على نطاق واسع في أدلة النجاة من الحرائق اليوم، بالنسبة لارتداء الأقنعة في الصين له تاريخ طويل، حيثُ تسبب وباء الطاعون الرئوي في الصين في (1910-1911)م، في انتشار ارتداء الأقنعة هناك بعد وصول الشيوعيين إلى السلطة في عام 1949م، كان هناك خوف شديد من الحرب الجرثومية ممّا دفع الكثيرين إلى ارتداء الأقنعة، في القرن الحادي والعشرين كثف وباء السارس ارتداء الأقنعة، كما فعل الضباب الدخاني الذي غطى العديد من المدن الصينية.

حثت الحكومة الصينية مواطنيها على حماية أنفسهم من التلوث من خلال ارتداء الأقنعة، خلال أواخر عهد أسرة تشينغ (1644-1911)م، اخترع عالِم الطب الصيني “وو لياند” قناعًا مصنوعًا من طبقتين من الشاش يسمّى “قناع وو” ردًا في شمال شرق الصين، وتمّ تكريمه على هذا القناع بشكل كبير من قبل خبراء في مختلف البلدان لأنّه سهل التصنيع، وتكلفة إنتاجه منخفضة ومواد تصنيعه سهلة الحصول عليها.

التطور في صناعة الكمامة:

اتخذ تصميم القناع خطوة كبيرة للأمام في القرن التاسع عشر، في عام 1827م، اكتشف العالم الاسكتلندي روبرت براون “الحركة البراونية”، والتي أثبتت نظريًا التأثير الوقائي للأقنعة على الغبار، في عام 1848م حصل القناع الذي صنعه الأمريكي لويس هاسلي لعمال المناجم على أول براءة اختراع للقناع الواقي، والذي كان علامة فارقة في تاريخ أقنعة الوجه.

كانت الأقنعة في هذه المرحلة أقرب إلى الأقنعة الواقية من الغازات، تقدم هاسلي بطلب للحصول على براءة الاختراع في عام 1849م، برقم براءة الاختراع 6529، والذي لا يزال متاحًا في الأرشيف في الولايات المتحدة في عام 1861م، أثبت عالم الأحياء وعالم الأحياء الدقيقة والكيميائي الفرنسي لويس باستور وجود البكتيريا في الهواء، ممّا دفع المزيد من الناس إلى الاهتمام بتصميم الأقنعة الحديثة.

على سبيل المثال، ابتكر طبيب فرنسي قناعًا مصنوعًا من ست طبقات من الشاش وتمت خياطته على ياقة ثوب جراحي في عام 1899م، تطورت تدريجياً إلى شكل يمكن ربطه بحرية وتعليقه على الأذنين بحزام معقود، وبالتالي توّلد القناع الحديث، مع تفشي العديد من الأمراض المعدية والإنفلونزا، وظهور الضباب الدخاني من الصناعة الحديثة، استمرت المواد الموجودة في الأقنعة في التطور لتصفية الفيروسات والتلوث بشكل أفضل.

انتشار ارتداء الكمامات:

ارتفع ارتداء الأقنعة بشكل كبير في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين مع تفشي مرض السارس وإنفلونزا الطيور، أوصت الحكومة اليابانية بأن يرتدي جميع المرضى أقنعة لحماية الآخرين، بينما اقترحوا أن يرتديها الأشخاص الأصحاء كإجراء وقائي، يجادل هوري بأنّ ارتداء الأقنعة كان “إجابة نيوليبرالية لمسألة سياسة الصحة العامة” من حيث أنه شجع الناس على تحمل المسؤولية الفردية عن صحتهم.

اعتبارًا من 18 يوليو، أصبح ارتداء الأقنعة إلزاميًا في الأماكن العامة الداخلية في كيبيك باتباع مراسيم مماثلة في جميع أنحاء البلاد، جعلت لجنة تورونتو ترانزيت تغطية الوجه إلزامية في بداية يوليو، ومع ذلك قبل ثلاث سنوات فقط، مُنع عمال (TTC) ​​من ارتداء أقنعة لحماية أنفسهم من تلوث الهواء في نظام مترو النفاق، كما وجهت (TTC) عمالها بعدم ارتداء الأقنعة أثناء وباء السارس 2003م في تورونتو.

كان الأطباء يرتدون الأقنعة الطبية خلال وباء الطاعون في القرن السابع عشر، في ذلك الوقت كان يُعتقد أنّ المرض ينتشر من خلال الروائح الكريهة التي تنتشر في الهواء، كانت الأقنعة في ذلك الوقت محشوًة بالأعشاب  والتوابل  والزهور المجففة لدرء الروائح التي يعتقد أنّها تنشر الطاعون.

فرض ارتداء الكمامات في أمريكا الشمالية وكندا وألبرتا واليابان:

في أمريكا الشمالية قبل وباء الإنفلونزا عام 1918م، كان الجراحون يرتدون أقنعة، وكذلك الممرضات والأطباء الذين كانوا يعالجون المرضى المصابين بالعدوى في المستشفى، لكن خلال وباء الإنفلونزا أصدرت المدن في جميع أنحاء العالم أوامر إخفاء إلزامية، تقول المؤرخة نانسي تومز إنّ ارتداء الأقنعة اعتنقه الرأي العام الأمريكي باعتباره “شعارًا للروح العامة والانضباط”، النساء اللواتي اعتدنّ على حياكة الجوارب والضمادات للجنود سرعان ما أخذن صنع الأقنعة كواجب وطني، وتضاءل الحماس لارتداء الأقنعة بسرعة.

وذلك كان بسبب وباء إنفلونزا في أمريكا عام 1918م، في كندا جادلت المؤرخة جانيس ديكين ماكجينيس بأنّ الأقنعة “لا تحظى بشعبية على نطاق واسع” وأنّه حتى في الأماكن التي يوجد بها أوامر إخفاء إلزامية، غالبًا ما يفشل الناس في ارتدائها أو مجرد ارتدائها عند ظهور الشرطة، ولكن يجب فرض قوانين لارتدا الكمامة للتصدي لوباء الإنفلونزا الذي عم المدينة في ذلك الوقت، شكك مسؤولو الصحة العامة في قيمة الأقنعة، في ألبرتا على سبيل المثال، ظهرت الأنفلونزا لأول مرة في بداية أكتوبر 1918م .

بحلول نهاية الشهر في ذاك الوقت، أمرت المقاطعة الجميع بارتداء قناع خارج منازلهم، ليتم إزالته فقط في حالة تناول الطعام، في غضون أربعة أسابيع فقط، تم إلغاء الأمر، في المقابل في اليابان اعتنق الجمهور ارتداء الأقنعة أثناء الإصابة بالإنفلونزا الإسبانية، في حقبة ما بعد الحرب، استمر اليابانيون في ارتداء الأقنعة للوقاية من الأنفلونزا، ولم يتوقفوا إلا في السبعينيات عندما أصبحت لقاحات الإنفلونزا متاحة على نطاق واسع، في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ازداد ارتداء الأقنعة لمنع الحساسية، في أواخر الثمانينيات تراجعت فعالية لقاحات الإنفلونزا واستؤنف ارتداء قناع لتجنب الإنفلونزا.

تصاميم جديدة للكمامات:

قبل وقت طويل من بدء حرفي (Etsy و Old Navy) في إنتاج أقنعة عصرية لسوق أمريكا الشمالية، كانت الأقنعة الملونة متوفرة في الهندوتايوانوتايلاند ودول آسيوية أخرى، بالإضافة إلى وباء السارس في عام 2003 م، كان آخر استخدام واسع النطاق للأقنعة في الصين بسبب الضباب الدخاني في عام 2012م، في ذلك العام  تم تصميم قناع (PM2.5)، ونماذج القناع مثل (N95 و KN90) التي أصبحت شائعة للغاية.

قناع (3M) هو اختصار لشركة (Minnesota Mining and Manufacturing Co)، الشركة التي أنتجت هذه الأقنعة منذ عام 1967م، ومن المثير للاهتمام أنّ فكرة (3M) جاءت من حيث اقترح أحد الموظفين بأنّ القناع الذي يمكن التخلص منه يمكن أن يحمي أنوف العمال ورئتيهم في بيئات التشغيل القاسية مثل التعدين والعمليات الصعبة.

قد لا تكون أقنعة الكبار مناسبة لوجوه الأطفال الصغيرة، وبالنظر إلى هذه المشكلة، تعاونت شركة التكنولوجيا (Airmotion) مع استوديو التصميم الدنماركي (Kilo Design) للتوصل إلى قناع مخصص للأطفال، أطلقوا عليه اسم (Woobi Play)، وفقًا لإدخال تصميم (Airmotion)، فإنّ مبدأ (Woobi Play) هو أساسًا منفذين مصممين خصيصًا بحجم كبير على اليسار وحجم صغير على اليمين.

يستخدم الجزء الكبير للتنفس، ويستخدم الجزء الصغير للزفير، والجزء الأوسط عبارةً عن عنصر مرشح مطوي حلزونيًا، يمكنه تصفية 95٪ من الملوثات في ثلاثة أبعاد، يتم استخدام صندوق على شكل حقيبة مصنوع من اللب الطبيعي لوضع القناع مع كتيب كرتوني يعد هذا التصميم عصري جدًا ويتم تصنيعه بشكل كبير.


شارك المقالة: