قصة اختراع الوشاح

اقرأ في هذا المقال


مقدمة عن الوشاح:

يُعتبر الوشاح رمزًا للرقي والأناقة ويُرتدى من قبل الرجال والنساء كملابس يتم ارتداؤها لأغراض عملية كما أنّ الوشاح يوفر الدفء لمن يرتديه، اليوم يأتي الوشاح في العديد من الأشكال والتصاميم المختلفة، تعود أصول الوشاح إلى مصر القديمة، وبالتحديد إلى الملكة نفرتيتي، التي يُعتقد أنّها كانت ترتدي وشاحًا ملفوفًا تحت غطاء رأس مرصع بالجواهر.

في حين أنّ الأوشحة ترتبط في كثير من الأحيان بخزانة الملابس النسائية في الوقت الحاضر، إلا أنّ الرجال أيضًا قاموا بارتدائها منذ القدم، اليوم ينتج مصممو الأزياء حول العالم أوشحة مطبوعة مخصصة بالتعاون مع مصممين مبتكرين، يمكن سحب الرسومات من الأعمال الفنية الجديدة وتطبيقها على الأقمشة المتميزة لإنشاء تصميمات فريدة من نوعها، الأوشحة هي أكثر من مجرد أزياء، إنّها حقًا عمل فني.

ما هي قصة اختراع الوشاح؟

في روما القديمة، كان الرجال يرتدون الأوشحة بتصاميم جذابة، في الشرق الأقصى كان العسكريون يرتدوون الأوشحة لإظهار الرتبة، أيضًا أهدى نابليون بونابرت زوجته جوزفين ليكون بوهارنيه وشاح الباشمينا، تذكر المصادر التاريخية أنّها جمعت أكثر من 400 وشاح، وبلغ إجمالي قيمتها حوالي 80 ألف جنيه إسترليني، بعد ذلك بفترة قصيرة تطور الوشاح إلى قطعة عصرية يجب ارتداؤها خاصًة عند النساء.

أصبحت أوشحة الكشمير مثالًا للأزياء الراقية في القرن التاسع عشر، تم إنشاء نمط بيزلي الشهير خلال هذا الوقت حيث كانت أول مدينة تصنع اوشحة الكشمير، كانت المدينة موطنًا لـ 7000 من النساجين وكانت الأوشحة شائعة جدًا لدرجة أنّ الملكة فيكتوريا اشترت وشاحًا في عام 1842م، في النصف الأخير من القرن تراجعت شعبية الأوشحة مع ظهور اتجاهات جديدة، بحيث أصبح من غير العملي ارتداء وشاح فوق الكتف.

انتشار شعبية الأوشحة:

صممت إمبراطورية الأزياء الفرنسية هيرميس أول وشاح حريري مصقول جاهز للارتداء في عام 1837م، في نفس العام انتشرت صناعة الأزياء في أوروباوأمريكا الأوشحة بعد ما جلست الملكة فيكتوريا على عرشها ونشرت القبعات الحريرية الرائعة ذات الطبعات الجرافيكية المذهلة، مع ازدياد شعبية الأوشحة.

جرب المصنعون أنواعًا مختلفة من الأقمشة، وشمل ذلك الحريروالقماش، الكشمير، الشيفون، القطن  والصوف، يُعتقد أنّ الأوشحة الأصلية صُممت من ألياف الصوف، مع تشكيل المزيد من الإصدارات المصقولة في الصين عندما كان الحرير هو النسيج الثمين.

خلال الحرب العالمية الأولى، أصبحت الحياكة أكثر من مجرد هواية للنساء وحتى الرجال في جميع أنحاء العالم، تم إنتاج أطنان من الجوارب والسترات والأوشحة لإرسالها إلى العسكريين خاصةً في ظروف الحرب، في حين أنّ الحياكة في الوقت الحاضر تعتبر هواية قديمة، إلا أنّ الحياكة أنقذت حياة العديد من الجنود خلال الحرب، بالإضافة إلى الأوشحة المحبوكة، كان الطيارون أيضًا يرتدون أوشحة بيضاء من الحرير أثناء الطيران حيث يوفر النسيج الناعم والمرن الحماية من احتكاك الرقبة.

خلال الحرب العالمية الأولى، لعب الحرير دورًا مهمًا للغاية في العمليات العسكرية، تم استخدام أكياس الحرير لنقل شحنات البارود للأسلحة حيث لم يترك الحرير أي بقايا عند حرقها، بعد الحرب تم تحويل هذا الفائض من الحرير إلى الملابس والأوشحة والمفروشات، مع ظهور الحرير في الغرب تحسنت طرق التصنيع خاصةً الأوشحة، وبدأت العديد من ماركات الملابس في إنتاج أوشحة الحرير.

بدأت شركة (Liberty Of London) في إنتاج الأوشحة الحريرية الخفيفة التي أصبحت شائعةً للغاية خلال سنوات ما بعد الحرب، وبالمثل في عام 1937م، بدأت دار الأزياء الفرنسية هيرميس في استيراد الحرير الصيني ليتم نسجه في أوشحة فاخرة، كان الحرير الخام المستورد من الصين قويًا بشكل خاص وأكثر متانة، تعكس التصميمات خلفية الفروسية التي كانت متجذرة بعمق في تاريخ هيرميس وما زالت هذه التصاميم الأكثر شعبية في تصميم الأوشحة بالوقت الحاضر.

مع اختراع الحرير الصناعي في ثلاثينيات القرن الماضي، المعروف أيضًا باسم الفسكوز، تطورت صناعة الأوشحة وأصبحت أكثر استخدامًا وزاد الطلب عليها، وعلى الرغم من القيود التي فرضت بالحرب، استمرت ماركة الأوشحة البريطانية الشهيرة (Jacqmar of London) في إنتاج الأوشحة من عام 1940م إلى عام 1945م، بدأ جاكمار بتوريد الحرير لبيوت الأزياء الراقية في جميع أنحاء العالم، ونتيجة لذلك بدأ في إنتاج الأوشحة الحريرية، والتي أصبحت شائعة للغاية خلال الحرب، غالبًا ما كان جاكمار يصنع الأوشحة من الحرير الصناعي والكتان.

استندت تصميمات الأوشحة إلى 3 مواضيع مركزية، الجيش والقوات المتحالفة والجبهة الداخلية، كانت هذه تحظى بشعبية  كبيرة، كان المتحف البريطاني في لندن يمتلك العديد من أوشحة جاكمار النادرة في مجموعة أزياء الحرب، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، من عام (1946 حتى 1955)م، كلفت شركة (Ascher) كبار الفنانين حول العالم، بإنتاج أوشحة مختلفة عما كانت سابقًا، كان هنري ماتيس وبابلو بيكاسو وهنري مور من بين 42 فنانًا مشهورًا عالميًا ساهموا في صناعة الأوشحة بتصميمات عصرية بألوان جذابة وبراقة لاقت إقبالًا واسعًا.

سرعان ما استرجع وشاح الحرير شعبيته إلى الموضة؛ حيث تم عرض أوشحة هيرميس المصنوعة من الحرير في جميع أنحاء نيويورك وموناكو، أيضًا ارتدت الفنانة الشهيرة جريس كيلي وشاحًا حريريًا من هيرميس على غلاف مجلة لايف عام 1956م؛ وتصدرت عناوين الصحف لتزداد شعبية أوشحة الحرير مرةً أخرى بين الممثلين والفنانين، في كل عيد ميلاد، كان المالكون يسلمون وشاحًا حريريًا مخصصًا لعملائهم الدائمين.

كانت تصاميم الثمانينيات مميزة من نوعها، حيثُ ظهرت العديد من العلامات التجارية على تصاميم الأوشحة المختلفة، مع اقتراب التسعينيات من القرن الماضي وصعود التصنيع، نمت شعبية العديد من بدائل الحرير، يمكن بسهولة طباعة التصميمات الزاهية على الأوشحة والزخرفة والرسومات وبكلفة منخفضة.

مع ازدهار التكنولوجيا ومع التطور في الموضة والأزياء، قام المصممون بعمل تصاميم للأوشحة باستخدام مواد صناعية مختلفة وبإضافة العديد من الألوان حسب رغبة الزبائن، تمت إعادة تصنيع أوشحة الباشمينا التي كانت ترتديها السيدات الأكثر ثراءً وتحويلها إلى ضرورات الحياة اليومية للمرأة في العصر الحديث، ارتفعت شعبية أوشحة الكشمير والباشمينا لأنّها كانت ناعمة ودافئة وفاخرة بلا شك.

كانت تعتبر غريبة ونادرة حيث تم نسج الكشمير من ماعز الكشمير التي تعيش في المناطق الجبلية في كشمير بالهند، في الواقع يُترجم اسم “الباشمينا” إلى “الذهب الناعم” في اللغة الكشميرية، أيضًا يتم تربية الماعز من قبل قبائل بدوية تسكن مناطق على ارتفاعات عالية جدًا ويتم جمع الصوف الماعز المستخدم في صنع أوشحة الباشمينا، تُباع العديد من الأوشحة على أنّها أوشحة الباشمينا في الأسواق السياحية حول العالم، أصبحت هذه الأوشحة شائعة في التسعينيات حيث يمكن ارتداؤها كشال ملفوف حول الكتفين.

في الآونة الأخيرة، شهدنا تحولًا جذريًا في تصاميم الأوشحة، كانت هذه التصاميم العصرية الحديثة مرنة ومواكبة للمتطلبات المتغيرة باستمرار وتبعًا لصيحات الموضة، أعادت شركة تصنيع هيرميس ابتكار الوشاح من خلال وشاحها (Twilly) وهو وشاح طويل يتم لفه حول مقابض حقيبة اليد، ممّا يضفي لمسة شخصية جذابة، يمكن أيضًا لف هذه الأوشحة حول الرسغين لصنع أساور أنيقة ومميزة، يعتبر وشاح (Twilly) هو تحديث حديث للوشاح الحريري الكلاسيكي، مع ظهور تقنيات جديدة، ستستمر الأوشحة في التطور في التصميم واللون والإبداع.


شارك المقالة: