قصة اكتشاف القهوة

اقرأ في هذا المقال


نبذة عامة عن القهوة:

من أصول متواضعة في إفريقيا، انتقلت زراعة البن شرقًا وغربًا، في تلك المناطق عادةً أشعة الشمس تكون معتدلة أمّا درجات الحرارة هي حوالي 70 درجة فهرنهايت (20 درجة مئوية)، والتربة غنية ومسامية، ذلك يهيأ شجرة البن الرقيقة التي تنتج حبوبًا تُعد دعامة اقتصادية لعشرات البلدان، من بين السلع الطبيعية القهوة لها قيمة نقدية لا يتجاوزها سوى النفط، هناك نوعان رئيسيان من أشجار البن هما: أرابيكا وروبوستا، تُعتبر أشجار البن العربي أكثر حساسية، ويجب زراعتها على ارتفاعات أعلى (1800 قدم أو أكثر)، وتنتج حبوبًا أقل لكل شجرة في موسم النمو.

تعتبر أشجار بن روبوستا أكثر صلابة، ويمكن زراعتها على ارتفاعات منخفضة، ولها غلة عالية من الحبوب، من بين الاثنين، تتنج أرابيكا أفضل الحبوب، وحوالي 70 بالمائة من المحصول، تمثل حبوب شجرة روبوستا الأكثر قسوة حوالي 30 في المائة من الإنتاج العالمي وتستخدم لخلطات القهوة “السائدة” (منخفضة الجودة)، يعود أصل القهوة إلى جنس من النباتات المعروفة باسم القهوة، يوجد ضمن الجنس أكثر من 500 جنس و6000 نوع من الأشجار والشجيرات الاستوائية، يقدر الخبراء أنّ هناك في أي مكان من 25 إلى 100 نوع من نباتات البن.

تم وصف نبات البن لأول مرة في القرن الثامن عشر من قبل عالم النبات السويدي “كارولوس لينيوس”، الذي وصف أيضًا قهوة أرابيكا في كتابه “Species Plantarum” في عام 1753، اختلف علماء النبات منذ ذلك الحين حول التصنيف الدقيق، حيث يمكن أن تتنوع نباتات البن على نطاق واسع، يمكن أن تكون شجيرات صغيرة بأوراق يتراوح حجمها من 1 إلى 16 بوصة، وبألوان من الأرجواني أو الأصفر إلى الأخضر الداكن السائد.

قصة اكتشاف القهوة:

يمكن للقهوة المزروعة في جميع أنحاء العالم أن تعود بتراثها إلى قرون إلى غابات البن القديمة على الهضبة الإثيوبية، هناك تقول الأسطورة أنّ راعي الماعز كالدي اكتشف أولاً إمكانات هذه الفاصوليا العجيبة، تقول القصة أنّ كالدي اكتشف القهوة بعد أن لاحظ أنّه بعد تناول ماعزة للتوت من شجرة معينة، أصبحت الماعزة نشطة للغاية لدرجة أنّها لم ترغب في النوم ليلاً، أبلغ كالدي بالنتائج التي توصل إليها إلى رئيس الدير المحلي، الذي تناول مشروبًا مع التوت ووجد أنّه أبقاه متيقظًا خلال ساعات صلاة العشاء الطويلة.

شارك رئيس الدير اكتشافه مع الرهبان الآخرين في الدير، وبدأت المعرفة عن التوت المنشط تنتشر، عندما انتقلت الكلمة شرقًا ووصلت القهوة إلى شبه الجزيرة العربية، بدأت رحلة جلب هذه الحبوب إلى جميع أنحاء العالم، بدأت زراعة وتجارة البن في شبه الجزيرة العربية، بحلول القرن الخامس عشر كانت القهوة تُزرع في المنطقة العربية اليمنية وبحلول القرن السادس عشر أصبحت معروفة في بلاد فارس ومصر وسوريا وتركيا، لم يتم الاستمتاع بالقهوة في المنازل فحسب، ولكن أيضًا في العديد من المقاهي العامة، التي تسمّى (qahveh khaneh)، والتي بدأت تظهر في مدن الشرق الأدنى.

كانت شعبية المقاهي لا مثيل لها وكان الناس يترددون عليها في جميع أنواع الأنشطة الاجتماعية، لم يقتصر الأمر على شرب الرواد للقهوة والدخول في محادثة، بل استمعوا أيضًا إلى الموسيقى وشاهدوا المؤدين ولعبوا الشطرنج وظلوا على اطلاع دائم بالأخبار، سرعان ما أصبحت المقاهي مركزًا مهمًا لتبادل المعلومات لدرجة أنّه غالبًا ما يشار إليها باسم “مدارس الحكماء”، ومع آلاف الحجاج الذين يزورون مدينة مكة المكرمة كل عام من جميع أنحاء العالم، بدأت المعرفة بالقهوة تنتشر.

اكتشاف القهوة في أوروبا:


جلب المسافرون الأوروبيون إلى الشرق الأدنى قصصًا عن مشروب أسود غامق غير عادي، بحلول القرن السابع عشر شقت القهوة طريقها إلى أوروبا وأصبحت مشهورة في جميع أنحاء القارة، تفاعل بعض الناس مع هذا المشروب الجديد بالريبة أو الخوف، واصفين إياه بـ”الاختراع المرير للشيطان”، أدان رجال الدين المحليون القهوة عندما وصل الأمر إلى البندقية عام 1615، وكان الجدل كبيرًا لدرجة أنّ البابا كليمنت الثامن طلب التدخل، فقرر أن يتذوق المشروب لنفسه قبل أن يتخذ قرارًا ووجد المشروب مُرضيًا للغاية لدرجة أنّه منحه الموافقة البابوية.

على الرغم من هذا الجدل، سرعان ما أصبحت المقاهي مراكز للنشاط الاجتماعي والتواصل في المدن الرئيسية في إنجلترا والنمسا وفرنسا وألمانيا وهولندا، ظهرت “جامعات صغيرة” في إنجلترا، وسمّيت بهذا الاسم لأنّه مقابل سعر سنت واحد يمكن للمرء شراء فنجان من القهوة والانخراط في محادثة محفزة، بدأت القهوة لتحل محل مشروبات الإفطار الشائعة في ذلك الوقت البيرة والنبيذ، أولئك الذين شربوا القهوة بدلاً من الكحول بدأوا يومهم في حالة تأهب وحيوية، وليس من المستغرب أن تحسنت جودة عملهم بشكل كبير، بحلول منتصف القرن السابع عشر كان هناك أكثر من 300 مقهى في لندن.

تاريخ انتشار القهوة عبر الحضارات المختلفة:

في عام 1714، قدم عمدة أمستردام هدية من نبات البن الصغير للملك لويس الرابع عشر ملك فرنسا، حيثُ أمر الملك بزراعتها في الحديقة النباتية الملكية في باريس، في عام 1723 حصل الضابط البحري الشاب غابرييل دي كليو على شتلة من نبات الملك، على الرغم من الرحلة الصعبة مع الطقس الرهيب، وصعوبات أدت إلى تدمير الشتلات، تمكن من نقلها بأمان إلى المارتينيك، بمجرد زراعتها لم تزدهر الشتلات فحسب، بل يرجع الفضل في ذلك إلى انتشار أكثر من 18 مليون شجرة قهوة في جزيرة مارتينيك في الخمسين عامًا القادمة، الأمر الأكثر إثارة هو أنّ هذه الشتلة كانت الشجرة الأم لجميع أشجار البن في جميع أنحاء منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية والوسطى.

تدين القهوة البرازيلية الشهيرة بوجودها إلى فرانسيسكو دي ميلو باليهيتا، الذي أرسله الإمبراطور إلى غيانا الفرنسية للحصول على شتلات القهوة، لم يكن الفرنسيون على استعداد للمشاركة، لكن زوجة الحاكم الفرنسي، التي تأثرت بمظهره الجميل، أعطته باقة كبيرة من الزهور قبل مغادرته، كانت بذور القهوة المدفونة بالداخل كافية لبدء ما أصبح اليوم صناعة تقدر بمليارات الدولارات، واصل المبشرون والمسافرون والتجار والمستعمرون حمل بذور البن إلى الأراضي الجديدة، وزُرعت أشجار البن في جميع أنحاء العالم، تم إنشاء المزارع في الغابات الاستوائية الرائعة وعلى المرتفعات الجبلية الوعرة، ازدهرت بعض المحاصيل، بينما كان البعض الآخر قصير العمر.
تم إنشاء دول جديدة على اقتصادات البن، صُنعت ثروات وخسرت بحلول نهاية القرن الثامن عشر، أصبحت القهوة أحد أكثر محاصيل التصدير ربحية في العالم، بعد النفط الخام تعتبر القهوة السلعة الأكثر طلبًا في العالم، في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، تم جلب القهوة إلى نيو أمستردام، التي أطلق عليها البريطانيون اسم نيويورك، على الرغم من أنّ المقاهي بدأت تظهر بسرعة، إلّا أنّ الشاي ظل هو المشروب المفضل في العالم الجديد حتى عام 1773 عندما ثار المستعمرون ضد الضريبة الباهظة على الشاي التي فرضها الملك جورج الثالث.

مع استمرار انتشار الطلب على المشروبات، كانت هناك منافسة شرسة لزراعة البن خارج الجزيرة العربية، حصل الهولنديون أخيرًا على الشتلات في النصف الأخير من القرن السابع عشر، فشلت محاولاتهم الأولى لزرعها في الهند لكنهم نجحوا في جهودهم في باتافيا، في جزيرة جاوة فيما يعرف الآن بإندونيسيا، ازدهرت النباتات وسرعان ما امتلك الهولنديون تجارة منتجة ومتنامية في القهوة، ثم قاموا بتوسيع زراعة أشجار البن إلى جزر سومطرة وسيليبس.

التصنيف النباتي للقهوة:

هناك نوعان رئيسيان من أشجار البن هما: أرابيكا وروبوستا، وسنناقش كل منهما على حدة:

النوع الأول – Coffea Arabica:

تنحدر (Coffea Arabica) من أشجار البن الأصلية المكتشفة في إثيوبيا، تنتج هذه الأشجار قهوة ناعمة ورائعة ونكهة وتمثل ما يقرب من 70 ٪ من إنتاج البن في العالم، الحبوب تكون مسطّحة وأكثر استطالة من روبوستا وقليلة الكافيين، في السوق العالمية تحقق قهوة أرابيكا أعلى الأسعار، فهي قهوة عالية النمو تزرع بشكل عام بين 2000 إلى 6000 قدم (610 إلى 1830 مترًا) فوق مستوى سطح البحر، على الرغم من أنّ الارتفاع الأمثل يختلف باختلاف خط الاستواء.

العامل الأكثر أهمية هو أنّ درجات الحرارة يجب أن تظل معتدلة، من الناحية المثالية بين (59-75) درجة فهرنهايت، مع حوالي 60 بوصة من الأمطار سنويًا، الأشجار بنيتها قوية لكنّ الصقيع الثقيل سيقتلها، تُعتبر زراعة أشجار أرابيكا مكلفة لأنّ الأرض المثالية تميل إلى أن تكون شديدة الانحدار ويصعب الوصول إليها، أيضًا نظرًا لأنّ الأشجار أكثر عرضة للأمراض من روبوستا، فإنّها تتطلب عنايةً واهتمامًا إضافيين.

النوع الثاني – Coffea Robusta:

يُزرع معظم نبات الروبوستا في العالم في وسط وغرب إفريقيا، وأجزاء من جنوب شرق آسيا بما في ذلك إندونيسيا وفيتنام، وفي البرازيل، يتزايد إنتاج الروبوستا، على الرغم من أنّه يمثل حوالي 30 ٪ فقط من السوق العالمية، يُستخدم (Robusta) بشكل أساسي في الخلطات وفي القهوة سريعة التحضير، تميل حبوب الروبوستا نفسها بحيث تكون أكثر استدارة وأصغر من حبة أرابيكا، تُعتبر شجرة الروبوستا أقوى وأكثر مقاومة للأمراض والطفيليات، مما يجعل زراعتها أسهل وأرخص.

كما أنّ لديها ميزة القدرة على تحمل المناخات الأكثر دفئًا، يجب أن تكون درجات الحرارة ثابتة بين 75 و85 درجة فهرنهايت، حتى يمكنها من النمو على ارتفاعات التي تكون أقل بكثير من أرابيكا، تتطلب نبات الروبوستا حوالي 60 بوصة من الأمطار سنويًا، ولا يمكنهن تحمل الصقيع، بالمقارنة مع أرابيكا تنتج حبوب روبوستا قهوة ذات مذاق مميز وحوالي 50-60٪ أكثر من الكافيين.


شارك المقالة: