مراحل اكتشاف الذرة

اقرأ في هذا المقال


اكتشاف الذرّة:

تعود فكرة أن المادة مصنوعة من جسيمات دقيقة إلى ما يزيد عن ألفي سنة. يُعتقد أن مفهوم الذرّة قد تم تصوره في الأصل من قبل الفلاسفة اليونان وأهمهم الفيلسوف اليوناني ليوكيبس خلال الجزء الأول من القرن الخامس قبل الميلاد، وكان هذا المفهوم من قبل الفلاسفة ناتج عن تصور فلسفي دون تجارب او ادلة علميّة وقد مرَّت مئات السنين على هذا المفهوم دون أن يتم دعم هذه الأفكار من خلال البيانات التجريبية حتى جاء العالم الأيرلندي روبرت ويليام بويل وأيّد رأي الفلاسفة القُدامى القائل بأنَّ المواد الأولية تتكون من جزيئات من أنواع مختلفة، على الرغم من أنّه يبدو كان متردداً في التكهّن بالطبيعة الدقيقة لهذه الجسيمات.

تطوّر مفهوم الذرّة:

شهدت بداية القرن التاسع عشر تقدماً حقيقياً في فهم العلماء للمادة والذرّة، ففي عام 1805 نشر العالم الإنجليزي جون دالتون واحدة من العديد من الأوراق التي تحدد نظرياته حول سلوك الغازات، وفي نهايتها طرح عدداً من الأفكار حول طبيعة العناصر الكيميائية، ودورها في التفاعلات الكيميائية، في ما يعتبره الكثيرون أول نظرية ذريّة متماسكة للعصر العلمي الحديث.

نظريّة دالتون الذرّية:

كانت نظرية دالتون الذرية أول محاولة كاملة لوصف كل المادة من حيث الذرات وخصائصها، ويمكن تلخيص النقاط الرئيسية لنظرية دالتون الذرية على النحو التالي:

  • تتكون العناصر من جزيئات صغيرة للغاية تسمى الذرات.
  • ذرات العنصر نفسه لها نفس الخصائص، بما في ذلك الحجم والكتلة.
  • تختلف ذرات العناصر المختلفة في الحجم والكتلة وخصائص أخرى.
  • لا يمكن تكوين الذرات أو تدميرها أو تحطيمها إلى جسيمات أصغر.
  • تتحد ذرات العناصر المختلفة في نسب الأعداد الصحيحة لتكوين مركبات كيميائية.
  • يتم دمج الذرات أو فصلها أو إعادة ترتيبها في تفاعلات كيميائية.

نموذج جون ثومسون الذرّي:

في عام 1897 كان هناك عالم يدعى جون ثومسون الذي أجرى بحثًا لتحسين النظرية الذرية لدالتون، ولد جوزيف جون ثومسون في تشتيان هيل في إنجلترا، وكان أستاذًا للفيزياء التجريبية في مختبر كارينديش و كامبريدج ولندن. نجح في تطوير النظرية الذرية وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1906 لاكتشافه النظريّة الذريّة.
في ذلك الوقت جرّب العالم ثومسون استخدام أنبوب أشعة الكاثود وأطلق عليه أيضًا المسدس الإلكتروني. استخدم ثومسون أنبوب أشعة الكاثود بمغناطيس، ووجد أنَّ الإشعاع الأخضر الناتج مصنوع من مادة مشحونة سلبًا. بالإضافة إلى ذلك قام أيضًا بالكثير من الأبحاث ووجد أنَّ كتلة هذه الجسيمات أخف بنحو 2000 مرة من ذرة الهيدروجين.
من هذه الدراسة اقترح ثومسون أن نظرية دالتون للذرات التي قالت أنه لا يمكن تقسيم الذرة إلى أجزاء أصغر كانت خاطئة. بعد ذلك أجرى ثومسون دراسة متابعة وقرر أن الشحنة السلبية للإلكترون تتطلب شحنة موجبة يمكن أن توازن بين الاثنين. وهكذا توصل إلى أنَّ هذه الشحنة السلبية محاطة بمادة موجبة الشحنة. من ثم تُعرف نظرية ثومسون بنموذج “بودنغ ” للذرة الذي شبهها بنواة البرقوق المُحاطة بالبرقوق نفسه. لاحظ أيضًا أنَّ النظرية الذرية وفقًا لثومسون لديها أيضًا ضعف ولم يشرح حركة الإلكترون التي تحدث في الذرة. لذلك كانت النظرية بحاجة إلى مزيد من التطوير.

نموذج العالم رذرفورد الذرّي:

بعد بضع سنوات وتحديداً في عام 1911 أجرى أرنست رذرفورد أحد تلاميذ العالم ثومسون بعض الأبحاث الإضافية على نموذج ثومسون البرقوق. أُجريت الدراسة عن طريق إشعال شعاع من جزيئات موجبة الشحنة تسمى جسيمات ألفا مقابل طبقة رقيقة جداً من رقائق الذهب. نظرًا لأنّ جزيئات ألفا لديها الكثير من الكتلة، اعتقد رذرفورد أن جميع جزيئات ألفا ستخترق رقائق الذهب مباشرة. في ذلك الوقت جادل رذرفورد بأن جسيم ألفا سوف يخترق المادة المشحونة بشكل إيجابي ثم يضرب كاشف الشاشة على الجانب الآخر.
لكن هذه الفرضية لم تتطابق مع ما توقعه رذرفورد. اخترقت بعض جزيئات اشعة ألفا طبقة الذهب ولكن انحرف بعضها عن طريق رقائق الذهب ثم اصطدمت بكاشف في موقع آخر حتى أن بعض الاشعة عادت مباشرة إلى الطريق الذي سلكته. بعد هذا البحث جادل رذرفورد بأن جسيم ألفا هذا يجب أن يصطدم بشيء صغير جدًا وكثيف وموجه بشكل إيجابي بحيث كانت هناك جزيئات ألفا التي عادت مباشرة. من هذه التجربة توصّل رذرفورد أيضًا إلى أن الذرات تتكون في الغالب من مساحات فارغة وأن الشحنة الموجبة الموجودة لا يتم توزيعها بالتساوي داخل الذرة بل يتم نثرها في نواة صغيرة في وسط الذرة.
على الرغم من أنَّ نظرية رذرفورد يمكن أن تظهر أنَّ الذرات لها نواة مشحونة بشحنة إيجابية ومحاطة بإلكترون سلبي، فإنَّ هذه النظرية لديها أيضًا ضعف. الضعف هو أن نظرية رذرفورد لا تستطيع تفسير سبب عدم سقوط الإلكترونات في النواة.

نموذج بور الذرّي:

في عام 1913 قام الفيزيائي الدنماركي وطالب من رذرفورد بإصلاح النظرية الذريّة لرذرفورد من خلال تجاربه على طيف ذرات الهيدروجين. تمكنت هذه التجربة من إعطاء صورة أن الإلكترونات تحتل المنطقة المحيطة بالنواة الذرية. يتضمن تفسير بور لذرة الهيدروجين مزيجاً من النظرية الكلاسيكية لرذرفورد ونظرية الكم للعالم ماكس بلانك، والتي يتم التعبيرعنها بأربع افتراضات، على النحو التالي:
1- هناك مجموعة معينة فقط من المدارات المسموح بها لإلكترون واحد في ذرة الهيدروجين. يُعرف هذا المدار باسم الإلكترون ذو الحركة الثابتة (الاستقرار) وهو مسار دائري حول النواة. المسار الذي يسمى أيضًا القشرة الذرية، هو مدار دائري بنصف قطر معين. يتم تمييز كل مسار برقم صحيح يسمى العدد الكمي الرئيسي (ن)، بدءًا من 1، 2، 3 ،4 ،5 ، وما إلى ذلك ويتم ترميزه بالرموز K ، L ، M ، N ، O ، وما إلى ذلك. المسار الأول مع n = 1 يسمى shell k. المسار الثاني مع n = 2 يسمى shell L، وهكذا. كلما كبرت قيمة n ، كلما كانت أبعد من النواة، وزادت طاقة الإلكترون التي تدور حول النواه.
2- طالما أن الإلكترون في المسار الثابت فإن طاقة الإلكترون لا تزال محفوظه لذلك لا توجد طاقة في شكل إشعاع ينبعث أو يمتص.
3- يمكن للإلكترونات الانتقال فقط من مسار ثابت إلى مسار ثابت آخر. 
4- المسار الثابت المسموح به، له حجم مع خصائص معينة خاصة الملكية تسمى الزخم الزاوي. إن حجم الزخم الزاوي هو مضاعف h / 2p أو nh / 2p ، حيث n هو عدد صحيح و h هو ثابت بلانك.
وفقًا لنظرية النموذج الذري لبور تحيط الإلكترونات بالنواة في مسارات معينة تسمى قذائف الإلكترونات أو مستويات الطاقة. أدنى مستوى للطاقة هو أعمق غلاف إلكتروني تحتوي الطبقة الخارجية على رقم القشرة الأكبر ومستوى طاقة أعلى.
ملخص نظرية النموذج الذري لبور هو أن الذرة تتكون من قذائف ذرية كمكان للإلكترون للتحرك. على الرغم من هذا الاختراع الجديد، فإن هذه النظرية لديها أيضًا ضعف وهو أن هذه النظرية الذرية لا تستطيع تفسير طيف الألوان للذرة التي تتكون من العديد من الإلكترونات.

النموذج الذرّي الحديث:

في عام 1927 طرح العالم النمساوي إروين شرودنغر نظرية ذرية تسمى النموذج الميكانيكي الكميّ للذرة. تستخدم هذه النظرية معادلات رياضية لشرح إمكانية العثور على الإلكترونات في مواقف معينة. يتشابه النموذج الميكانيكي الكميّ مع نظرية نيلز بور الذرية من حيث مستويات الطاقة أو الجسوم الذريّة، ولكنه يختلف من حيث الشكل أو المدار.
في النظرية الذرية للنموذج الميكانيكي الكميّ، موقف الإلكترونات غير مؤكد. الشيء الذي يمكن تحديده على وشك التنبؤ باحتمالات موقع الإلكترون. يمكن تصوير هذا النموذج على أنه نواة محاطة بسحابة إلكترونية. حيث توجد أكبر السحب لاكتشاف الإلكترونات، والعكس بالعكس، توجد الإلكترونات الأقل في مناطق السحب الأقل كثافة. وهكذا يشرح هذا النموذج النظري أيضًا مفهوم مستوى الطاقة الفرعية.
كان من الصعب للغاية فهم صياغة إروين شرودنغر من قبل العلماء في ذلك الوقت. تشبه نظرية شرودنغر النظام الشمسي الذي تكون مداراته غير منتظمة والشمس في صميمها. وبسبب اكتشاف النظرية الذرية لميكانيكا الكم تلقى إروين شرودنغر جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933. بعد فهم نظرية التطور الذري، علينا أيضًا أن نفهم المزيد عن اختراع المواد دون الذرية. 


شارك المقالة: