أسد علي وفي الحروب نعامة

اقرأ في هذا المقال


صاحب المقولة

هو أبو سِمَاك، عِمران بن حِطَّان بن ظَبيَان السَّدوسِي الشَّيبَانِي الوَائليّ؛ ويعود نسبه الى شيبان من بكر بن وائل. اختُلِفَ في تاريخ ولادتهِ، ولكنَّ وفاتهُ كانت سنة 84 هجرية/ 703م. وهو شاعر عربي من شعراء صدر الإسلام.

نشأ بالبصرة في العراق، وطلب العِلم والحَديث، ثُمَّ اعتَنقَ المَذهب الخَارِجيّ( الخَوارج)، الذين كانت بِدايات خروجهم على الخليفة الرَّاشد عثمان بن عفّان_ رضي الله عنه_؛ وتَعمَّقَ هذا الرجل في مذهب الخوارج، حتى صار رأس القَعَدَة( الذين يُجِيزون القُعود في الحرب). وكان من أهل السُّنّة والجماعة في البصرة، والتقى بعَدَدٍ من الصحابة ورَوى عنهم. لكنّه انضَمَّ إلى الخوارج الشَّراة عند تقدمه في السن،و( الشَّراة)؛ هم الخوارج الذين شَرَوا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله كما يَزعُمون، وكان من شُعرائِهم ودُعاتِهم والمُقدَّمين في مذهبهم.

شَهِدَ له الأخطل التَّغلبي في مجلس عبدالملك بن مروان بأنه أشعَر مِن جميعِ مَن كانوا في المجلس؛ وقال: لأنّه قال وهو صادق فَفاقهُم، فكيف لو كذب كما يكذبون؟.

وقِيل أنَّ سبب انضِمَامه للخوارج، أنّه تزوَّج امرأة خارجية أراد أن يُقنِعها بمذهبه، فأقنَعتهُ بِمَذهبهَا. وطلبهُ الحجّاج بن يوسف الثقفي؛( والي العراق)؛ بعد التحاقه بالشَّراة، فهرب إلى الشام، فطلبه الخليفة عبدالملك بن مروان، فهرب إلى عُمان، فأمر الحجاج واليها بالقبض عليه، لكنه مات هناك على مذهب الإبَاضيَّة.

قال عنه الزَّركلي في كتابهِ الأعلام:« كان شاعراً مُفلِّقاً مُكثِراً»، وهو الذي قال الأبيات الشهيرة، التي عَيَّرَ بها الحَجَّاج عند هروبه من” غزالة الشّيبانيّة”؛ أثناء إحدى الوقائع أو المعارك، أو تَحصُّنه منها في أحد الحصون، حيث قال:

أسَـدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَــةٌ      رَبْداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ

هَلّا بَرَزتَ إِلى غَزالَة في الوَغى       بَل كانَ قَلبُكَ في جَناحَي طائِـرِ

صدعت غَــزالـة  قَـلبـَـهُ بِفَوارِسٍ       تَرَكـتَ مَنـابِـرَهُ كَأَمـسِ الدابِـرِ

أَلقِ السِلاحَ وَخـُذ وِشاحي مُعْصِرٍ       وَاعْـمَد لِمَنزِلـةِ الجَبانِ الكافِـرِ

قصة المقولة

ذكرت كتب التاريخ العربي الإسلامي؛ أنَّ” غَزَآلة الشَّيبانيّة“، كانت من شَهيرات النّساء العربيّات في الشَّجاعة والفُروسية؛ ولدت بالموصل في العراق، وهي امرأة” شبيب بن يزيد بن نعيم الشيبانيّ“.

كانت من الخَوارج، وقد خرجت مع زوجها على الخليفة الأمويّ، عبدالملك بن مروان سنة 76 هجرية، أيام ولاية الحَجّاج على العراق، فكانت تقاتل في الحروب قتال الأبطال؛ وكانت غَزالة شديدة البأس تقاتل قتالاً شديداً يعجز عنه الأبطال من الرجال.

وقد بعث “الحجّاج” خمسة قادةٍ لمحاربة شبيب، فهزمهم جميعاً، ثمَّ خرج “شبيب” من الموصل يُريد مهاجمة الكوفة، مكان إمارة الحَجّاج؛ ومعه “غزالة”؛ فخرج “الحجّاج” من البصرةِ يريد الكُوفة أيضاً، فأسرع “شبيب” لمُلاقَاتهِ قبل وصوله الكوفة، ولكن الحجّاج كان أسرع منه، فدخل الكوفة وتَحصّنَ في قصر الإمارة خوفاً من ملاقاة “شبيب” و”غزالة”، وقد عَيّرهُ الشُّعراء بذلك، ومنهم صاحبنَا الشّاعر، عِمران بن حِطّان؛ وكان مُلاحقاً كما ذكرنا سالفَاً من “الحجّاج”، فقال يعيّره بهروبه من اللِّقاء واختِبائهِ في دار الإمارة:

أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةربداء تجفل من صفير الصافرِ
هلاّ برزت إلى “غزالة” في الوغىبل كان قلبك في جناحي طائر
صدعت غزالة قلبه بفوارستركت مدابره كأمس الدابر

ودخل “شبيب” الكُوفة ومعه أمَّه “جُهَيزة”، وزوجته غزالة عند الصباح، وكانت غزالة قد نذرت أن تدخل مسجد الكوفة فتصلّي فيه ركعتين، تقرأ في الأولى سورة «البقرة»، وفي الثانية سورة «آل عمران»، وهما أطول سورتين من سور القرآن الكريم، وقد جاؤوا إلى الجامع في سبعين رجلاً، فصلّت فيه غزالة ركعتين وخرجت من نَذرِها وهي مُحَاطة بمظاهر التَّقدير والإحترام، ولكن أهل الكوفة والذين كانت حروب الحرورية قد أقلقتهم كثيراً، قالوا في تلك السنة:

وَفَّت “الغزالة” نَذرهايا ربّ لا تغفر لها

وظلّ شبيب ومعه غَزالة على رأس قوّة من الخوارج «الحَروريّة» يحاربون “الحجّاج” حتى هزموا له عشرين جيشاً في مدّة سنتين، وقد دخل “شبيب” الكوفة للمرّة الثانية على رأس ألف مقاتل ومعه “غزالة” على رأس مئتين من نساء الخوارج، وقد تقلّدن السيوف وحَملنَ الرِّماح، ووصلوا إلى المسجد الجامع بعدما قتلوا حُرّاسه ومن كان فيه، ونصّب “شبيب” “غزالة” على المنبر، فَخَطبَت فيمن حضر، وقد قال” أيمن ابن خُرَيم بن فَاتك الأسدي” في ذلك:

أقامت “غزالة” سوق الضِّرابلأهل العراقين شهراً قميطا
سَمَت للعِرَاقَين في جيشهافلاقى العِراقَان منها بَطيطا

 أرسل الخليفة عبدالملك بن مروان، جيوشاً عديدةً من الشام لمحاربة قوّات شبيب وغزالة، وقد استطاعت تلك القوّات وبعد معارك عنيفة أنْ تنتصر على قوّات شبيب، وقد قُتِلت غزالة في معركة قرب الكوفة، وحمل رأسها أحد فُرسان الجيش، وهو “خالد بن عَتَّاب الرِّياحي”؛ ليأخذه إلى “الحجّاج”، ولكن “شبيب” شَاهَده وعَرَفه، فأرسل إليه أحد فرسانه فقتله وعاد بالرأس إلى “شبيب” الذي أمر بغسله وتكفينه ودفنه، وقال شبيب فوق قبرها:

هي أقرب إليكم رحماً.

ويُضَرب صَدرُ هذا البيت من الشِّعرِ مثلاً، لِمن يَتقَاوى على ضعيف، ولكنه في مواجهة الشجعان والفرسان أجْبَن من نَعامة، ويضرب بها المَثل في الجُبن.


شارك المقالة: