أمثال عربية مشهورة- بلغ السيل الزبى

اقرأ في هذا المقال


في الشدائد والملمات، يقوم المرء باللجوء إلى حكمة أجداده، وما أثمرته تجاربهم، والتي يزخر بها تراثهم العظيم من الحكم والأمثال والأقوال والأشعار، نحاول أن نتصبر بها، وأن نستلهم منها الوعي والقوة والعمل، وليس هناك أدنى شك أنّ للأمثال دورها الكبير في إظهار درجة فصاحة الشخص المتكلم أوالكاتب، وفي تمكينهما من أن يعبّرا ويبيّنا بعبارة موجزة عن الكثير الأفكار، فما يكاد يسمع أهل اللغة مثلًا أو يقرؤونه، حتى تتداعى المعاني في أذهانهم فتغني المتحدث والكاتب عن كثير من الكلمات والألفاظ.

ما هو المثل بإيجاز؟

الأمثال هي عبارات ذات فائدة ومغزى، ولعل من أهم مميزاتها أنها موجزة، وقد توارثتها الأمم مشافهةً من جيل إلى آخر، والمثل جملة محكمة البناء بليغة العبارة، شائعة الاستعمال عند مختلف طبقات المجتمع، وإذ يلخّص المثل حكاية عناء سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجماعة، فقد حظي عند الناس بثقة تامة، فصدّقوه لأنه يُهتدى به في حلّ مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة من مشكلة قديمة، وتلك المشكلة القديمة انتهت إلى عبرة لا تُنسى، وقد قيلت هذه العبرة في جملة موجزةٍ قد تُغني عن رواية ما جرى هي الأمثال، وفيما يلي بين يدينا مثل عربي مشهور هو “بلغ السيل الزبى”.

فيم يضرب مثل “بلغ السيل الزبى”؟

يُعد مثل “بلغ السيل الزبى واحد من الأمثال العربية القديمة، والتي تُحكى في الوقت الذي تصل فيه الأمور إلى حد لا يمكن الصمت عليه، فالصبر حينها ينفذ؛ لأنّه قد كان من غير المتصور أو المتوقع أن تصل الأمور إلى ذلك الحد، فإذا حدث ووصلت إلى ذلك الحد، ففي هذه الحالة تكون قد فاقت التوقّعات والحسابات، فلا يحتمل الصّبر حينها، ولا يمكن السكوت عليها.

شرح مفردات مثل “بلغ السيل الزبى”:

معنى كلمة “الزّبى” كما قال ابن منظور صاحب معجم “لسان العرب”: هي “جمع زُبية، وهي الرابية التي لا يعلو فوقها الماء”، والرابية: هي ما ارتفع عن الأرض، وقيل أيضًا في معناها: أنها حفرة تُحفر للأسد بقصد اصطياده، ولا تحفر إلا في مكانٍ عالٍ من الأرض؛ حتى لا يبلغها السيل، ويقول صاحب مجمع الأمثال في شرحه لمعنى “بلغ السيل الزبى”: “هي جمع زُبية، وهي حفرة تحفر للأسد إذا أرادوا صيده، وأصلها الرابية لا يعلوها الماء، فإذا بلغها السيل كان جارفًا مجحفًا، وهو مثل يُضرب لمن جاوز الحد”.

قصة مثل “بلغ السيل الزبى”:

تدور أحداث قصة هذا المثل المشهور”بلغ السيل الزبى” في زمن غابر، إذ يُروي أنه كان هناك رجل كان يصطاد الأسود، وفي يوم من الأيام، وحين ذهب إلى الصيد خطرت له فكرة، وهي أن أفضل طريقة تمكنه من أن يصطاد بها الأسود، هي أن يحفر لها حفرة في مكان مرتفع “رابية”، فعندما يأتي الأسد، ويقع فيها، يستطيع الرجل أن يصيده، وذات أمطرت السماء مطرًا غزيرًا جدًا، وتكونت سيول غمرت الحفرة، الأمر الذي أعاق الرجل عن الوصول إليها، فبقي الصياد حائرًا، لا يدري ماذا يفعل، اعتبر الصياد أن الذي حدث، أمرًا يستحيل تفاديه أو التصرف حياله، فقال: بلغ السيل الزبى، والزبى كما أسلفت هو جمع زبية، والزبية هي الحفرة، فذهب قوله هذا مثلًا مشهورًا، تناقلته الألسن حتى زماننا هذا.

فإذا ألم بالإنسان أمر أو طارئ معيّن، أو حدثت له مشكلة ما، وتفاقمت به إلى أن وصلت إلى حدٍ كبير فاق كل التوقّعات لدرجة أنه لا يمكن السكوت عليه، ففي ذلك الوقت كان بإمكان هذا الإنسان أن يتمثّل بهذا المثل: “لقد بلغ السيل الزبى”، فهو يشبه ذلك الأمر الذي تجاوز حدّه بالسيل الذي تفاقم وزاد في جريانه إلى أن وصل الأماكن المرتفعة، بهذا يكون خرج عن المألوف وتجاوز حدّه، إذ وصل به الأمر إلى أن يصيب الرابية المرتفعة عن الأرض، فيجرفها أو يطمرها وكأنها ما كانت.

اتساع استخدام مثل “بلغ السيل الزبى”:

اتّسع استخدام مثل “بلغ السيل الزبى” عند الكثير من الناس، وقد تناقلته ألسنة العامة حتى صار يُضرب على المرء، حين تُناط وتُسند إليه مسؤولية ثقيلة على كاهله، أو على الذي يُكلّف بمهمة أو عمل ما، وهو لا يقوى على أن ينجزها، وكذلك الذي يطيل التفكير في مسألة معينة، تستهلك وتستنفذ كل قواه الفكرية.

المصدر: الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000


شارك المقالة: