إنّ المعافى غير مخدوع

اقرأ في هذا المقال


كل الشّعوب تمتلك موروثات ثقافيّة تميّزها عن غيرها، وهي بدورها تعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التّاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التّراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، إذ يقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبّرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجدّ من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “إنّ المعافى غير مخدوع”.

فيم يضرب مثل: “إن المعافى غير مخدوع”؟

يُعدّ مثل: “إنّ المعافى غير مخدوع”، من الأمثال العربية المشهورة، والتي تعبّر عن آفة اجتماعية قد يتعرّض لها البعض، ألا وهي الخداع، إذ إنّ هناك الكثيرين ممّن ينخدعون في هذه الحياة في العديد من الأمور، غير أنّ الذي تنكشف عنه الغمّة، ويعرف أمر خداعه، فهو بذلك قد أفلت من سوء الخداع، لذلك يُقال للمرء الذي ينجو من الخداع: “إنّ المعافى غير مخدوع”.

قصة مثل: ” إنّ المعافى غير مخدوع”

فيما يُروى عن حكاية مثل: “إنّ المعافى غير مخدوع”، فيُذكر أنّه كان هناك رجل من بني سليم يُدعى: “قادحًا”، وكان في زمن أمير مشهور بكنية: “أبي مظعون”، وكما كان هناك رجل من بني سليم أيضًا معروف “بسُليط”، والذي علِق امرأة قادح فلم يزل بها حتّى أجابته وواعدته، فأتى سليط قادحًا وأخبره بأنّه قد علّق جارية لأبي مظعون، وأنّها قد واعدته، ثمّ طلب إليه أن يقعد مع أبي مظعون في مجلسه، وقال له: “إذا أراد أبو مظعون القيام، فاسبقه”.

كما طلب سليط إلى قادح أن يصفر إذا ما وصل إلى موضع معين، بعد أن ينهي جلسته مع الجارية، ووعده أن يعطيه كلّ يوم دينارًا، وكان أبو مظعون آخر من يقوم من المجلس، ففعل قادح ما أمره به سليط كي يأخذ حذره، وذات مرّة ورد اسم النّساء في المجلس، فتحدّث أبو مظعون عن جواريه ومدى عفافهنّ، فسخر قادح قائلًا: “ربما غُرّ الواثق، وخُدع الوامق، وكذب الناطق، وملّت العاتق”.

ثم أكمل قادح حديثه أمام أبي مظعون مشيرًا إلى أنّه منخدع بجواريه، إذ قال:

”لا تنطقنّ بأمر لا تَيقنّه يا عمرو، إنّ المعافى غير مخدوع”، وأمّا عمرو فهو الاسم الحقيقيّ لأبي مظعون، فعلم أبو مظعون أنّ هناك أمر ما يحدث دون علمه، وحينما انتهى المجلس ومضى النّاس، قام الأمير بالقفز باتّجاه قادح، ثمّ خنقه طالبًا إليه أن يصدقه الحديث.

عند ذاك قام قادح بالاعتراف بما حدث، حينها علم أبو مظعون أنّ سليطًا قد قام بخداع قادح، فأمسك به من يده، ثمّ مرّ به على الجواري، ليجد كلّ واحدة منهنّ منشغلة في عملها، ولم ينقص منهنّ واحدة، ثم انطلق به تجاه بيته، لتكون صدمة قادح الكبرى، إذ اكتشف خيانة زوجته، وخداع صديقه، حينها قال أبو مظعون ساخرًا: “إنّ المعافى غير مخدوع”، فتناول قادح السّيف، إلّا أنّه لم يتمكّن من قتل سليط الذي هرب، غير أنّه قتل زوجته.

المصدر: حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010 الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000 الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011 أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009


شارك المقالة: