تفسير سورة الأنبياء

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى في محكم كتابه العزيز : (ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِی غَفۡلَةࣲ مُّعۡرِضُونَ (١) مَا یَأۡتِیهِم مِّن ذِكۡرࣲ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ یَلۡعَبُونَ (٢) لَاهِیَةࣰ قُلُوبُهُمۡۗ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ هَلۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡۖ أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ (٣) قَالَ رَبِّی یَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ (٤)) صدق الله العظيم.

مناسبة التسمية:

ذكرت السورة الكثير من الأنبياء عليهم السلام بتسلسل جميل بديع.

موافقة أول السورة لآخرها:

  • بدأت السورة المباركة بالتذكير والبلاغ بقوله تعالى: (ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِی غَفۡلَةࣲ مُّعۡرِضُونَ (١) مَا یَأۡتِیهِم مِّن ذِكۡرࣲ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ یَلۡعَبُونَ (٢)) صدق الله العظيم.
  • كذلك بتذكير وبلاغ للناس بقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِی هَـٰذَا لَبَلَـٰغࣰا لِّقَوۡمٍ عَـٰبِدِینَ (١٠٦) وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ (١٠٧)﴾ صدق الله العظيم، وذلك من باب الرحمة بالخلق، وجاء عن أبي محمد الحضرمي، قال: ثنا كعب في هذا المسجد، قال: والذي نفس كعب بيده، إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين، إنّهم لأهل، أو أصحاب الصلوات الخمس، سماهم الله عابدين.

المحور الرئيسي للسورة:

إرسال الرسل والأنبياء رحمة للناس من الله تعالى لذلك قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)) صدق الله العظيم.

مواضيع السورة المباركة:

تنبيه الناس من الغلفة الواقعة بهم قال تعالى : ﴿ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِی غَفۡلَةࣲ مُّعۡرِضُونَ (١) مَا یَأۡتِیهِم مِّن ذِكۡرࣲ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ یَلۡعَبُونَ (٢)﴾ صدق الله العظيم [الأنبياء ١-٢].

2 – تنبيه وتذكير الكافرين إلى ما أصاب المستهزئين والمكذبين من قبل قال تعالى : ﴿وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡیَةࣲ كَانَتۡ ظَالِمَةࣰ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِینَ (١١) فَلَمَّاۤ أَحَسُّوا۟ بَأۡسَنَاۤ إِذَا هُم مِّنۡهَا یَرۡكُضُونَ (١٢)﴾ صدق الله العظيم، وقال تعالى ﴿قَالُوا۟ یَـٰوَیۡلَنَاۤ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِینَ (١٤) فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَـٰهُمۡ حَصِیدًا خَـٰمِدِینَ (١٥)﴾ صدق الله العظيم.

2 – عرض وحصر المشاهد الأخيرة ليوم القيامة فقال الله تعالى في محكم كتابه العزيز : ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (٩٧) ﴾ صدق الله العظيم، وقال تعالى ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (١٠٤) ﴾ صدق الله العظيم .

3 – عرض دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى في الكون، للتأكيد على وحدانية الله عز وجل قال تعالى : (أَوَلَمۡ یَرَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقࣰا فَفَتَقۡنَـٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ حَیٍّۚ أَفَلَا یُؤۡمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلۡنَا فِی ٱلۡأَرۡضِ رَوَ ٰ⁠سِیَ أَن تَمِیدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِیهَا فِجَاجࣰا سُبُلࣰا لَّعَلَّهُمۡ یَهۡتَدُونَ (٣١) وَجَعَلۡنَا ٱلسَّمَاۤءَ سَقۡفࣰا مَّحۡفُوظࣰاۖ وَهُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهَا مُعۡرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلࣱّ فِی فَلَكࣲ یَسۡبَحُونَ (٣٣)) صدق الله العظيم .

فوائد ولطائف حول السورة المباركة:

الابتلاء علامة من علامات شكر العباد لربهم، وصبرهد دليل على صدقهم مع مولاهم قال تعالى: (كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَیۡرِ فِتۡنَةࣰۖ وَإِلَیۡنَا تُرۡجَعُونَ (٣٥)) صدق الله العظيم.

2 – سبق القرآن في التكلم عن أولية نشأة الكون دليل على أنّه وحي من رب العالمين قال تعالى : (وَجَعَلۡنَا فِی ٱلۡأَرۡضِ رَوَ ٰ⁠سِیَ أَن تَمِیدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِیهَا فِجَاجࣰا سُبُلࣰا لَّعَلَّهُمۡ یَهۡتَدُونَ (٣١) وَجَعَلۡنَا ٱلسَّمَاۤءَ سَقۡفࣰا مَّحۡفُوظࣰاۖ وَهُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهَا مُعۡرِضُونَ (٣٢)) صدق الله العظيم.

3- أطالت السورة المباركة في التحدث عن سيدنا ( إبراهيم عليه السلام) لكونه أباً للأنبياء عليهم صلوات الله جميعاً.

4 – سر من أسرار إجابة الدعاء هو ( المسارعة في الخيرات – والدعاء خوفاً وطمعاً- والخشوع لله تعالى ) قال تعالى في كتابه العزيز : ﴿وَزَكَرِیَّاۤ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ رَبِّ لَا تَذَرۡنِی فَرۡدࣰا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلۡوَ ٰ⁠رِثِینَ (٨٩) فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ یَحۡیَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥۤۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ وَیَدۡعُونَنَا رَغَبࣰا وَرَهَبࣰاۖ وَكَانُوا۟ لَنَا خَـٰشِعِینَ (٩٠)﴾ صدق الله العظيم.

5 –  قال تعالى: (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ (١٠٧)) قال الرازي: المسألة الأولى: أنّه عليه السلام كان رحمة في الدين وفي الدنيا؛ أمّا في الدين فلأنه عليه الصلاة والسلام بعث والناس في جاهلية وضلالة، وأهل الكتابين كانوا في حيرة من أمر دينهم؛ لطول مكثهم وانقطاع تواترهم ووقوع الاختلاف في كتبهم، فبعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم حين لم يكن لطالب الحق سبيل إلى الفوز والثواب، فدعاهم إلى الحق، وبين لهم سبيل الثواب، وشرع لهم الأحكام، وميز الحلال من الحرام، ثم إنما ينتفع بهذه الرحمة من كانت همته طلب الحق، فلا يركن إلى التقليد ولا إلى العناد والاستكبار، وكان التوفيق قريناً له؛ قال الله تعالى: ﴿قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء﴾ صدق الله العظيم- [فصلت: ٤٤] إلى قوله تعالى: ﴿وهو عليهم عمى﴾ صدق الله العظيم- [فصلت: ٤٤ ] .

وأمّا في الدنيا فلأنَّهم تخلصوا بسببه من كثير من الذل والقتال والحروب ونصروا ببركة دينه. فإن قيل: كيف كانت رحمة وقد جاء بالسيف واستباحة الأموال ؟ قلنا: الجواب من وجوه:

أحدها: إنّما جاء بالسيف لمن استكبر وعاند ولم يتفكر ولم يتدبر، ومن أوصاف الله الرحمن الرحيم، ثم هو منتقم من العصاة. فقال تعالى: ﴿ونزلنا من السماء ماء مباركا﴾ صدق الله العظيم- [ق: ٩] ثم قد يكون سبباً للفساد.

وثانيها: أنّ كل نبي قبل نبينا كان إذا كذبه قومه أهلك الله المكذبين بالخسف والمسخ والغرق، وأنّه تعالى أخَّر عذاب من كذب رسولنا إلى الموت أو إلى القيامة؛ قال تعالى: ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم﴾ صدق الله العظيم- [الأنفال: ٣٣] لا يقال: ألم يقل الله تعالى: ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم﴾ صدق الله العظيم [التوبة: ١٤]؛ وقال تعالى: ﴿ليعذب الله المنافقين والمنافقات﴾ صدق الله العظيم [الأحزاب: ٧٣] لأنّا نقول: تخصيص العام لا يقدح فيه.

وثالثها: أنّه عليه السلام كان في نهاية حسن الخلق، قال تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ صدق الله العظيم [القلم: ٤] وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «قيل لرسول الله ﷺ ادع على المشركين، قال: إنّما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا»  وقال في رواية حذيفة: «إنّما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما رجل سببته أو لعنته فاجعلها اللهم عليه صلاة يوم القيامة»  .

ورابعها: قال عبد الرحمن بن زيد أن الله قال: ﴿إلا رحمة للعالمين﴾ يعني المؤمنين خاصة.

6  – قال تعالى: ﴿حَتّى إذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وهم مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ صدق الله العظيم،  قال ابن عباس: من كل شرف يقبلون، أي لكثرتهم ينسلون من كل ناحية. والحدب ما ارتفع من الأرض. وهم:  يأجوج ومأجوج.

المصدر: تفسير القرآن العظيم — ابن كثيرروح المعاني — الآلوسيفتح البيان — صديق حسن خانجامع البيان — ابن جرير الطبريزاد المسير — ابن الجوزي


شارك المقالة: