تفسير سورة الانشقاق

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى: ﴿إِذَا ٱلسَّمَاۤءُ ٱنشَقَّتۡ﴾ صدق الله العظيم[الانشقاق ١] السماء- التي هي بنيانٌ محكمٌ، والتي قال تعالى عنها: ﴿وَٱلسَّمَاۤءَ بَنَیۡنَـٰهَا بِأَیۡی۟دࣲ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات ٤٧] هذه السماء ذات البُنيان المُحكم – يختل نظامها يوم القيامة، وتزول وتتشقق، كما قال تعالى في سورة الفرقان: ﴿وَیَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاۤءُ بِٱلۡغَمَـٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ تَنزِیلًا﴾ صدق الله العظيم[الفرقان ٢٥]  نسأل الله النجاه.

قوله تعالى: ﴿وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ﴾ صدق الله العظيم [الانشقاق ٢] أي: استمعت لكلام الله في تصدعها، وتشققها، وأطاعات لأنّها ما تشققت إلا بإذن الله جل، وأمر الله تعالى، فالسماء مُطيعة لله تعالى، (وَحُقت)أي: وحق لها أن تطيع وتستمع، والمعنى: أن السماء بقيت طوال حياتها مُطيعة لله تعالى، وجاء وقت الزوال لها.

 قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ﴾ صدق الله العظيم [الانشقاق ٣] تُمد الأرض مدَّ الأديم كما أخرج الحاكم قال السيوطي بسند جيد عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ” تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم فيها إلا موضع قدميه “، والمعنى: بُسطت بسطاً عظيماً.

قال تعالى: ﴿وَأَلۡقَتۡ مَا فِیهَا وَتَخَلَّتۡ﴾ صدق الله العظيم[الانشقاق ٤] ألقت ما فيها من أموات، وألقت ما فيها من كنوز، وقد صح عن أبي هريرة: قال رسول الله عليه وسلم:  تَقِيءُ الأرْضُ أفْلاذَ كَبِدِها، أمْثالَ الأُسْطُوانِ مِنَ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ القاتِلُ فيَقولُ: في هذا قَتَلْتُ، ويَجِيءُ القاطِعُ فيَقولُ: في هذا قَطَعْتُ رَحِمِي، ويَجِيءُ السّارِقُ فيَقولُ: في هذا قُطِعَتْ يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فلا يَأْخُذُونَ منه شيئًا.

قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحࣰا فَمُلَـٰقِیهِ﴾ صدق الله العظيم [الانشقاق ٦] يا أيها الإنسان إنك عاملٌ إلى لقاء ربك عملاً؛ فإن خيراً فخيرٌ، وإن شراً فشرٌ.

قال تعالى: (فَأَمَّا مَنۡ أُوتِیَ كِتَـٰبَهُۥ بِیَمِینِهِۦ (٧) فَسَوۡفَ یُحَاسَبُ حِسَابࣰا یَسِیرࣰا (٨) وَیَنقَلِبُ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورࣰا (٩)) الناس في الآخرة فريقان لا ثالث لهما: فريقٌ منعم، وفريق معذب، وقد جاء عن عائشة أم المؤمنين: كانَتْ لا تَسْمَعُ شيئًا لا تَعْرِفُهُ، إلّا راجَعَتْ فيه حتّى تَعْرِفَهُ، وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَن حُوسِبَ عُذِّبَ قالَتْ عائِشَةُ: فَقُلتُ أوَليسَ يقولُ اللَّهُ تَعالى: {فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: ٨] قالَتْ: فَقالَ: إنَّما ذَلِكِ العَرْضُ، ولَكِنْ: مَن نُوقِشَ الحِسابَ يَهْلِكْ، وجاء عن عائشة أم المؤمنين:] عَن عائشةَ قالَت: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ في بعضِ صلاتِهِ:اللَّهمَّ حاسِبني حسابًا يسيرًا قلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ ما الحسابُ اليسيرُ؟ قالَ: أن ينظُرَ في كتابه، فيتجاوَزَ عنهُ إنَّهُ مَن نوقِشَ الحسابَ يومئذٍ يا عائشَةُ ! هلَكَ.

وقفة:

حالُ كثير من الناس أنّهم مشغولون عن الحساب، ولو جال بخاطر أحدهم أمن هناك حسابٌ يُحاسب فيه على الصغير والكبير، والسر، والعلن، فسيعمل أعمالاً جليلة تنجيه من هول يوم الحساب.

قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنۡ أُوتِیَ كِتَـٰبَهُۥ وَرَاۤءَ ظَهۡرِهِۦ (١٠) فَسَوۡفَ یَدۡعُوا۟ ثُبُورࣰا (١١) وَیَصۡلَىٰ سَعِیرًا (١٢) إِنَّهُۥ كَانَ فِیۤ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورًا (١٣)) صدق الله العظيم، هذا تثنى يده قهراً؛ يأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره، قوله: (مسروا) كان في أهله فرح مسرور بالمعاصي، ومسرور بالكفر الذي يقع فيه.

قال تعالى: (إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن یَحُورَ (١٤) بَلَىٰۤۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِیرࣰا (١٥)) صدق الله العظيم، ظن أن لن يرجع إلى الله، وأنّه ليس هناك يوم حساب.

قوله تعالى: (فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ (١٦) وَٱلَّیۡلِ وَمَا وَسَقَ (١٧) وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ (١٨) لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقࣲ (١٩) فَمَا لَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ (٢٠) وَإِذَا قُرِئَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا یَسۡجُدُونَ) الشفق: الحمرة التي تبقى في السماء بعد غروب الشمس، ( وما وسق) أي الليل، وما حوى، وما جمع، (إذا اتسق) أي : اكتمل.

قوله تعالى: (لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقࣲ) قيل المخاطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ستمر بك أحوال الدنيا أحوالٌ من الفقر إلى الغنى، ومن الضعف إلى القوة، وقيل: أحوال الناس المتقلبة ومراحلها، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن تُرَابࣲ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةࣲ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةࣲ ثُمَّ یُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلࣰا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوۤا۟ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُوا۟ شُیُوخࣰاۚ وَمِنكُم مَّن یُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوۤا۟ أَجَلࣰا مُّسَمࣰّى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ﴾ صدق الله العظيم [غافر ٦٧].

قوله تعالى: (وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا یُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِیمٍ (٢٤) إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَیۡرُ مَمۡنُونِۭ (٢٥)) صدق الله العظيم- (بما يوعون) أي: والله أعلم بمو يوعونه في صدروهم ويكتمونه في صدورهم.

قوله تعالى: (إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَیۡرُ مَمۡنُونِۭ) هذا استثناء منقطع والمعنى: هؤلاء لهم أجر غير منقطع.

المصدر: زاد المسير — ابن الجوزيجامع البيان — ابن جرير الطبريفتح البيان — صديق حسن خانروح المعاني — الآلوسيالنكت والعيون — الماوردي


شارك المقالة: