تفسير سورة الحج

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَیۡءٌ عَظِیمࣱ (١) یَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّاۤ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِیدࣱ (٢) وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَـٰدِلُ فِی ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَیَتَّبِعُ كُلَّ شَیۡطَـٰنࣲ مَّرِیدࣲ (٣) كُتِبَ عَلَیۡهِ أَنَّهُۥ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُۥ یُضِلُّهُۥ وَیَهۡدِیهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِیرِ (٤)) صدق الله العظيم.

ما جاء عن السورة من أحاديث:

عن عمران بن حصين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إنَّ زلزلة الساعة شيء عظيم) – إلى قوله- ولكن عذاب الله شديد” قال: أنزلت عليه هذا الآية وهو في سفر فقال: “أتدرون أي يوم ذلك”؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: “ذاك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار قال يا رب وما بعث النار قال تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة”. فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” قاربوا وسددوا فإنَّه لم تكن نبوة قط إلّا كان بين يديها جاهلية- قال- فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلّا كملت من المنافقين وما مثلكم والأمم إلّا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير- ثم قال- إنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة- فكبروا، ثم قال- إنّي لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة- فكبروا، ثم قال- إنّي لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة “فكبروا.

مناسبة التسمية:

ذكرها مناسك الحج ومشاعره.

موافقة أول السورة لآخرها:

  • بدأت السورة المباركة بأمر الناس بالتقوى قال تعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾.صدق الله العظيم
  • وختمت بتوضيع المعالم التي يقوم عليها التقوى (الصلاة – الزكاة المجاهدة – فعل الخير- الاعتصام بالله ) قال تعالى: ﴿وَجَـٰهِدُوا۟ فِی ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ هُوَ ٱجۡتَبَىٰكُمۡ وَمَا جَعَلَ عَلَیۡكُمۡ فِی ٱلدِّینِ مِنۡ حَرَجࣲۚ مِّلَّةَ أَبِیكُمۡ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ مِن قَبۡلُ وَفِی هَـٰذَا لِیَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِیدًا عَلَیۡكُمۡ وَتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِٱللَّهِ هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِیرُ﴾ صدق الله العظيم، وذلك لأنّ التقوى هي أساس بناء المجتمعات وأسس فلاحها وسعادتها.

المحور الرئيسي للسورة :

الأمر بتقوى الله سبحانه وتعالى، وذكر أصناف الناس، لتلقي هذا الأمر، ثم بينت الجزاء فقال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) ﴾ صدق الله العظيم، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یُدۡخِلُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ یُحَلَّوۡنَ فِیهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبࣲ وَلُؤۡلُؤࣰاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِیهَا حَرِیرࣱ (٢٣) وَهُدُوۤا۟ إِلَى ٱلطَّیِّبِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَهُدُوۤا۟ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طِ ٱلۡحَمِیدِ (٢٤)﴾  صدق الله العظيم.

2 – عرض الأدلة العقلية لوجود الخالق سبحانه وتعالى – البعث من  القبور- قرب الساعة – إن الله على كل شيء قدير) قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِی رَیۡبࣲ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن تُرَابࣲ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةࣲ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةࣲ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةࣲ مُّخَلَّقَةࣲ وَغَیۡرِ مُخَلَّقَةࣲ لِّنُبَیِّنَ لَكُمۡۚ وَنُقِرُّ فِی ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَاۤءُ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى ثُمَّ نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلࣰا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوۤا۟ أَشُدَّكُمۡۖ وَمِنكُم مَّن یُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن یُرَدُّ إِلَىٰۤ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَیۡلَا یَعۡلَمَ مِنۢ بَعۡدِ عِلۡمࣲ شَیۡـࣰٔاۚ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةࣰ فَإِذَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡهَا ٱلۡمَاۤءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِیجࣲ﴾ [الحج ٥] صدق الله العظيم.

3 – عرض القصة التي تم فيها بناء الحرم.

4 –  عرض بعض أحكام الحج، منافع الحج ، وآدابه وما وراءها من مقاصد وأسرار.

5 – عرض بعض أنواع القلوبك.

( القلب القاسي  – القلب المريض – القلب المُخبت).

منها قوله تعالى: ﴿ذَ ٰ⁠لِكَۖ وَمَن یُعَظِّمۡ شَعَـٰۤىِٕرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ﴾صدق الله العظيم، وقوله تعالى ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥) ﴾ صدق الله العظيم.

7 – فضل الهجرة لنصرة الدين ( رزق في الدين – ورزق في الآخرة)، قال تعالى : ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) ﴾ صدق الله العظيم.

فوائد ولطائف حول السورة المباركة :

  1. الكون من عرشه إلى فرشه يسجد لله تعالى وخص الله في هذه السورة ( الشمس والقمر والنجوم والدواب)، لأنّ البشر عبدوها من دون الله، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ صدق الله العظيم، قال الطبري: ألم تر يا محمد بقلبك، فتعلم أنّ الله يسجد له من في السماوات من الملائكة، ومن في الأرض من الخلق من الجنّ وغيرهم، والشمس والقمر والنجوم في السماء، والجبال، والشجر، والدوابّ في الأرض، وسجود ذلك ظلاله حين تطلع عليه الشمس، وحين تزول، إذا تحول ظلّ كل شيء فهو سجوده.
  2. – تقديم ( الرجال ) الذين يحجون مشياً على الأقدام على الذين يحجون ركباناً (وعلى كل ضامر) جبراً لخواطرهم، ومحبة لهم ورفعة له، حتى لا تزدريهم نفوس الركبان، قال تعالى : ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ﴾ صدق الله العظيم.
  3. – ضرب المثل بالذباب لبيان بطلان شرك المشركين وتقليل عقولهم، وتجهيل الجاهلين قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) ﴾ صدق الله العظيم.
  4. قوله تعالى : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ﴾ صدق الله العظيم. قال القرطبي: نزلت في النضر بن الحارث. وقيل: في أبي جهل بن هشام، قال ابن عباس. والمعظم على أنّها نزلت في النضر بن الحارث.
    5 – قوله تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ﴾ صدق الله العظيم، قال أبو سعيد الخدري: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله، فتشاءم بالإسلام فأتى النبي ﷺ فقال أقلني! فقال: “إنّ الإسلام لا يقال” فقال: إنّي لم أصب في ديني هذا خيرا! ذهب بصري ومالي وولدي! فقال: “يا يهودي إنّ الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب”، فأنزل الله تعالى: “ومن الناس من يعبد الله على حرف”.

المصدر: زاد المسير — ابن الجوزيجامع البيان — ابن جرير الطبريفتح البيان — صديق حسن خانروح المعاني — الآلوسيتفسير القرآن العظيم — ابن كثير


شارك المقالة: