زامر الحي لا يطرب

اقرأ في هذا المقال


رغم التطور اللغوي عبر العصور والأزمنة، وانتقال الإنسان من عصر إلى عصر، ومن حديث لأحدث، ومع ذلك كله تبقى الأمثال الشعبية والفصيحة مع الإنسان وتستمر، فنجدها رفيقة المواقف والأحداث، تصوّرها وتصفها وصفًا دقيقًا، وهي الأمثال نفسها التي استخدمها الآباء والأجداد، دون تطور أو تقدم، إنما تُعدّ عند الكثيرين مرآة للحكمة وملاذًا يلجأ إليه المرء عند الحاجة، فإما أن يكون استخدامها للاتعاظ بها، أو لتوجية النصح للآخرين، وأما المثل الذي نحن بصدد التعرّف عليه فهو: “زامر الحيّ لا يطرب”، وبالطبع سنتعرف سويًّا إلى قصة ظهوره، كما سنستوضح المواقف التي يُضرب ويُقال فيها.

فيمَ يضرب مثل “زامر الحيّ لا يطرب”؟

مثل “زامر الحي لا يطرب” هو واحد من الأمثال العربية القديمة، والتي انتشرت في منطقة الخليج العربي، والمقصود من هذه المقولة “أن مطرب الحي لا يطرب ساكنيه، والسبب في ذلك كثرة ما يعزف، والذي تعودت عليه الآذان؛ فيصبح في ذلك الوقت بلا قيمة لديهم لأنه لا يقدم جديدًا”، ويُضرب هذا المثل عندما يلقى المرء من جماعته ورفاقه تجهمًا ونكرانًا، ويشعر معهم بتدني القيمة وانعدام الوجود.

قصة مثل “زامر الحيّ لا يطرب”:

أما قصة مثل “زامر الحيّ لا يطرب” فيُحروى أن زمارًا شابًّا كان يقطن في حي من أحياء إحدى القرى، قد نبغ ومهر في العزف على المزمار، وقد دأب في كل ليلة قبل مغيب الشمس، يخرج آلته ويؤنس وحدته وهو يرعى قطيعه من الغنم، فكان العازف الشاب يشدو بأجمل الألحان التي تنقلها الرياح لأهل قريته، فيستمعون لمطلعها ثم ينشغلون بأعمالهم رغم عذوبة ألحانه، وكان إذا مرّ بينهم لا يعيرونه اهتمامًا ولا يشعرونه بحلاوة ما يصنع.

بقي الزمار الشاب على هذه الحالة يعزف كل في يوم من غير أن يسمع كلمة تحفيز أو تشجيع واحدة من أهل قريته، وفي يوم من الأيام مرّ عليه واحد من الرحالة، فاستوقفته ألحان الزمار الشاب، وطلب إليه أن يرافقه في مقابل أن يمنحه كل شهر ألف درهم، فوافق الشاب على عرض الرجل الرحالة، وسافر معه إلى قرية ليست ببعيدة، وهناك أعلنوا عن حفلة كبيرة عزف بها الشاب أعذب الألحان، ونال رضا وتصفيق الجمهور.

مع مرور الأيام، واستمرار الزمار الشاب بإقامة الحفلات، الواحدة تلو الأخرى، ذاع صيت الفتى وأصبح مشهورًا في كل القرى المجاورة، ثم إنه اغتنى الزمار وزادت شهرته، إلا أن حنينه وشوقه جعلاه يتمنى أن يعود إلى قريته، وطلب من الرحالة أن يذهب معه هناك ويقوما معًا بعمل حفلة كتلك الحفلات التي أقاموها في القرى المجاورة، إلا أن صديقه الرحالة نصحه بعدم الذهاب؛ ذلك أن أهل قريته لا يعيرون الفن أي اهتمام، كما أنه لا مال يُرجى في قريته.

غير أن حنين الفتى لأهله وأبناء قريته جعله يلح على الرحالة في العودة، وبالفعل بعد طول إلحاح وإصرار من الشاب، ذهب الاثنان معًا في موكب مهيب وكبير، ولما وصل الشاب إلى القرية أخذ يتأمل تلك الربوة التي كان يجلس عليها ويعزف أول ألحانه، وحينما دخل الشاب اجتمع حوله الناس، ولكن لرؤية من هو صاحب الموكب المهيب، ولما خرج عليهم لم يعرفوه من حسن مظهره وثرائه، حينها ابتسم الشاب، وأخرج نايه وأخذ يشدو به أجمل الألحان التي طالما سمعها الناس في قريته.

ما إن انتهى الشاب من عزف لحنه، توقف وانتظر أن يسمع صوت أهل القرية مصفقين معلنين إعجابهم، غير أنه لم يجد حوله سوى اثنين واحد منهما هو الرحالة والثاني كان شيخًا عجوزًا، فقال له الرحالة: يا صديقي، إن زامر الحي لا يطرب، وأما الشيخ العجوز فقال له: “إنك قد أخطأت إذ أتيت، وأخطأت إذ تدنيت، وأخطأت إذ تمنيت”، استغرب الشاب من كلام الرجل العجوز، وسأله عن الذي قصده بعباراته، فقال الشيخ الحكيم أما الأولى: ” فإنك أخطأت إذ أتيت من أرض رحبت بك إلى أرض طردتك، فليس بعد الزيادة إلا نقصان “، وأما الثانية: “فإنك أخطأت إذ تدنيت وكان يقصد بقوله ذلك الرحالة الذي كان يستغل الزمار الشاب، فيعطيه فقط ألف درهم ويكسب من ورائه ألف دينار”، وأما الثالثة: “فقد أخطأت إذ تمنيت أن تجد الخير في أهلك بعد أن وجدته في غيرهم”، ومنذ ذلك الوقت راحت عبارة “زمار الحي لا يطرب” مثلًا هذا المثل عندما يلقى المرء من جماعته ورفاقه تجهمًا ونكرانًا.

المصدر: أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحم الجزائري،2010معجم كنوز الأمثال والحكم العربية،كمال الخلايلي،2012حدائق الحكمة،خميس الزوبعي،2020


شارك المقالة: