سعيد أخو مبارك

اقرأ في هذا المقال


تتميز كل شعوب الأرض بميراثها الثقافي الذي تملكه، والذي يصوّر للأجيال اللاحقة الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحٍكَم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “سعيد أخو مبارك”.

فيم يضرب مثل سعيد أخو مبارك

كما هو معروف أن أمثال البدو كثيرة، ولا يوجد موقف أو مناسبة إلا نجد لهما مثلًا اشتهر بين الناس، بعضها معناه وقصته معروفان، ولعل من أشهر هذه الأمثال: “سُعيّد أُخي مبارك”، وبلهجة البدو ينطق سُعيّد تصغير لسعيد، وأُخي تصغير أخو، ومثل: “سعيد أخو مبارك” من الأمثال الشعبية المعروفة، وهو يُضرب حين يشبه شخص أو شيء لا فائدة تُرجى منه، بشخص أو شيء آخر يحمل نفس الصفات، فسعيد ومبارك رمز للأشخاص والأمور المتشابهة في السمات السيئة.

قصة مثل سعيد أخو مبارك

وأما قصة مثل: “سعيد أخو مبارك”، فيُحكى أن رجلًا اسمه سعيد، وقد ترك بيته وسافر يبحث عن رزقه، وبعد أيام من السفر نزل قرية، وقد قام أهلها بتقديره وضيافته وإكرامه، ولما رأى أهل القرية اتزان سعيد وهدوئه وقلة كلامه، أحبوه وتوسموا فيه خيرًا، وطلبوا إليه أن يستقرّ عندهم، على أن يكون إمامًا للمسجد ومعلّمًا للأطفال، يعلمهم أمور الدين والقرآن؛ وذلك مقابل مبلغ من المال يجمعونه له كل شهر.

وافق سعيد على عرض أهل القرية على الرغم من أنه أميّ لا يستطيع القراءة والكتابة، وأصبح يصلي بهم في المسجد، وبعد العصر يعلم الصغار ويدرسهم، ومرت الأيام وكان إعجاب أهل القرية بسعيد يزداد ويكبر، حتى أصبح المفتي والشيخ الخاص بهم، يفتي لهم ويعقد قران أبنائهم وبناتهم، وكانوا إذا حدث خلاف وشجار بينهم، مضوا إليه لكي يحلّها، واستمر على هذه الحال حتى جاء رجل اسمه مبارك من نفس قبيلة سعيد، وقد كان يعرفه حق المعرفة، غير أنه شخصًا مثقفًا متعلمًا.

دخل مبارك على أهل القرية وقت الصلاة، وكان الجماعة في المسجد ينتظرون الإمام، المهم جاء الشيخ سعيد يصلي بهم كالعادة، فكبر وصلى، وبدأ بقراءة الفاتحة، ثم قرأ بعدها سورة أخرى، غير أن هذه السورة جعلت مبارك في غاية الدهشة، حتى كاد يفقد عقله، وصار يقول: ماذا يقرأ هذا الشيخ ؟ سعيد يقرأ بأشياء عجيبة، ها هو يقول أطعموا شيخكم من لحم الدجاج، وزوجوه البنت المغناج، تدخلوا الجنة أفواجًا أفواج، صار مبارك يتنحنح ويستغفر ويستعيذ من الشيطان، وسعيد لم يستجب له، وأكمل القراءة وركع.

وفي الركعة الثانية، قال سعيد في نفسه: ويحك أيها الرجل، يقصد “مبارك”، كيف سأتخلص منك الآن؟ ما الذي جاء بك؟ ثم إن سعيدًا فكر أنه ما من طريقة يتخلص فيها منه، إلا أن يتفاهم معه بأسلوب ما، فلا يخبر أهل القرية بحقيقتي، ويقطع رزقي، فقرأ في الركعة الثانية: اسكتوا أيها المتنحنحون، فإن الشرط أربعون، لنا عشرون ولكم عشرون، فأصاب الطمع مبارك، وفكر بالعرض وسكت، وقال في نفسه أن نصف ما يحصل عليه سعيد ثروة بالنسبة له، وهكذا أضحى سعيد أخا مبارك، هو أخوه في الخداع، واستغفال الآخرين.

وجهة نظر أخرى لمثل سعيد أخو مبارك في قصة

يُحكى أن رجلًا يُدعى سعيدًا، وكان له أخ كان اسمه مبارك، ذات يوم أخذ سعيد يفكر في وضعه البائس، وأنه لم يحظَ من معنى اسمه بشيء سوى المعنى السيء للمثل العامي المتداول بين الناس، “سعيد أخو مبارك”، فهذا مثل معروف يذكر حين يشبه شخص أو شيء لا فائدة منه بشخص أو شيء آخر له نفس الصفات، وأن سعيد هذا قد ضاق ذرعًا بوضعه، فقرر أن يثبت للآخرين بأنه ذو شخصية عالية الهمة، وشخصية مهمة في ذات الوقت، فشمر عن ساعديه ولحق بركب الجادين، لعله يعوض ما فات من عمره، وأن يبين لمن حوله مدى قدرته على العطاء والنجاح في أي أمر سيقوم به، وطلب إلى معارفه أن يدعوا له، وبعد تجربة ناجحة لم تستغرق مدة طويلة، رجع لهم وأخذ يدعوهم بأن يبني كل إنسان نفسه بنفسه، وأن يكون ذا إرادة قوية، وأن يرسم له أهدافًا سامية، ويسعى إلى تحقيقها، وذلك بعد أن يستعين بالله تعالى.


شارك المقالة: