عِشْ رَجَبَاً تَرَى عَجَباً

اقرأ في هذا المقال


قِيلَ أنَّ العرَب كانت تقول قديماً في الجاهِليّة: إنَّ الأعمال يقبَلها الله عزّ وجلّ في شهرِ رَجَب فكانوا يَرفعونَ مَظَالمهُم إلى شهرِ رجب ، ويأتونَ إلى الكعبة، ويَدعُونَ على الظّالمِ حتى يُستجاب لهم .

صَاحِبُ هذا المَثَل

وقِيل أنَّ أول من قال ذلك، هو الحَارث بن عُبَاد بن قيس بن ثَعلبَة اليشكُريّ، كان شاعراً وفارِساً وأديباً وعارِفاً بأحوالِ العربِ وأنسابِهم، وكان ذَا مكانةٍ ومُلكٍ في قومه، وكان سيّداً من ساداتِ العرب المشهورين؛ وعَاصَر حربَ البسوسِ بين قبيلتيّ بكرٍ وتَغلِب، وقَدِمَ إلى سوقِ عُكاظ؛ سوقِ الشّعر والشّعراء أكثر من مَرّة.

أي عِشْ رجباً بعدَ رجبٍ، شهراً بعدَ شهرٍ، سنةً بعدَ سنةٍ؛ دلالة على تعَاقبِ السَّنوات، وسترى ما سَيَحِلُّ بك؛ ويقصدُ بها حِينمَا يَستمرُّ بكَ العُمر، وتَبلغ منَ الكِبَرِ مَبلغاً، سترى تَقَلُّبهَا عليك، وهَجرهَا لك، سَيظهرُ لك في الحياةِ العَجَب.

وعن هذه المقولة، وهذا المَثلِ؛ سُئلَ _ عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه؛ عن صِحّةِ قولِ النّاس في المَثلِ القَائل (عِشْ رجَباً ترى عجباً)، قال: نحنُ اليومَ مع الإسلام، نَدعُو على الظّالمِ فَلا نُجَاب في أكثرِ الأمرِ، وقال: إنّ الله عزّ وجلّ لمْ يُعجِل العُقوبة لكفّارِ هذه الأمة، ولا لفُسّاقهَا، فإنّه تعالى يقول:( بَلِ السّاعةُ مَوعدُهُم والسَّاعةُ أَدْهَى وأَمَرّ).

لَرُبّمَا كانَ كُل إنسانٍ بحاجةٍ إلى الإستشَهادِ بهذا المثل ذات يوم؛ لأنَّ الحَيَاة في مَسيرَتهَا المُتجدّدة لا يُمكن أنْ تَخلُو من العَجائبِ في كل الجوانب العَقَديّة والدّينيّة والإجتماعية، فَمنْ قَدّر الله لهُ العيش في الحياة عُمراً طويلاً، فَسوفَ يرى من تَقلُّبِ أحَوالهَا ما يُثيرُ العَجَب، حتّى صارَ يُضرَبُ هذا القَولُ مثَلاً في تَحوّلِ الدَّهرِ وتَقلُّبهِ وكَثرةِ عجائِبه؛ وأيضاً لا توجد مِزْيَة لشهرِ رجَب في تخصِيصهِ بالدُّعاء، لأنّ الله تعالى يقبلُ دعوة المظلوم والمُضْطَرِّ في كُلّ وقتٍ وكُلِّ حِين؛ والعَاقِلُ مَنْ وعَظتْهُ التَّجَارُب.


شارك المقالة: