فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خیرا لهم

اقرأ في هذا المقال


هذه الآية هي الآية رقم 20 من سورة محمد ، جاءت بعد آية تكلمت عن وصف عدم صدق المنافقين الذين في قلوبهم مرض ثمَّ أخبرت عن حالهم وعن كذبهم، بعد ذلك قامت بتوجيههم إلى الأولى فقالت لهم ، فالأولى لهم الطاعة والقول المعروف والصدق مع الله .

وقد عرف العلماء(الصدق) هو موافقة العمل القول والإرادة، أو موافقة الباطن الظاهر، ولكن حديثنا عن هذه الآية عن نوع آخر من أنواع الصدق – وهو صدق الإرادة – في العمل فكل شخص منّا عنده طموحات، وعنده أحلام، عنده مطالب، ولكنَّ هذه الطموحات، والمطالب تقع ضمن اختبار وتطبيق، فالله قد يختبرك في مواقف صغيرة لكي يظهر صدقك في طلبك، فإذا لم تترجم هذا الأحلام والمطالب إلى تطبيق وفعل تصبح أماني، وعجز، وفشل .

فالنجاح لا يتحقق من تلقاء نفسه، وهذا ما يسمّى بالانضباط الذاتي، وهو ذلك الخيط الذهبي، والدقيق – الذي يربط الحياة فائقة النجاح بحياة ذات مغزى، فالانضباط يتيح لك أن تقوم بكل الأشياءالتي تريدها ، فبدونه لن تضع لك أهداف واضحة، ولن تستطيع إدارة وقتك بنجاح، أو تعامل الناس جيداً أو تصبر في الأوقات الصعبة.

وفي هذا المعنى يقول نبينا محمد صلى الله عليه سلم:” الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الأماني ” فالعاجز هو الشخص الذي لا يستطيع القيام بأشياء يتوجب عليه القيام بها.

والله سبحانه وتعالى يقول ﴿أَمۡ لِلۡإِنسَـٰنِ مَا تَمَنَّىٰ﴾ كذلك قد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل عندما طلبوا من سيدنا يوشع بن نون عليه السلام أن يحرروا بلدهم , فسيدنا يوشع بن نون قال لهم : تعالوا سنقوم بتأسيس جيش، وبعدها يريد الله أن يختبر صدقكم في هذا الطلب – كيف أختبرهم الله تعالى ؟؟؟ قال لهم : (إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِیكُم بِنَهَرࣲ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَیۡسَ مِنِّی وَمَن لَّمۡ یَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّیۤ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِیَدِهِۦۚ فَشَرِبُوا۟ مِنۡهُ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ قَالُوا۟ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡیَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا۟ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةࣲ قَلِیلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةࣰ كَثِیرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ من صدق منهم قليل ، كذلك في كل مجتمع من يصدق وهم قلَّة من الناس .

وهناك قصّة تحضرني في هذا الموضع عن مؤسّس شركة هورايزون وهو صاحب أضخم شركة برمجة وهو (بوب ويليا مسون) الذي هرب من منزله، وصار بعدها مدمناً على المخدرات والحشيش ،وأصبح بوب شريداً وبعدها تعرض إلى حادث سير ظل فيه مدّة ستة أشهر في المستشفى، وقد حاول في هذه الفترة الانتحار، وعندما أراد أن يخرج من المستشفى قال له الطبيب نصيحة : إذا أردت موتة شريفة فاقطع صلتك بالحياة القديمة، وهنا ظهرالصدق الذي نعنيه، فهو بين خيارين ، إمّا أن يرجع إلى حياته القديمة المليئة بالمخدرات، أو يعيش حياة جديدة كلها نجاح وطموحات وتفوق، فقام بالعمل في شركة لمدة 12 ساعة، إلى أن أسّس له شركة خاصة به، وطور شركته إلى أن أصبحت من أشهر وأغنى الشركات في العالم ، والسر في ذلك (هو الصدق وإنَّه يريد أن يصبح الأمثل والأفضل) .

المصدر: دليل العظمة - روبن شارما تفسير القرطبي - الامام القرطبي فكر - مصطفى حسني


شارك المقالة: