في الصيف ضيعت اللبن

اقرأ في هذا المقال


أحب العرب الأمثال منذ أقدم الأزمان ، وقد توصلوا بأذواقهم الفطرية السليمة إلى الذي تضمه من أفكار فذّة وجمال بلاغي، فقاموا بتمييزها على باقي الأحاديث، ونقلوها ونسبوها إلى الحكماء والعرّافين وغيرهم، حتى أنهم رووا قصصًا وأحداثًا تتمخض عن مثل، أو ما يجري مجرى المثل، ونسبوها إلى الحيوانات في شكل حكايات وروايات طريفة، فأخذت صفة الفلسفة والأدب لما فيها من حلاوة تعبير ينتمي إلى الأدب، وما فيها من عناصر الفكر والفلسفة، وإن كانت تبتعد في انتمائها إلى المنهج الأدبي والفلسفي، فالأمثال التي هي مرآة النفس، ونماذج الحكمة لما غاب عن الأسماع والأبصار، تهدي النفوس بما أدركت عيانًا حتى تتيقن بها القلوب وتستقر النفوس.

فيم يضرب مثل “في الصيف ضيعت اللبن”؟

لغتنا العربية تحمل في طيّاتها الكثير من العبر والحكم، والتي يُعدّ محببًا أن ندرسها كي نستفيد منها، ومن المهم كذلك أن نعرفها ونعرف أسباب تداولها بين الناس، والحكمة من وراءها، ومثل “في الصيف ضيعت اللبن” مثل عربي قيل في الجاهلية، وهو يضرب في من يضيع ما عنده بسبب طمعه وقلة رضاه، ووراء هذا المثل قصة واقعية.

قصة مثل “في الصيف ضيعت اللبن”:


أما قصة مثل “الصيف ضيعت اللبن”، فيُروى أن إمرأة تزوجت من رجل غني، غير أنه كلما تقدم السن بزوجها كان يزداد شحًا وبخلًا، وكانت تختلف معه كثيرًا لهذا السبب، حتى تطلقا، وكان وقت الطلاق في شهور الشتاء، ومن المعروف أن شهور الشتاء تزدهر فيها المراعي ويكثر فيها الخير، وتدر الماشية الحليب بكثرة، وبعد الطلاق تزوجت المرأة من شاب صغير السن وجميل المظهر، غير أنه لم يكن ثريًا، وحين حلّ الصيف احتاجت السيدة إلى الحليب، ولم يكن الحليب موجودًا لدى أحد في مكان إقامتها إلا لدى زوجها السابق، فأرسلت إليه ترجوه من أجل بعض الحليب، فصاح بها قائلًا: في الصيف ضيعت اللبن.
كان زوجها السابق يقصد أن رأيها الخاطئ وتدبيرها السيء قد أوصلاها إلى هذه المرحلة، وبذلك فقدت كل الخيرات، أهمها الحليب الذي كانت تجده بسهولة في الصيف، وقرر منعها من الحصول على الحليب حتى يدعها تشعر بالندم، وبعد هذا قيل مثل “في الصيف ضيعت اللبن”، على الشخص الذي يترك ما في يده ولا يحافظ عليه، ثم يعود ليطالب به، مثل أن يسرف أحدهم ما في إنفاق ماله ثم يندم على ذلك الفعل أو أن يسرف آخر، ولا يهتم بصحته وحين يتدهور حاله ويكبر يشعر بالسوء نتيجة إهدار صحته، حينها لا ينفع النصح فقد فات أوانه.

العبرة من مثل “في الصيف ضيعت اللبن”:

أما العبرة من هذا المثل، فهي يجب على المرء أن يفكر جيدًا قبل أن يضحي بما يملك، ففي كثير من الأحيان لا ينفع الندم، ولكل شخص عيوبه ومميزاته، وحتى ننعم بالمميزات يجب أن نتحمل العيوب، الصبر أحيانًا على الابتلاء أو التمهل في التصرف يُعد من الحكمة، والتسرع في الحكم على الأمور، أو اتخاذ القرارات قد يؤدي بالإنسان إلى نتائج سلبية للغاية.

المصدر: الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009


شارك المقالة: