كالكبش يحمل شفرة وزنادا

اقرأ في هذا المقال


صاحب المقولة والمَثل

عِلْباءُ بنُ أَرْقَمَ بنِ عَوْفِ بنِ سَعْدِ بنِ عِجْل بن عَتِيكِ بنِ كَعْبِ بنِ يَشْكُرَ بنِ بَكْرِ وائلٍ، شاعرٌ جاهليّ، عاصر النعمان بن المنذر، وله قصة معروفة مع الملك” عمرو بن هند” ملك الحِيرَة”، عُرِفت” بكبشِ النّعمان”،دوّنتهَا كتب تاريخ وأمثال العرب.

قصة المَقولة والمَثل

تقول القِصة أنَّ” كِسرى بن قُبَاذ” مَلِكَ الفُرس؛ قد مَلَّك” عمرو بن هند” الحٍيرةَ وما يلي مُلكَ فارسٍ من أرض العرب، فكان شديد السُّلطان والبَطش.

وَبلغَ من ضَبطهِ الناس وقَهرهِ لهم وتَكبّرهِ عليهم؛ أن سَنَةً اشْتدَّت على الناس حتى بَلغَت بهم كلًّ مَبلغٍ من الجُهد والشِّدة. فَعَمَد إلى كَبشٍ فَسمَّنهُ وأشبَعهُ، حتى إذا امتَلأ سُمنةً، علَّقَ في عُنقهِ شَفْرة وزِناداً( والزِّنَاد خشبتان يُستَقدَح بهما لإشعال النّار)، ثمَّ سَرَّحهُ في الناس ليَنظُر هل يَجترئ أحدٌ على ذبحِهِ؛ فَلمْ يتعرَّض له أحد، حتَّى مرَّ ببني يَشْكر بن بكر بن وائل، ‏فَقَال رجل منهم يُقَال له‏”‏ عِلْبَاء بن أرقَمَ اليَشْكَرِي‏”‏: ما أرَانِي إلّا آخذُ هذا الكبش فآكله، فَلاَمهُ أصحابه، فأبى إلا ذَبْحه، فذكروا ذلك لشيخٍ له، فَقَال‏:‏ إنّكَ لا تَعدُم الضّار، ولكن تَعدُم النافع، وقَال قائل آخر منهم‏:‏ إنك كائن كقُدَار على إرَم، ولمّا كثُرَت اللّائِمة قَال‏:‏ فإنّي أذبحُهُ ثمَّ آتِى الملك فَواضِع يَدي في يَدِهِ ومُعْتَرِفٌ له بذنبي، فإن عفَا عني فأهْلُ ذلك هُو، وإن كانت منه عقوبة كانت بي دُونكُم. فذبحهُ وأكلهُ، ثمَّ أتى الملك” عمرو بن هند”، فَقَال له‏:‏ أَبيتَ اللَّعنَ، وأسْعَدكَ إلهُكَ، ياخير الملوك إني أّذْنبْتُ ذنباً عظيماً إليك، وعفوك أعظم منه، قَال‏:‏ وما ذنبك‏؟‏ قَال‏:‏ إنّك بَلَوتَنا بكبش سَرَّحْتُه وعَلّقتَ في عُنقهِ شَفرةً وزِنَاداً، ونحن مَجْهُودون، فأكلْتهُ، قَال‏:‏ أوَ فَعلتْ‏؟‏ قَال نعَم، قَال‏:‏ إذن أقتُلك، قَال‏:‏ مَليك شَيءٍ حَكَمهُ، ثمَّ أنشده قصيدةً في تلك اللّحظة، فخَلَّى عنه، فجعلت العرب ذلك الكبش مَثَلاً دارجاً على ألسنتهم، وقصيدتهُ التي قالها بين يديّ الملك” عمرو بن هند” هي:

أَلَا تِلْكُمَا عِرْسِي تَصُدُّ بِوَجْهِهَا = وتَزْعُمُ في جَارَاتِها أنَّ مَن ظَلَمْ
أبُونَا ولمْ أَظْلِمْ بشيءٍ عَمِلْتُهُ = سِوَى ما تَرَيْنَ في القَذَالِ مِنَ الْقِدَمْ
فيَوْمًا تُوَافِينَا بِوَجْهِ مُقَسَّمٍ = كَأنْ ظَبْيَةًٍ تَعْطُو إلى نَاضِرِ السَّلَمْ
وَيَوْمًا تُرِيدُ مَالَنَا مع مالِهَا = فإنْ لَمْ نُنِلْهَا لمْ تُنِمْنَا وَلمْ تَنَمْ
نَبِيتُ كأنَّا في خُصُومٍ عَرَامَةً = وتَسْمَعُ جارَاتِي التَّأَلِّيَ وَالْقَسَمْ
فقُلْتُ لَهَا إِنْ لا تَنَاهَيْ فَإنَّني = أخُو النُّكْرِ حتَّى تَقْرَعِي السِّنَّ مِنْ نَدَمْ
لَتَجتَنِبَنْكِ الْعِيسُ خُنْسًا عُكُومُها = وَذُو مِرَّةٍ في العُسْرِ واليُسْرِ والعَدَمْ
وأيُّ مَلِيكٍ مِن مَعَدٍّ عَلِمْتُمُ = يُعَذِّبُ عَبْدًا، ذِي جَلالٍ وذِي كَرَمْ
أمِنْ أَجْلِ كَبْشٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ قَرْيَةٍ = ولا عِنْدَ أَذْوَادٍ رِتَاعٍ وَلا غَنَمْ
يُمَشى كَأَنْ لا حَيَّ بالجِزْعِ غَيْرُهُ = ويَعْلُو جَرَاثِيمَ المَخَارِمِ والأَكَمْ
فوَاللهِ مَا أَدْرِي وإِنِّي لَصادِقٌ = أمِنْ خَمَرٍ يَأْتِي الطِّلالَ أم أَتَّخَمْ
بَصُرْتُ بهِ يَوْمًا وقَدْ كادَ صُحْبَتِي = مِنَ الجُوعِ أنْ لا يَبْلُغُوا الرَّجْمَ مِ الْوَحَمْ
بِذِي حَطَبٍ جَزْلٍ وسَهْلٍ لِفَائِدٍ = وَمِبْرَاةِ غَزَّاءٍ يُقَالُ لَهَا هُذَمْ
وزَنْدَي عَفَارٍ في السِّلاحِ وقادِحٍ = إذَا شِئْتُ أورَى قبلَ أنْ يَبْلُغَ السَّأَمْ
وقالَ صِحَابي إِنَّكَ اليومَ كائِنٌ = عَلَيْنَا كَمَا عَفَّى قُدَارٌ عَلَى إِرَمْ
وقِدْرٍ يُهَاهِي بالكلابِ قُتَارُها = إذَا خَفَّ أيسارُ المَسَامِيحِ واللُّحُمْ
أخذْتُ لِدَينٍ مُطْمَئِنٍّ صَحِيفةً = وخَالَفْتُ فيهَا كُلَّ مَنْ جارَ أوْ ظَلَمْ
أُخَوَّفُ بالنُّعمانِ حتَّى كأنَّمَا = قَتَلْتُ لهُ خالاً كَرِيمًا أوِ ابْنَ عَمّْ
وإنَّ يَدَ النُّعمانِ لَيْسَتْ بِكَزَّةٍ = ولكِنْ سماءٌ تُمْطِرُ الوَبْلَ والدِّيَمْ
لبِسْتُ ثِيَابَ المَقْتِ إنْ آبَ سَالِمًا = ولَمَّا أُفِتْهُ أوْ أُجَرَّ إلى الرَّجَمْ
يُثِيرُ عَلَيَّ التُّرْبَ فَحْصًا بِرِجْلِهِ = وقدْ بَلَغَ الذَّلْقُ الشَّوَارِبَ أو نَجَمْ
لَهُ أَلْيَةٌ كأنَّهَا شَطُّ ناقَةٍ = أبَحُّ إذَا مَا مُسَّ أَبْهَرُهُ نَحَمْ
وقَطَّعْتُهُ باللَّوْمِ حتَّى أطاعَني = وأُلْقِي علَى ظَهْرِ الحَقيبَةِ أوْ وَجَمْ
ورُحْنا علَى العِبْءِ المُعَلَّقِ شِلْوُهُ = وأكْرُعُهُ والرأسُ للذِّئْبِ والرَّخَمْ
مَوَارِيثُ آبَائِي وكانَتْ تريكَةً = لآلِ قُدَارٍ صاحبِ الفِطْرِ في الْحُطَمْ


شارك المقالة: