لا تَعدَمُ الحَسناءُ ذَامَا

اقرأ في هذا المقال


ليسَ أحدٌ كَامل مُكَمَّل، والبَشَر لا يَخلونَ منَ العُيوبِ والنَّقص، فقد خلقنا الله هكذا، ونحن في هذهِ الحياة غالبَاً ما نعمَلُ ونُجاهِد للتَّغلب على نَواقِصنا.

قِصّة المَثَل

في قبيلةٍ من قبائلِ العرب في الجاهليَّة كانت هناك فتاة عُرِفت بِحُسنهَا وجَمالها؛ فكانت بارِعةَ الجَمَال، كأنَّها البَدرُ في ليلَةِ تَمَامهِ، وكانت من رَبَّاتِ الحُسنِ والجًمال؛ وكانت تقولُ الأمثال، وهي حُبّى بنت مالك بن عمرو العُدوانيّة؛ فسَمعَ بِجمالهَا مالك بن غسان مَلك قبيلة غَسّان، فَخطبهَا وحَكَّمَ أبَاهَا في مَهرِهَا. وحينما هَمُّوا بأخذِهَا إلى زَوجِها، قالت أمُّهَا لبعضِ النِّساء اللَّاتِي كُنَّ في مَوكِبهَا: حِينَما تَدخُلونَ بها على زوجِهَا، طَيّبنَهَا بِريحَةٍ عَطِرة، واجعلنَهَا في قِمَّةِ جَمالها؛ فإنَّ لنَا عند المُلامَسة رَشْحَةً لَها هَنَه؛ فَطَيِّبْنَهَا بِما في أصْدَافِهَا،( أي هذه الرَّشحة تُفْسِدُ شيئاً من جمالهَا؛ وعَطّرنَ ما في داخِلهَا). فلمَّا أرَدْنَ ذلكَ بِها، أعْجَلَهُنَّ زَوجهَا عَن تَطييبِهَا، ودَخَلت حُبَّى إلى زوجِهَا مِن غيرِ أنْ تَتَطيَّب، فَلمَّا أصْبحَ الصُّبح؛ سَألُوا زَوجهَا، وقالوا له: كيفَ وجَدّتَ أهْلَك؟

فقال: مَا رأيتُ مِثل اللّيلة قَطْ، لَولَا رُويحَةٍ أنْكَرتُهَا، ويَعني بذلك أنَّ لَيلتهُ كانت سعيدة، ولَكنْ كان يَنقُصهَا عِطرَ زَوجَتهِ ، وكانت حُبَّى تَسمعُ هذا الحديث من خَلفِ سِترهَا؛ فَرَدَّت قَائلة: لا تَعدَمُ الحَسنَاء ذَامَا، أي أنَّ الحَسناء مَهما كانت جميلة فلا بُدَّ أنْ يَنقُصهَا شيء، أو يَشُوبهَا عَيب.

ومن حِينهَا صار هذا المثل مَضرباً بين الناس، يَتَداوَلوه ويَتناقلُوه حتى يومنا هذا؛ والذي يُعنِيهِ هذا، بأنّهُ لا يَخلُو أحدٌ من شيء يُعَابُ به، وإنْ لَمْ يَكُنْ ذَا عَيب، ومِثله قول الشاعر الأعشى:
وقَد قَالت قُتَيلَةُ إذْ رَأتنِي … وَقَد لَا تَعدَمُ الحَسناءُ ذَامَا

فَلَو أبصَر المَرء عُيوب نفسهِ، لانشَغلَ بها عن عُيوبِ النَّاس.

المصدر: جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكريديوان الأعشى


شارك المقالة: