نفر من قدر الله إلى قدر الله

اقرأ في هذا المقال


صاحب المقولة

أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العزى بن رباح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي. وفي كعب يجتمع نسبه مع نسب النبي_ صلى الله عليه وسلم_. وأمّهُ هي حَنتمة بنت هشام المخزومية، وهي ابنة عمّ كلٍ من إمّ المؤمنين أم سَلمَة، والصحابي خالد بن الوليد، وعمرو بن هشام المعروف بلقب أبي جهل.

وهو ابن عمّ زيد بن عمرو بن نُفيل المُوّحد على دين إبراهيم_ عليه السلام_. وأخوه الصحابي زيد بن الخطاب؛ شهيد معركة اليَمَامة، والذي كان قد سَبق عمر إلى الإسلام.

نشأته

ولد بعد عام الفيل، وبعد مولد الرسول محمد_ صلى الله عليه وسلّم_ بثلاث عشرة سنة. وكان بيت عمر في الجاهليّة في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عُمر بجانب الكعبة، وكان اسم الجبل في الجاهلية العَاقِر وبه منازل بني عَديّ بن كعب.

نشأ في قريش وامتاز عن معظمهم بتعلُّم القراءة والكتابة. وعَمِلَ راعياً للإبلِ وهوَ صغيرٌ، وكانَ والِدهُ غَليظاً فِي مُعامَلَتهِ. وكان يرعى الأبل لوالدهِ ولخالات له من بني مخزوم. وتعلّم المُصَارعة وركوب الخيل والفروسية، والشِّعر. وكانَ يَحضُر أسواقَ العرَبِ وسوقَ عكاظٍ وسوقَ مِجَنَّة وَسوقَ ذِي المِجَازِ، فتعلَّمَ بِها التِّجارةَ الَّتي رَبحَ منْها وأصبَحَ مِن أغنياءِ مكَّةَ.

كان عمر من أشراف قريش، وإليهِ كانت السِفارة فهو سفير قريش، فإنْ وقعت حربٌ بين قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، وإنْ نَافرَهم مُنَافر أو فاخرهم مُفاخِر رَضُوا به، فبعثوه منافراً ومفاخراً. 

هو ثاني الخُلفاء الراشدين، ومن كبار أصحاب الرسول؛ وأحد أشهر الأشخاص والقادة في التّاريخ الإسلاميّ ومن أكثرهم تأثيراً ونفوذاً؛ وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن علماء الصحابة وزُهّادهم. تولّى الخلافة الإسلامية بعد وفاة أبي بكر الصديق_ رضي الله عنه_، في الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ١٣ هجرية. وكان قاضياً خبيراً وقد اشتُهِرَ بعدله وإنصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وقد لُقِّب بالفاروق لأنّه كان يُفرِّق بين الحقِّ والباطلِ ولا يخافُ في اللهِ لومةَ لائمٍ.

إسلامه

أسلم عمر في ذي الحجة من السنة السادسة من النبوة وهو ابن سبعٍ وعشرين سنة، وذلك بعد إسلام حمزة بن عبدالمطلّب بثلاث أيام. وكان ترتيبه الأربعين في الإسلام. وكان النَّبيُّ قد قال: “اللَّهُمَّ أعز الإسلام بأحبِّ الرجلين إليك عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام.

هو الذي وضع التّقويم الهجري، وفي عهده بلغ الإسلام مبلغاً عظيماً، وتوسَّع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل بلاد العراق ومصر وليبيا؛ والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول، وجنوب أرمينية وسِجستَان. وهُوَ الَّذي أدخلَ بيتَ المقدسِ، تحتَ حكمِ المسلميْنَ لأوَّلِ مرَّةٍ.

وقد تجلّت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حملاته المنظمة المتعددة التي وجهها لإخضاع الفُرس الذين فاقوا المسلمين قوَّة، فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خلال أقل من سنتين، كما تجلَّت قدرتُه وحِنكَتُهُ السِّياسيَّة والإداريَّة عبرَ حِفاظِهِ على تماسُكِ ووحدةِ دولةٍ كانَ حجْمُها يتنامَى يَوماً بعدَ يومٍ ويزداد عدد سكَّانها وتتنوع أعراقها.

يَتّفق المؤرخون أنّه بعد عودة عمر بن الخطاب، من مكة المكرمة بعد أنْ أدّى فريضة الحج؛ وعاد إلى المدينة المنورة؛ طعنه أبو لؤلؤة المجوسي(فيروز)، غلام المُغيرة بن شعبة؛ بخنجر ذات نصلين ست طعنات، وهو يُصلي الفجر بالناس، وكان ذلك يوم الأربعاء ٢٦ ذي الحجة سنة 23 هـ، الموافق لسنة 644 م، ثمَّ حُمل إلى منزله والدم يسيل من جُرحه وذلك قبل طلوع الشمس. وحاول المسلمون القبض على القاتل فَطَعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستَّة، فلما رأى الصَّحابي عبدالرحمن بن عوف ذلك، ألقى رِداءً كان معه على أبي لؤلؤة فَتعَثَّر مكانه وَشَعر أنّه مأخوذ لا محَالة؛ فَطَعن نفسه مُنتحراً. ودُفِنَ رضي الله عنه بجانب رسول الله_ صلى الله عليه وسلم _؛ وأبي بكر الصديق في حُجرَةِ عائشة أم المؤمنين، في المسجد النّبوي الشريف.

قصة المقولة

جاء في صحيح البخاريّ، من حديث عبدالله بن عبّاس_ رضي الله عنهما_، أنَّ الخليفة الرّاشد عمر بن الخطاب_ رضي الله عنه_؛ سافَرَ من المدينة المنورة إلى بلاد الشّام ليَتفقَّد جيوش الإسلام المُرابطة في بلاد الشام؛ وكان معه بعض أصحابهِ.

وعندما وصلَ إلى مكانٍ يقالُ له”سَرْغ” مكان في وادي تبوك من أرضِ الشّام، وكانت تبوك تابعةً لأرضِ الشام والتي كانت تحت الحُكم الرّوماني؛ وأرض الشام هي الدُّول الأربعة( الأردن، وفلسطين؛ وسوريا؛ ولبنان)، لَقِيَهُ أمرَاء الأجنَاد والجيوش الإسلامية( أبوعبيدة عامر بن الجرَّاح، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنه)، وغيرهم.

فأخبَروا عُمر أنَّ وباءَ الطَّاعون قد وقعَ بأَرضِ الشَّام. فَقَالَ عُمَرُ: ادْعوا لي المُهاجِرين الأوَّلِين( وهُم الذين صلُّوا إلى القِبلتين ، بيت المقدس والكعبة)؛ فأتَوا فاستَشارَهُم في أمر وباء الطّاعون الذي حلَّ بأرض الشام، فَاختَلفُوا فيما بينهم، فقال بَعضهم لِعُمَر: قد خَرجتَ يا أمير المؤمنين لأمرٍ؛ ولا نرى أنْ ترجِع عنه، وقال بعضهُم الآخر: معكَ بقِيَّةُ الناسِ، وأَصحاب رسول الله_ صلَّى الله عليه وسلم_، ولا نرى أنْ تُقدِمهُم وتُدخلهُم على هذا الوبَاء. فقال: ارتفِعُوا عنِّي( أي قُوموا من أمامي)، ثمَّ قال: ادعُوا لي الأنصار، فأتى الأنصار فاستشَارَهُم، فسَلكُوا سبِيل المُهَاجِرِين، وقالوا مثلما قالوا، واختَلفُوا كاختِلافِهِم؛ فقال: ارتفِعُوا عنِّي؛ ثمَّ قال: ادعُوا لي مَن كانَ هَا هُنَا مِن مَشيَخَةِ قُرَيش مِن مُهَاجِرَة الفَتح( أي كبار قريش الذين أسلموا وهاجروا يوم الفتح إلى المدينة المنورة)، فَدُعُوا فأتَوا، فأشاروا على عمر برأيٍّ لَم يختَلِف منهم عليه رَجُلان، فَقالوا لِعُمر: نرَى أنْ تَرجِع بالنَّاس، ولا تُقدِمَهُم على هذا الوبَاء.

ثمَّ قام عُمر ونَادى في النَّاس: إنِّي مُصَبِّحٌ( أي في الصّباح) على ظَهرٍ( أي راكِبٌ على راحلتي) فأصبِحُوا عليه( أي جهّزوا أنفسكم ، وهيّئوا رواحِلكُم للسَّفر في الصباح).

فقال أبو عبيدة عامر بن الجرَّاح: أفِرَارَاً مِن قَدَرِ الله يا أمير المؤمنين؟ فقال عُمر: لو غَيرُكَ قالهَا يا أبَا عُبيدة؟( أي لو غيرُكَ قالها من الذينَ لا عِلمَ عندهم ولا فقه).

يا أبا عبيدة؛ إنَّا نَفِرُّ مِن قَدَرِ الله إلى قَدَرِ الله. أرأَيتَ لو كان لكَ إبِلٌ هَبَطَت وادياً له عُدْوَتان( جِهتان)؛ إحدَاهُما خَصِبَة، والأُخرى جَدْبَة؛ أليسَ إنْ رَعَيْتَ الخَصْبَة؛ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ الله، وإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَة؛ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ الله؟

وبعد هذا اللِّقاء، وهذا الاجتماع الطّارئ بين عُمر وصحابة رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_، من قادةِ الجيوش؛ وأصحاب المشورة؛ جاء الصحابيّ” عبدالرَّحمن بن عَوف”؛ وكان مُتَغيِّباً في بعضِ حَاجتهِ خارج خِيام الجيوش؛ فَسمِعَ بالذي دارَ بين عُمر وباقي الصحابة، بشأنِ وباءِ الطّاعون؛ فقال يا أميرَ المؤمنين: إنَّ عِندي في هذا عِلماً؛ فقد سَمِعتُ رسولَ الله_ صلى الله عليه وسلَّم_ يقول:” إذا سَمِعتُم بِهِ ( أيْ بالطّاعوْنِ) بِأَرضٍ فَلا تُقدِمُوا عَليهِ، وإذا وقَعَ بأَرضٍ وأَنتُم بِها؛ فلا تَخرُجُوا فِرَارَاً مِنهُ”. فلمَّا سَمِعَ عُمرُ بِحديثِ رسولِ اللهِ، حَمِدَ اللهَ ثُمَّ انْصََرفَ عَائداً إلى المدينةِ المنوَّرة، بَعدَ أنْ وفّقَهُ الله بعدَ المشورةِ مَع الصَّحابَة لفِعلِ الصَّواب للمسلمينَ.


شارك المقالة: