يؤمنون بالغيب

اقرأ في هذا المقال


الغيب

من أهم ما يميز شخصية المؤمن أنَّ كلمة الغيب لها تأثير على واقعه العملي، فقوله تعالى (يؤمنون بالغيب ) معناه يؤمنون بالله حال الغيب كما يؤمنون به حال الحضور .

والغيب : وهو كل ما غاب عن الإنسان ولا تستطيع أن تراه او تشعر به في جميع الحواس التي تدرك فيها المحسوسات، وله تعلُّق إيماني في جانب المعرفة القلبية والروحية والعقلية. (تفسير الشعراوي رحمه الله تعالى).

لذلك يقول سيد قطب رحمه الله تعالى : هي العتبة التي يجتازها الإنسان فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلَّا ما تدركه حواسه إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدَّد الذي تدركه الحواس، وهو أول صفة من صفات المتقين – وهو أول مرتبة من مراتب الهدى، وأول مرتبة من مراتب الوقاية من النار .

وقد وردت كلمة الغيب في القرآن الكريم أكثر من خمسين مرَّة، فالإيمان بالغيب يجعل على الإنسان رقابة ذاتية، وهو يُعلي من قيمة الحياء والمراقبة لله تعالى .

فالإيمان بوجود الله غيب، وله انعكاس على سلوك الإنسان ، وما وعد الله لمن آمن به غيب، من رحمة، وجنة، وثواب، والناس متفاوتون في إيمانهم بالغيب، فالشخص الذي يكف يده عن المال الحرام مع حاجته إليه لأنَّه يعلم أنَّ الله مطَّلعٌ عليه، مؤمن بالغيب فهو يترك المال الحرام لأنَّه مصدّق بوعد الله ان الرزق من عند الله ” ومن يتَّق الله يجعل له مخرجا” فهو على درجة عالية من الإيمان بالغيب.

ولذلك كان سيدنا علي رضي الله عنه يقول ” لو كُشف الغطاء ما أزددت يقيناً” فسيدنا علي رضي الله عنه، ارتقى إيمانه بالغيب لدرجة أنَّ الخبر صار عنده كالعيان، وهذا ما يسمَّى  ( بالنفس المطئنة ) أطمأنت نفسه بصدق وعد الله وأنَّ الرزق من عند الله وأنَّه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها كما تستوفي أجلها، فهم من قال الله فيهم “أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان “.

والايمان بالغيب له انعكاسٌ على تعامل الشخص مع الآخرين من حيث العطاء، وما أنفقت نفسه إلّا لإيمانه بوعد الله في الغيب عندما قال في كتابه (وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن شَیۡءࣲ فَهُوَ یُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰ⁠زِقِینَ﴾ [سبأ ٣٩] قال الشيخ صديق حسن خان : فهو يخلفه أي : يعطي خلفه وعوضه وبدله، وذلك البدل إمّا في الدنيا أو في الآخرة، عاجلاً بالمال أو القناعة التي هي الكنز الذي لا ينفذ، وإمّا آجلاً بالثواب في الآخرة الذي كل خلف دونه.( فتح البيان- صديق حسن خان ) 

ففرق بين من يعمل ليصدقه الناس وبين من يعمل ليثبت صدقه مع الله، فهو يترجم حديث النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم عندما قال: “اتق الله حيثما كنت” فمثل هذه الصورة تتجلَّى في أروع صورة وأبهى لون .

المصدر: في طلال القران - سيد قطب تفسير الرازي- الامام الرازيفتح البيان- صديق حسن خان تفسير الشعراوي- الشعراوي


شارك المقالة: