يا بعضي دع بعضا

اقرأ في هذا المقال


يزخر التراث العربي بالحكم والمواعظ والأمثال، وقد تكون هذه الأمثال وردت في بيت من الشعر، أو هي جاءت على هيئة نصيحة وحكمة فجرت على الألسن وتناقلها النّاس، وعلى الأغلب كانت الأمثال وليدة مواقف وأحداث مختلفة، ومثلنا اليوم: “يا بعضي دع بعضًا”، وهو مثل قديم، له حكاية ضمّتها صفحات أمّهات الكتب التي تُعنى بالأمثال.

فيم يضرب مثل : ” يا بعضي دع بعضًا”

أمّا مثل: “يا بعضي دع بعضًا”، فيُضرب حين يُكره الإنسان على أن يُضحّي بواحد من المقرّبين، والسّبب في ذلك أنّه لا مناص من التّهلكة، الأمر الذي يظهر ثقيلًا على القلب الذي يعيش معذّبًا إن طال به الأجل، أو يموت مكرهًا بسبب الهلاك الذي حلّ بمن يخصّه، فالمثل يُضرب في تعاطف ذوي الأرحام والقربى حين لا يملك المرء حيلة لإنقاذهم من السّوء والهلاك.

قصة مثل: “يا بعضي دع بعضًا”

روى أبو عبيد عن ابن الكلبيّ أنّ أول شخص قال: “يا بعضي دع بعضًا”، هو: “زرارة بن عُدُس التميميّ”، إذ أنّ ابنته كانت متزوّجة من رجل يُدعى: “سويد بن ربيعة”، وكانت قد ولدت له تسعة من البنين، وقد قام سويد بقتل شقيق للملك عمرو بن هند، واستطاع أن يهرب من ابن هند الذي لم يتمكّن من الوصول إليه من أجل الانتقام لأخيه.

أرسل الملك عمرو بن هند في طلب زرارة، وقال له: ” آتني بولد سويد من ابنتك”، فلم يجد الرجل مهربًا إلّا أن يأتي بأحفاده، فأمر ابن هند بقتلهم، فقام الأبناء بالتعلّق بجدّهم زرارة، وهم يشعرون بالفزع، حينها قال لهم الجدّ: “يا بعضي دع بعضًا”، وكان يقصد بقوله: “بعضي”، أنّهم جزء من ابنته التي هي أيضًا جزء منه، والمقصود بقوله: “بعضًا” نفسه، أي أنّه هو الآخر قد أشرف على الهلاك، وقد يتعرّض لنفس مصيرهم.

منذ ذلك الوقت صارت مقولة: “يا بعضي دع بعضًا” مثلًا سائرًا على ألسنة النّاس، ويتمّ ضربه في تعاطف ذوي الأرحام، تمامًا كما حدث مع زرارة بن عُدُس خلال استعطاف أبناء ابنته له، وقد كان لا يملك الحيلة لإنقاذهم، حتّى قال عبارته المشهورة، والتي عبرّت عن مكنون نفسه في تلك اللحظة لتصير مثلًا عربيًا شهيرًا.

المصدر: حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2011الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011 أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009


شارك المقالة: