يقول لك المرشدون: إقرأ ما ينفعك... ولكني أقول بل انتفع بما تقرأ

اقرأ في هذا المقال


الكُتب كالنَّاس، منهم السَّيّد الوَقور، ومنهم الكَيّس الظَّريف، ومنهم الجميل الرائع، والسَّاذِج الصَّادق، والأرِيب المُخطِئ، ومنهم الخائن والجاهل والوَضيع والخَليع. والدُّنيا تَتّسع لكلّ هؤلاء، ولن تكون المكتبة كاملة إلّا إذا كانت مَثلاً كاملاً للدُّنيا. إنَّ القارئ الذي لا يقرأ إلا الكتب المُنتَقاة، كالمريض الذي لا يأكل إلا الأطعمة المُنتقاة. فَيدُلُّ ذلك على ضعف المعدة، أكثر مِمّا يدلّ على جودة القابلية.

صاحب المقولة

في مدينة أسوان بصعيد مصر، وُلِدَ عباس محمود العقاد في يوم الجمعة الموافق 28 من يونيو 1889، ونشأ في أسرة كريمة. وأصل أبيه من دمياط، وكان جده يعمل في صناعة الحرير بالمحلة الكبرى فسُمّي عقَّاداً، وكان بعدئذٍ صَرَّافاً لبلدة« أسنا»، لكنّ والده جاء أسوان أميناً للمخطوطات، فتزوج ابنة عمر آغا الكردي أحد قادة محمد علي باشا الذين أرسلهم لتأديب ملك «شندي» على عصيانه.

أَدِيبٌ كَبِير، وشاعِر، وفَيلَسُوف، وسِياسِي، ومُؤرِّخ، وصَحَفي، وراهِبُ مِحْرابِ الأدَب. ذاعَ صِيتُه فمَلَأَ الدُّنْيا بأَدبِه، ومثَّلَ حَالةً فَرِيدةً في الأدَبِ العَرَبيِّ الحَدِيث، ووصَلَ فِيهِ إِلى مَرْتَبةٍ فَرِيدَة.

اكتَفَى العَقَّادُ بحُصُولِه عَلى الشَّهادَةِ الابتِدائيَّة، غيْرَ أنَّهُ عَكَفَ عَلى القِراءَةِ وثقَّفَ نفْسَه بنفْسِه؛ حيثُ حَوَتْ مَكْتبتُه أَكثرَ مِن ثَلاثِينَ ألْفَ كِتاب. وعمِلَ العقَّادُ بالعَديدِ مِنَ الوَظائفِ الحُكومِيَّة، ولكِنَّهُ كانَ يَبغُضُ العمَلَ الحُكوميَّ ويَراهُ سِجْنًا لأَدبِه؛ لِذا لمْ يَستمِرَّ طَوِيلًا فِي أيِّ وَظِيفةٍ الْتحَقَ بِها. فاتَّجَهَ للعَملِ الصَّحَفي؛ فعَمِلَ بجَرِيدةِ «الدُّسْتُور»، كَما أَصْدَرَ جَرِيدةَ «الضِّياء»، وكتَبَ في أَشْهَرِ الصُّحفِ والمَجلَّاتِ آنَذَاك. وَهَبَ العقَّادُ حَياتَه للأَدَب؛ فلَمْ يَتزوَّج، ولكِنَّهُ عاشَ قِصَصَ حُبٍّ خلَّدَ اثنتَيْنِ مِنْها في رِوايَتِه «سارة».

كُرِّمَ العقَّادُ كَثيرًا؛ فنالَ عُضْويَّةَ «مَجْمَع اللُّغَةِ العَرَبيَّة» بالقاهِرة، وكانَ عُضْوًا مُراسِلًا«لمَجْمَع اللُّغَةِ العَرَبيَّة» بدمشق ومَثِيلِه ببَغداد، ومُنِحَ« جائِزةَ الدَّوْلةِ التَّقْدِيريَّةِ فِي الآدَاب»، غيْرَ أنَّهُ رفَضَ تَسلُّمَها، كَمَا رفَضَ« الدُّكْتُوراه الفَخْريَّةَ» مِن جامِعةِ القاهِرة.

كانَ العقَّادُ مِغْواراً خاضَ العَدِيدَ مِنَ المَعارِك؛ ففِي الأَدَبِ اصْطدَمَ بكِبارِ الشُّعَراءِ والأُدَباء، ودارَتْ مَعْركةٌ حامِيةُ الوَطِيسِ بَيْنَه وبَيْنَ أَمِيرِ الشُّعَراءِ« أحمد شوقي» فِي كِتابِه« الدِّيوان فِي الأَدَبِ والنَّقْد». كَما أسَّسَ« مَدْرسةَ الدِّيوانِ» معَ« عبد القادر المازني» و« عبدالرّحمن شكري»؛ حيثُ دَعا إِلى تَجْديدِ الخَيالِ والصُّورةِ الشِّعْريَّةِ والْتِزامِ الوَحْدَةِ العُضْويَّةِ فِي البِناءِ الشِّعْري.

كَما هاجَمَ الكَثِيرَ مِنَ الأُدَباءِ والشُّعَراء، مِثلَ« مصطفى صادق الرافعي». وكانَتْ لَهُ كذلِكَ مَعارِكُ فِكْريَّةٌ معَ« طه حسين» و« زكي مبارك» و« مصطفى جواد» و« بِنْت الشَّاطِئ».

شارَكَ العقَّادُ بقوَّةٍ فِي مُعْترَكِ الحَياةِ السِّياسيَّة؛ فانْضَمَّ لحِزبِ الوَفْد، ودافَعَ ببَسَالةٍ عَنْ« سعد زغلول»، ولكِنَّه اسْتَقالَ مِنَ الحِزْبِ عامَ ١٩٣٣م إثْرَ خِلافٍ معَ« مصطفى النحَّاس». وهاجَمَ المَلِكَ أثْناءَ إِعْدادِ الدُّسْتُور؛ فسُجِنَ تِسْعةَ أَشْهُر، كَما اعْترَضَ عَلى مُعاهَدةِ ١٩٣٦م. وحارَبَ كذلِكَ الإسْتِبدادَ والحُكْمَ المُطْلقَ والفاشِيَّةَ والنَّازيَّة.

تَعدَّدَتْ كُتُبُه حتَّى تَعَدَّتِ المِائة، بالإِضافةِ إِلى العَدِيدِ مِنَ المَقالاتِ، ولَه قِصَّةٌ وَحِيدَة، هيَ «سارة».

أعماله

عُرف العَقّاد مُنذ صِغره بنَهَمهِ الشَّديد في القراءة، وإنفاقه الساعات الطّوال في البحث والدَّرس، وقُدرتهِ الفائقة على الفَهم والإستيعاب، وشَملت قراءاته الأدب العربي، والآداب العالمية. فلم ينقطع يوماً عن الإتصال بهما، لا يَحُولهُ مانع عن قراءة عُيونهما ومتابعة الجديد الذي يصدر منهما، وبلغ من شَغفهِ بالقراءة أنّه يطالع كتباً كثيرة لا ينوي الكتابة في موضوعاتها؛ حتى إنَّ أديباً زاره يوماً، فوجد على مكتبهِ بعض المجلدات في غرائز الحشرات وسلوكها، فسأله عنها، فأجابه بأنه يقرأ ذلك توسيعاً لِنَهمهِ وإدراكه، حتى يَنفُذ إلى بواطن الطبائع وأصولها الأولى، ويقيس عليها دنيا الناس والسياسة.

ورَفدَ عبّاس محمود العقَّاد الحركة الأدبية والسياسية بالكثير من الكتب التي تبلغ أكثر من مئة كتاب؛ ومن أبرزها:

العَبقَريَّات:

تُعدّ سِلسلة العبقريَّات التي ألَّفَها العقاد من أعظم الكُتب الفِكرية، وهي موسوعة فَريدة من نوعها، بدأ بكتابتها في الثَّلاثِينَات والأربَعينَات من القرن الماضي، وسرد فيها وصفاً رائعاً لِعَظَمةِ هذه الشخصيات، وهي كما يلي:

عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم.

عبقرية عمر.

عبقرية الإمام علي.

عبقرية الصدّيق.

عبقرية المسيح.

عبقرية إبراهيم أبو الأنبياء.

عبقرية عثمان بن عفان.

عبقريّة خالد بن الوليد.

عبقريّة عمرو بن العاص.

عبقريّة مُعاوية بن أبي سفيان؛ وغيرها.

ومن أهمّ مؤلفات عباس محمود العقاد الأخرى غير العَبقريّات:{ التفكير فريضة إسلامية؛ الله؛ الإنسان في القرآن؛ الفلسفة القرآنية؛ الصّهيونية العالمية؛ هذه الشجرة؛ أثَر العَرب في الحضارة الأوربية؛ حقائق الإسلام وأباطيل خُصومه؛ ومَطلع النُّور، والدِّيمقراطية في الإسلام، وحياة قَلَم: وهذا الكِتاب تحَدَّث العقاد فيه عن نفسهِ وعلمه وحياته وطفولته}.

وكَتبَ العقَّاد عشرات الكتب في موضوعات مختلفة، فكتب في الأدب والتاريخ والإجتماع مثل: مطالعات في الكتب والحياة، ومراجعات في الأدب والفنون، وأشتَات مُجتمعة في اللُّغة والأدب، وساعات بين الكتب، وعقائد المُفكّرين في القرن العشرين، وجُحا الضاحك المُضحك، وبين الكتب والناس، والفُصول، واليَد القويّة في مصر.

وله في السِّياسة عدّة كتب يأتي في مُقدّمتها:” الحُكم المُطلَق في القرن العشرين”، و” هتلر في الميزان”،” وأفيون الشعوب”، و” فلاسفة الحُكم في العصر الحديث”، و” الشُّيوعيّة والإسلام”، و” النَّازية والأديان”، و” لا شُيوعية ولا استعمار”.

أعماله الشِّعريّة

لم يكن العقاد كاتباً فَذَّاً، وباحثاً دؤوباً ومُفكّراً عميقاً، ومؤرّخاً دقيقاً فحسب، بل كان شاعراً مُجدّداً، له عشرة دواوين، هي: يقظة الصباح، ووهج الظهيرة، وأشباح الأصيل، وأعاصير مغرب، وبعد الأعاصير، وأشجان الليل، ووحي الأربعين، وهديَّة الكَرَوان، وعابر سبيل، وديوان من دواوين، وهذه الدواوين العشرة هي ثمرة ما يزيد على خمسين عاماً من التَّجرُبة الشِّعرية.

وهذه بعض أبياتهِ الشِّعريّة من قصيدة عن” عسكريّ المُرور” جاء فيها:

مُتحكِّم في الراكبـــينوما لــــه أبدًا رَكوبة
لهم المَثوبة من بَنــانِكحين تأمر والعقـــوبة
مُر ما بدا لك في الطـريقورض على مهل شعوبه
أنا ثائر أبداً وما فـــيثورتي أبداً صعـــوبة
أنا راكب رِجلي فـــلاأمْرٌ عليَّ ولا ضريبة

وفاته

تُوفّي الكاتب، والمُفكِّر المصريّ عبّاس محمود العقّاد في 12 آذار عام 1964م؛ بسبب جلطة قلبيّة، تاركاً للأجيال من بَعده أكثر من مئة كتاب، وآلاف المقالات، والمَنشورات الدوريّة في الصُّحُف، والمَجلّات، باذِلاً حياته في خدمة العِلم، والأدب، والفِكر، والثقافة، والإيمان.


شارك المقالة: