تأثير المرض على الأسرة والمريض في مجال الشيخوخة

اقرأ في هذا المقال


تؤكد العديد من الدراسات  والبحوث، أن إصابة أحد أفراد الأسرة بمرض عضال أو مستعصي يسبب أزمة في حياة الأسرة واتزانها، ومدى وفائها بالتزاماتها وواجباتها، كما يؤثر في أدوار الأفراد داخل الأسرة وخارجها، ومرض الخرف على سبيل المثال واحد من الأمراض المزمنة والمستعصية.

أثر المريض على الأسرة في مجال الشيخوخة

يعد مرض الخرف من الأمراض العصبية التي تؤثر في سلوك المريض وقدرته على التعامل السليم مع ما يحيط به، ومما يزيد من خطورة هذا المرض أنه مرض غير قابل للشفاء، بل إن شدته وما يرتبط به من سلبيات تتزايد مع الأيام حيث يتفاقم المرض فتزداد حالة المريض سوء.

كما أن بعض المصابين بمرض الخرف، قد يعيشون لفترة طويلة تتجاوز العشرين سنة، مما يزيد من معاناتهم ومعاناة من يحيط بهم، ويمكن أن نحدد أهم المشكلات المرتبطة بإصابة أحد أفراد الأسرة بمرض عضال أو مزمن كمرض الخرف كما يلي:

1- تقليص نشاطات أفراد الأسرة

يعتبر مرض الخرف من الأمراض التي تتطلب رعاية مستمرة على مدار الأرض والعشرين ساعة في اليوم، فإلى جانب الواجبات المختلفة التي يجب أن تقدم للمريض، فإن المراقبة أمر ضروري ﻷن النريض قد يقوم في أي لحظة بسلوك أو عمل غير متوقع قد يؤذي به نفسه أو سواه، لذلك فإن العناية بمرض الخرف في الأسرة يؤدي إلى تقليص أفراد الأسرة لنشاطاتهم الاجتماعية المختلفة الأخرى.

2- تعكير روتين الحياة المنزلية

نتيجة لما يعتري سلوك مريض الخرف من عدم قدرته على إدراك المخاطر المحيطة به، فإن العناية به في المنزل، تتطلب أن يكون المنزل مهيئاً لرعايته، ومن الأمور الهامة التي يجب اتخاذها:

أ- إبعاد الأشياء التي يمكن أن توضع في الفم، حيث لوحظ أن المصابين بالخرف الشديد يميلون إلى وضع الأشياء في أفواههم ظناً منهم أنها طعام، كما قد يقوم المصاب بالخرف بشرب الأشياء الخطيرة مثل المنظفات، لذلك يجب أن تكون الأشياء الخطيرة بعيدة عن متناول المريض.

ب- يجب أن تؤخذ الاحتياطات اللازمة ﻷجهزة الكهرباء ومصادر الطاقة من غاز أو كهرباء؛ ﻷن المريض قد يبعث بها مما يؤدي إلى نشوب الحريق، كما أنه قد يبعث بمفاتيح فرن الطبخ، مما يتسب في تسرب الغاز، وما ينجم عنه من اختناقات أو حريق.

3- تقليص الوقت

من المشكلات التي يعاني منها أفراد الأسرة الراعية لمريض الخرف، تقليص الوقت للعناية بأنفسهم حيث تشير دراسة رابيتر وآخرين إلى أن أفراد الأسرة الراعية لمريض الخرف، يعانون من مشكلة الوقت الذي يجب أن يخصصوه ﻷنفسهم، ﻷنهم يجدون أنفسهم أمام واجبات أسرية جديدة، تلزمهم أن يصرفوا كثيراً من الوقت للوفاء بها على حساب الوقت الذي اعتادوا أن يصرفوه ﻷنفسهم.

4- مكدرات النوم

كثير من الأسر التي ترعى مريض الخرف تعاني من مكدرات النوم، نتيجة لما يبدو من المريض من تصرفات وسلوك أثناء الليل وفي أوقات الراحة مما يجعل النوم متقطعاً، كما قد يهبوا من نومهم مذعورين نتيجة لقيام المريض بإسقاط الشياء أو إصدار الأصوات المزعجة.

5- التوترات العضوية والنفسية

يشير تيبتون وسلون إلى أن الأفراد الذين يقومون بالعناية بالمصابيين بمرض الزهايمر يعانون من أعراض التوترات العضوية والنفسية، ونتيجة ﻷنماط النوم لدى المريض، وكذلك أنماط السلوك الغربية التي يقوم بها، وكذلك متطلبات النظافة الشخصية، وقد سجلت التوترات العقلية بين أولئك الذين يعانون من مشكلات مالية بصفة خاصة ويشير ريس وآخرون إلى أن الأفراد الذين يقومون برعاية أحد المصابيين بمرض الزهايمر غالباً ما يعانون من مجموعة من الأعراض المرتبطة بالضغوط مثل الشعور بالحرمان، وفقدان الشهية ونقصان أو زيادة الوزن، والإجهاد العصبي والقلق.

6- المشكلات المالية

يؤثر وجود مريض الخرف على الحالة الاقتصادية للأسرة من ناحيتين، فمن ناحية يلقي مريض الخرف أعباء إضافية على ميزانية الأسرة، تتمثل في العلاج والاحتياجات الخاصة وتهيئة المنزل للعناية به، ومن ناحية أخرى ربما أدى وجود مريض إلى انقطاع بعض أفراد الأسرة عن الأعمال التي كانوا يقومون بها، أو على أقل تقدير عن الأعمال الإضافية التي كانوا يكسبون من ورائها مكاسب إضافية.

7- الاعتماد الكلي للمريض

بتطور مرض الخرف يصل المريض إلى مرحلة يعتمد فيها على غيره اعتماداً كلياً في تغذيته واستحمامه ونظافته الشخصية، وفي طريقة نومه وجلوسه، هذا الاعتماد الكلي على الأسرة يخلق مشكلات نفسية وصحية، لمن يقومون بهذه الخدمة، وتؤكد دراسة زاريت وآخرين أن اعتماد المريض في جميع شؤونه وحياته اليومية على الأسرة يمثل إحدى المشكلات التي تجابه الأسرة الراعية لمريض الخرف.

أثر الأسرة على المريض في المجال الشيخوخة

على الرغم من المشكلات الحادة التي ترتبط بوجود المريض في الأسرة، وما يتطلبه وجوده من عناية خاصة ورعاية مستمرة، إلا أن معظم الأسر ما تزال تصر على إبقاء المريض داخل الأسرة، وتجد أن من واجباتها العناية به، حتى في الدول الأكثر تحرراً من الالتزامات الأسرية والارتباطات العائلية.

فعلى سبيل المثال نجد أن معظم المصابيين بمرض الخرف، يعنى بهم في منازل أسرهم، حيث لاحظ بعض الباحثين أن الأسرة عادة ما ترفض إيداع أقربائها المصابيين بمرض الخرف في المؤسسات المخصصة للعناية بهم، حتى وإن كانت التوصيات من قبل المختصصين توصي بإيداعهم في تلك المؤسسات.

هناك العديد من العوامل التي من خلالها تؤثر الأسرة في نوعية الرعاية التي يتلقاها مريض الخرف، فاختلاف الأسر في خصائصها الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية بشكل عام يؤدي إلى اختلاف الرعاية التي تقدمها لمريض الخرف، وسنتناول فيما يلي أهم تلك العوامل التي تؤثر في نوع الرعاية التي يلقاها مريض الخرف:

1- الإمكانيات المادية للأسرة

تلعب الإمكانيات المادية للأسرة دوراً مهماً في حياة المريض، حيث يمكن تسخير مثل هذه الإمكانيات في إشباع حاجات المريض الصحية والغذائية والترفيهية، فكبير السن عادة عرضة بشكل أكبر للإصابة بالأمراض، وبإمكان الأسرة القادرة أن توفر الخدمات الصحية المناسبة بعكس الأسر غير القادرة.

كما أن الأسر ذات المستوى الاقتصادي الجيد تستطيع أن تقوم بتهيئة المريض ما يتناسب معه من طعام، وأن تقوم بالاستعانة بخبرات قادرة على المساعدة في رعايته، كما أن المستوى الاقتصادي الجيد للأسرة تمكن أفرادها من قضاء وقت أطول مع المريض من الأسرة ذات المستوى الاقتصادي المتدني، والذي يلزم أفراد الأسرة بالعمل، وبذلك يقل الوقت الذي يمكن أن يمنحه أفراد الأسرة للمريض.

2- حجم الأسرة

كلما كان عدد أفراد الأسرة كبيراً قل نصيب كل فرد من الوقت الذي يقضيه في رعاية المريض، أما إذا كان عدد أفراد الأسرة قليلاً فإن مهام رعاية المريض تتركز عليهم، وبذلك يتحمل الفرد في مثل هذه الأسر أعباء كبيرة لرعاية المريض، من هذا المنطلق، فإن الأسرة الممتدة يمكن أن تهيئ ظروفاً أفضل لرعاية المرضى مما يمكن أن تهيئة الأسرة النواة.

3- وجود أبناء للمريض

كلما كانت صلة القرابة قوية بالمريض، زاد اهتمام أفراد الأسرة بالمريض، فالبنات أو الأبناء أو الزوجة أو الزوج عادة ما يشعرون بمدى مسؤولياتهم تجاه مريضهم، مما يجعلهم يتعاونون في تقديم أفضل الرعاية، بعكس المريض الذي لا يوجد له بنت أو ولد، وتؤكد دراسة برودي وآخرين ارتفاع نسبة المودعين في المؤسسات بين الأرامل والمطلقين ومن لم يتزوجوا قط.

المصدر: دور النظريات الاجتماعية في أبحاث الشيخوخة، ابراهيم العبيدي، 1989.تطور مفهوم القوة الاجتماعية في الفكر الاجتماعي، ابراهيم العبيدي، 1996.التوجيه التربوي لكبار السن، ترجمة محمد عبد المنعم نور، 1980.مرض الخرف انتشاره والخصائص المرتبطة به، سامي الدامغ، 2001.


شارك المقالة: