التأثيرات الفردية والنظريات المعرفية على السلوك الإجرامي

اقرأ في هذا المقال


من هم المجرمون؟ كيف يفكرون؟ لماذا يفعلون ما يفعلونه؟ إنّ الفهم الكامل للسلوك الإجرامي وكيفية منع الجريمة والتنبؤ بالإجراءات المستقبلية والمساعدة في التحقيقات، هو المفتاح للمهتين بعلم الجريمة، حيث يشير السلوك الإجرامي إلى سلوك الجاني الذي يؤدي إلى ارتكاب فعل غير قانوني، فغالبًا ما يتم توجيه السلوك الإجرامي عن قصد إلى أفراد معينين في محاولة لأخذ ما هو ملكهم، كوسيلة لكسب ممتلكات مادية وكعمل للسيطرة على أحد المنافسين (سواء كان هذا الشخص مدركًا للمنافسة القائمة أو حتى علم الجاني بأي معنى شخصي).

النظريات المعرفية

الأحداث المسيئة

بينما يهدف معظم علماء النفس إلى شرح تطور المجرمين فقد ركز البعض على حدوث الأحداث المسيئة، وتشير النظرية الأكثر شيوعًا للأحداث المسيئة إلى أنّها تحدث استجابة لفرص محددة عندما تفوق فوائدها المتوقعة (على سبيل المثال الممتلكات المسروقة وموافقة الأقران) وتكاليفها المتوقعة (على سبيل المثال العقوبة القانونية ورفض الوالدين)، وعلى سبيل المثال حدد رونالد كلارك وديريك كورنيش نظرية للسطو على المنازل التي تضمنت العوامل المؤثرة التالية: ما إذا كان المنزل مشغولاً ويبدو ثريًا وكان لديه شجيرات للاختباء خلفه وكان إنذار ضد السرقة واحتواء كلبًا وكان محاطًا بالجيران فضولين، فألهمت نظرية الاختيار العقلاني هذه الأساليب الظرفية لمنع الجريمة.

نظرية التطور الأخلاقي

تم التأكيد أيضًا على أهمية عمليات التفكير في نظريات نفسية أخرى عن الإساءة، فعلى سبيل المثال في نظرية التطور الأخلاقي للورنس كولبرج، ووفقًا لهذه النظرية يتقدم الناس عبر مراحل مختلفة من التطور الأخلاقي مع تقدمهم في السن: من مرحلة ما قبل التقليد (حيث يكونون يمارسون المتعة ولا يطيعون إلا القانون بسبب الخوف من العقاب)، إلى المرحلة التقليدية (حيث يطيعون القانون لأنّه هو القانون)، إلى مرحلة ما بعد التقليدية (حيث يطيعون القانون إذا كان يتوافق مع المبادئ الأخلاقية العليا مثل العدالة والإنصاف واحترام الحقوق الفردية).

تتوافق المرحلة السابقة مع التفكير الملموس إلى حد ما، في حين أنّ التفكير المجرد مطلوب للتقدم إلى مرحلة ما بعد التقليدية، ومن الواضح أنّ تطوير القدرة على التفكير الأخلاقي يرتبط بتطوير الذكاء، والفكرة الأساسية لنظرية التفكير الأخلاقي هي أنّ الأفعال الأخلاقية تعتمد على التفكير الأخلاقي، وعلى وجه التحديد تفترض النظرية أنّ المجرمين لديهم قوى ضعيفة للتفكير الأخلاقي وأنّهم عالقون بشكل أساسي في مرحلة ما قبل التقليد، وهناك قدر كبير من الأدلة على أنّ الجناة يظهرون بالفعل مستويات أقل من التفكير الأخلاقي مقارنة بغير الجناة، وقد تم تصميم بعض برامج العلاج المؤسسي لتحسين القدرة على التفكير الأخلاقي.

نظريات العدوان

تركز بعض نظريات العدوان على العمليات الإدراكية، فطرح رويل هويسمان وليونارد إيرون نموذج نص معرفي يعتمد فيه السلوك العدواني على الذخيرة السلوكية المخزنة (النصوص المعرفية) التي تم تعلمها خلال التطور المبكر، واستجابة للإشارات البيئية يتم استرداد النصوص المعرفية المحتملة وتقييمها، ويعتمد اختيار النصوص العدوانية التي تصف السلوك العدواني على التاريخ الماضي للمكافآت والعقوبات وعلى مدى تأثر الأطفال بالإشباع الفوري بدلاً من العواقب طويلة المدى، ووفقًا لهويسمان وإيرون فإنّ السمة المستمرة للعدوانية هي مجموعة من السيناريوهات العدوانية التي تم تعلمها جيدًا والتي تقاوم التغيير.

هناك نظريات تعليمية اجتماعية معرفية أخرى تؤكد على دور تعليمات النمذجة وعمليات التفكير واستراتيجيات حل المشكلات بين الأشخاص (على سبيل المثال باندورا)، حيث يُنظر إلى الفرد على أنّه معالج معلومات يعتمد سلوكه على العمليات المعرفية وكذلك على تاريخ المكافآت والعقوبات التي تلقاها في الماضي، وربط روبرت وروسلين روس بشكل صريح الإساءة بالعجز المعرفي بحجة أنّ الجناة يميلون إلى الاندفاع والتركيز على الذات والملموسين بدلاً من التجريد في تفكيرهم، والفقراء في حل المشكلات بين الأشخاص لأنّهم فشلوا في فهم كيف يفكر الآخرون ويشعرون به، وتستند برامج التدريب على المهارات السلوكية المعرفية للمجرمين على هذه الأفكار.

التأثيرات الفردية

نظرية شخصية إيسنك

تظهر الدراسات نظرية شخصية إيسنك (The Eysenck personality theory) أنّ السلوك المعادي للمجتمع ثابت بشكل ملحوظ مع مرور الوقت، أو لنكون أكثر دقة فإنّ الترتيب النسبي للأفراد ثابت بشكل ملحوظ بمرور الوقت، ويفترض علماء النفس أنّ الاتساق السلوكي يعتمد في المقام الأول على استمرار الميول الأساسية للأفراد للتصرف بطرق معينة في مواقف معينة، وتسمى هذه الميول بسمات الشخصية مثل الاندفاع والبحث عن الإثارة والحزم والتواضع والولاء، وتشير أبعاد الشخصية الأكبر مثل الانبساط إلى مجموعات من سمات الشخصية.

تاريخيًا كان أفضل بحث معروف عن الشخصية والجريمة مستوحى من نظرية هانز آيسنك (Hans Eysenck) واستبيانات الشخصية، واعتبر إيسنك الإهانة أمرًا طبيعيًا وحتى عقلانيًا على افتراض أنّ البشر كانوا يمارسون المتعة ويسعون إلى المتعة ويتجنبون الألم، ولقد افترض أنّ الأفعال الجانحة مثل السرقة والعنف والتخريب كانت في الأساس ممتعة أو مفيدة للجاني، ومن أجل شرح سبب عدم كون الجميع مجرمين اقترح إيسنك أنّ نزعة المتعة لارتكاب جرائم يعارضها الضمير والذي اعتبره -مثل جوردون تراسلر- استجابة خوف مشروطة.

أبعاد إيسنك الثلاثة للشخصية

وفقًا لنظرية آيسنك فإنّ الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم لم يبنوا ضمائرًا قوية، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنّ لديهم ظروفًا سيئة بطبيعتهم، ويرتبط سوء الحالة بأبعاد إيسنك الثلاثة للشخصية والانبساط (E) والعصبية (N) والذهان (P)، فالأشخاص الذين لديهم نسبة عالية من (E) تكون لديهم استجابات مشروطة أقل جودة، لأنّ لديهم مستويات منخفضة من الإثارة القشرية، والأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في (N) أيضًا يعانون بشكل أقل لأنّ مستوى القلق المرتفع لديهم يتعارض مع تكييفهم، وأيضًا نظرًا لأن (N) يعمل كمحرك مما يعزز الميول السلوكية الحالية، ويجب أن يكون المنفتحون العصابيون مجرمون بشكل خاص.

توقع آيسنك أيضًا أنّ الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من (P) سوف يميلون إلى أن يكونوا مجرمين، لأنّ السمات المضمنة في تعريفه للذهان (البرودة العاطفية والتعاطف المنخفض والعداء العالي والوحشية) كانت نموذجية للمجرمين، ومع ذلك فإنّ معنى مقياس (P) غير واضح وربما يكون أكثر دقة في وصفه بأنّه مرض عقلي.

خلصت مراجعة الدراسات المتعلقة بأبعاد شخصية آيسنك إلى المخالفات الرسمية والمبلغ عنها ذاتيًا إلى أنّ ارتفاع (N) (ولكن ليس (E)) كان مرتبطًا بالمخالفة الرسمية، بينما كان ارتفاع (E) (ولكن ليس (N)) مرتبطًا بالإساءة المبلغ عنها ذاتيًا، وكان ارتفاع (P) مرتبطًا بكليهما، ولكن يمكن أن تكون هذه نتيجة حشو، نظرًا لأنّ العديد من العناصر على مقياس (P) كانت مرتبطة بالسلوك المعادي للمجتمع أو تم اختيارها في ضوء قدرتها على التمييز بين السجناء وغير السجناء.

في الدراسة الطولية المحتملة لأكثر من أربعمائة فتى من لندن يميل أولئك الذين ينتمون إلى كل من (E) و (N) إلى أن يكونوا أحداثًا تم الإبلاغ عن ارتكابهم جرائم ذاتيًا، ومجرمين رسميين بالغين ومجرمين بالغين تم الإبلاغ عن ارتكابهم ذاتيًا ولكن ليس المجرمين الأحداث الرسميين، وأقيمت هذه العلاقات بشكل مستقل عن عوامل الخطر الإجرامية الأخرى مثل دخل الأسرة المنخفض والذكاء المنخفض وسلوك الوالدين في تربية الأطفال السيئ.

ومع ذلك عندما تمت دراسة العناصر الفردية لاستبيان الشخصية كان من الواضح أنّ العلاقات المهمة كانت ناجمة عن العناصر التي تقيس الاندفاع، فعلى سبيل المثال القيام بالأشياء بسرعة دون التوقف عن التفكير، ومن ثم يبدو من المرجح أنّ البحث المستوحى من نظرية إيسنك يحدد بشكل أساسي الرابط بين الاندفاع والإساءة.

نموذج العوامل الخمسة

منذ عام 1990 كان نظام الشخصية الأكثر قبولًا هو الخمسة الكبار أو نموذج العوامل الخمسة، ويشير هذا إلى أن هناك خمسة أبعاد رئيسية للشخصية: العصابية (N) والانبساط (E) والانفتاح (O) والتوافق (A) والضمير (C)، فالانفتاح يعني الأصالة والانفتاح على الأفكار الجديدة والاتفاق يشمل التنشئة والإيثار والضمير يشمل التخطيط والإرادة لتحقيق، وبسبب حداثتها نادرًا ما تمت دراسة نظرية الشخصية الخمسة الكبار فيما يتعلق بالإساءة، ومع ذلك في دراسة أسترالية أظهر باتريك هيفين (Patrick Heaven) في عام 1996 أنّ التوافق والضمير كانا مرتبطين بشدة (سلبًا) بالجنوح المبلغ عنه ذاتيًا.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985(.إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: