أحداث ثورة عبد الله بن الزبير على حكم بني أمية الوراثي

اقرأ في هذا المقال


ثورة عبد الله بن الزبير على حكم بني أمية الوراثي:

عندما تولَّى معاوية بن أبي سفيان الخلافة كان شرطاً أن يكون الحسن بن علي خليفةً من بعده، ولكن الحسن مات مسموماً فقام معاوية بجعل الخلافة تدخل بنظام الخلافة بمشورة المغيرة بن شعبة، وقام بتعيين ابنه يزيد بن معاوية في حياته خليفة من بعده، ولكن البعض رفضوا البيعة ليزيد مثل الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير.
وعندما تولى يزيد الخلافة من بعد أبيه معاوية بن أبي سفيان في عام 60هـ، أبقى عمال أبيه على ولاياتهم، فجعل على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وعلى مكة عمرو بن سعيد بن العاص، والنعمان بن بشير على الكوفة، وعبد الله بن زياد على البصرة.
وكان تركيز يزيد بن معاوية في أخذ البيعة من كل من رفض مبايعته وأهمهم الحسين بن علي، ونظراً لتساهل الوليد بن عتبة في أخذ البيعة من الحسن وابن الزبير؛ لأنه كان يعرف قدر الحسين، فقد كان إنساناً رحيماً رفيقاً كريماً، وكان يخشى عذاب الله تعالى، ورفض أن يقوم بقتل الحسين أو سجنه.
فقد كان إصرار اليزيد في طلب البيعة من الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير الشرارة الأولى في اندلاع الفتنة بين المسلمين، فكان شعورهم من وراء هذا الإصرار بأنهم مطلوبين وأنهم سيقعون تحت بطش اليزيد إن رفضوا البيعة له، فذهبا إلى البيت الحرام ليحتميا فيها، وقالوا بأن هذا بدعة وهي أن قام بجعل الخلافة لابنه وكأنها صارت ورتثة بعد أن كانت شورى ولغير القريب، فكيف إن كانت للابن المباشر،وإن ابن الزبير رفض البيعة ليزيد والذهب إلى مكة مع الحسين والاستقرار فيها.

الأسباب التي دفعت عبد الله بن الزبير لاختيار مكة للجوء فيها:

  • كانت مكة المكرمة المكان الوحيد الذي يمكن اللجوء إليه في تلك الفترة؛ وذلك لأن الأوضاع في الولايات الأخرى لم تكن مناسبة لهم.
  • أما بالنسبة لإقليمي مصر واليمن كانتا بعيدتين جداً عن الأحداث، ولم يكن لعبد الله بن الزبير أي أنصار ومؤيدين فيهما.

كان الهدف الذي سعى إليه ابن الزبير من وراء هذا الثورة هو أن تعود الأمة لحياة الشورى، وأن يقوم بتولي الأمة من يستحق هذا المنصب، وكان يعتقد بأن استعماله للسيف ليغير المنكر يرضي الله تعالى ويتقرب له، ويضع حداً لانتقال الحكم إلى ملك ووراثة، ولذلك لم يقم بالدعوة لنفسه كخليفة إلا بعد وفاة يزيد بن معاوية، وكان ابن الزبير يقول: والله لا أريد إلا الإصلاح وإقامة الحق، ولا ألتمس جمع مال أو ادخاره.
وعندما خرج الحسين بن علي إلى الكوفة وتم قتله في كربلاء في يوم عاشوراء من العام 61هـ، كان لذلك الحدث أثراً كبيراً على ابن الزبير، وكان ما يخشاه هو انفراد الأمويين بهذا الحدث، وأن الرجل الذي كان يضفي مكانة ومنزلة على المعارضة قد تم قتله، وشَعَرَ اببن الزبير بخطورة الموقف ولكنه حاول بأن يستفيد منه، فحاول أن يحفز دوافع الكره التي في قلوب الذي يكرهون الأمويون بسبب مقتل الحسين.
لم يقم يزيد بن معاوية بأي عمل يعقد النزاع بينه وبين عبد الله ابن الزبير في البداية، وقام بإرسال رسالة له يذكره بفضائله على الإسلام وحذره من الفتنة والسعي فيها، وقال له: أذكرك الله في نفسك فإنه ذو سن في قريش، وقد مضى لك سلف صالح، وقدم صدق من اجتهاد وعبادة، فارأب صالح ما مضى ولا تبطل ما قدمت من حسن، وأدخل فيما دخل فيه الناس، ولا تردهم في فتنة، ولا تحل ما حرم الله فأبى أن يبايع.
لكن ابن الزبير لم يقم بالاستجابة لدعوة يزيد السلمية، وقام برفض البيعة وأقسم يزيد على أنه لا يقبل بيعة عبد الله ابن الزبير حتى يأتي إليه مغلولاً، وحاول معاوية بن يزيد أن يجعل والده يتراجع عن هذا القسم، ولذلك لمعرفته بابن الزبير وكان معاوية رجلاً تقياً زاهداً، وكان يخشى سفك دماء المسلمين، ولكن يزيد كان مصراً على قسمه، وحتى يزيد يخفف من صعوبة الموقف أرسل لابن الزبير عشرة من أشراف أهل الشام، وأعطاهم جامعة من فضة وبرنس خز.
وعندما وصل أعضاء الوفد إلى مكة تكلم ابن عضاة الأشعري وقال: يا أبا بكر قد كان من أثرك في أمر الخليفة المظلوم عثمان بن عفان، ونصرتك إياه يوم الدار ما لا يجهل قد غضب أمير المؤمنين بما كان في آبائك مما قدم عليك فيه النعمان بن بشير وحلف أن تأتيه من جامعة خفيفة لتحل يمينه فالبس عليها برنساً فلا تُرى، ثم أنت الأثير عند أمير المؤمنين الذي لا يخالف في ولاية ولا مال.
استأذن عبد الله ابن الزبير الوفد لبضعة أيام لكي يفكر ويستشير، فقام بعرض الأمر على والدته أسماء بنت أبي بكر الملقبة بذات النطاقين، فقالت: يا بني، عِشْ كَريماً وَمُتْ كَريماً، ولا تمكن بني أمية من نفسك، فتلعب بك، أحسن من هذا، وكان مروان بن الحكم قد قام بإرسال ابنه عبد العزيز بن مروان وقال له: قل لابن الزبير: إن أبي أرسلني عناية بأمرك وحفظاً لحرمتك، فأبرر يمين أمير المؤمنين.
وإنما يَجْعَل عَليك جَامعةٌ مِنْ فِضَةٍ أو ذَهَبْ وتُكْسى عِليه بُرنُساً فَلا تَبْدو إلاَّ أَنْ يُسْمْع صَوْتُها، فكتب عبد الله ابن الزبير إلى مروان يشكره والجامعة القيد، وردَّ على الوفد الذي أتاه بالرفض، وبعد أن أجاب ابن الزبير على الوفد قال لابن عضاة: إنما أنا بمنزلة حمام مكة، أفكنت قاتلاً حماماً من حمام مكة؟ قال له: نعم وما حرمة حمام مكة، يا غلام ائتني بقوسي وأسهمي.
فأتاه بأسهمه وقوسه، وأخذ سهماً ووضعه في القوس ثم سددَّ نحو حمامة من حمامات المسجد وقال: يا حمامة، أيشرب يزيد الخمر؟ قولي: نعم فوالله لئن فعلت لأرمينك، يا حمامة أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمة محمد وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك؟ والله لئن فعلت لأرمينك، فقال له ابن الزبير: ويحك أو يتكلم الطائر؟
رد عليه ابن عضاة: لا ولكنك يا ابن الزبير تتكلم، أقسم بالله لتبايعن طائعاً أو مكرهاً أو لترفعنَّ راية الأشعريين في هذه البطحاء، ولئن أمرنا بقتالك ثم دخلت الكعبة لنهدمها أو لنحرقها عليك، أو كما قال نستغفر الله تعالى.
رأى يزيد بن معاوية أنه يجب أن يقوم بعمل عسكري للقبض أو القضاء على ابن الزبير ووضع الأغلال في عنقه، وعندما حج عمرو بن سعيد بن العاص والي المدينة حج معه ابن الزبير في نفس السنة، ولم يقم ابن الزبير بالصلاة في صلاة عمرو ولا أفاض بإفاضته، وهذا دليل أنه مفارق لسلطة الدولة، وأن إقامة الحج تمثل الدليل الأقوى على شريعة الدولة وسلطانها.
كان ابن الزبير يقوم بالتصرفات على أنه كامل الاستقلابية، وكان لا يقوم بأي أمر بدون جبير بن شيبة، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن صفوان بن أمية، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وكان يريهم أن الأمر فيما بينهم شورى، فأرسل يزيد إلى عمرو بن سعيد بن العاص واليه على المدينة ليوجه له جنداً، فعين عمرو قائداً وأرسله وهو عمرو بن الزبير بن العوام وهو أخو عبد الله بن الزبير.
كان عمرو بن الزبير قد ولَّى شرطة المدينة إلى عمرو بن سعيد، وكان شديد العداوة والبغضاء لأخيه عبد الله وكان يضرب كل من يتعاطف معه، وكان إرساله لمحاربة أخيه عبد الله بن الزبير بناء على طلبه، وقام عمرو بن الزبير بالإرسال لأخيه يطلب منه أن يمتثل ليمين يزيد بن معاوية، ومنعه من القتال في البلد الحرام، وكان عمرو يخرج من معسكره فيصلي بالناس مع عبد الله خلال المفاوضات.
وكان عبد الله يسير معه ويلين له ويقول: إني سامع مطيع وأنت عامل يزيد، وأنا أصلي خلفك، وما عندي خلاف، فأما أن تجعل في عنقي جامعة، ثم أقاد إلى الشام، فإني نظرت في ذلك فرأيت أنه لا يحل لى أن أحله بنفسي فراجع صاحبك واكتب إليه، ولكن عمرو بن الزبير قام بالاعتذار لأنه لم يكتب ليزيد؛ لأنه ووكل بمهمة محددة يجب عليه تنفيذها، وكان عبد الله بن الزبير قد قام بإرسال عبد الله بن صفوان الجمحي ومعه البعض من الجنود.
وأُخذ الجنود لأسفل مكة وأحاطوا بأنيس بن عمرو الأسلمي ولم يشعر بهم أنيس فقُتل وهزم أصحابه، وفي الوقت الذي قتل فيه كان مصعب بن عبد الرحمن بن عوف يقود طائفة أخرى باتجاه عمرو بن الزبير الذي كان معسكراً في الأبطح فتمت هزيمة عمرو، وقام بالدخول إلى دار رجل يسمى علقمة، فجاءه أخوه عبيدة بن الزبير فأجاره وأخذه إلى عبد الله وأجاره.
ولم تحقق معارضة عبد الله بن الزبير أي نتيجة خلال سنتين أو أكثر، ولم يحدث أي تغيير بشأن هيمنة الدولة على الحجاز، ولكن ابن الزبير كان يهدف للإيقاع بيزيد في مأزق المواجهة.

المصدر: كتاب الحجاج بن يوسف الثقفي طاغية بني أمية، منصور عبد الحكيمكتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار، علي محمد صلابيكتاب أطلس تاريخ الدولة الأموية، سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوثكتاب تاريخ الدولة الأموية، محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: