أشهر وزراء بني بويه وأثرهم في سياسة الدولة

اقرأ في هذا المقال


أشهر وزراء بني بويه وأثرهم في سياسة الدولة:

ولي منصب الوزارة في العهد البويهي عدد كبير من الوزراء، وقد أشتهر بعضهم بشهرة واسعة، وموقع رفيع، وساعد بعضهم في توطيد ونشر نفوذ البويهيين. وسنَّ أولئك الوزراء أبو محمد المهلبي وأبو الفضل بن العميد والصاحب بن عباد، ‏وقد استطاع هؤلاء الوزراء أن يستمروا في مناصبهم مُدةً طويلةً بفضل ما كانوا يتمتعون به من كفاية إدارية وعسكرية، بالإضافة إلى ثقافتهم العالية التي أكسبتهم احترام الناس وتقديرهم.

تولى أبو الفضل بن العميد وزارة الأمير ركن الدولة في سنة (328 هجري)، وبقي وزيراً حتى توفي في سنة (359 هجري)، أي لمُدة تزيد على ثلاثين عاماً. كما أن الصاحب بن عباد ولي الوزارة في سنة (366 هجري)، وظل في منصبه حتى توفي في سنة (385 هجري)، أي حوالي عشرين سنة تقريباً.

برزت الصفة الحربية في كثير من وزراء البويهيين فكان الوزير يتحكم بجيوشه في الحروب، بالإضافة إلى قيامه بالأعمال الإدارية والمالية. ولم يسبق أن توفرت هذه الصفة في وزراء العباسيين ‏ قبل العهد البويهي فيما عدا الحسن بن مخلد وزير الخليفة المعتضد بالله. وكان الوزراء الأوائل لأمراء بني بويه وفي مقدمتهم أبو محمد المهلبي وأبو الفضل ابن العميد والصاحب بن عباد يتولون قيادة الجيوش البويهية.

ويصف مسكويه كفاية أبي الفضل بن العميد الحربية بقوله: (أسد في الشجاعة لا يصطلى بناره ولا يدخل في غباره ولا يبارزه بطل مع ثبات جأش وحضور رأي، وعلم بمواضع الفرص، وبصر بسياسة العساكر والجيوش، ومعرفة بمكايد الحروب).

كذلك كان الصاحب بن عباد يتميز بكفايته الحربية، حتى أنه فتح في خلال وزارته خمسين قلعة، أما الوزير أبو محمد المهلبي، فكان يلي قيادة الجيش البويهي في عهد الأمير مُعز الدولة، وقام بقيادة عدة حملات عسكرية ضد عمران بن شاهين، حاكم البطيحة، ويوسف بن وجيه، . والي عمان. وقد توفي هذا الوزير سنة (352 هجري)، وهو يقود الجيش البويهي لقتال ذلك الوالي.

تمكّن وزراء البويهيين الأوائل أن يوطدوا علاقات تتكون من المحبة والإحترام والتواصل بينهم وبين عناصر الجند، وقد قام بدعمهم على ذلك قوة وترابط أمراء البويهيين آنذاك، هذا فضلاً عن أنهم كانوا يجمعون في أيديهم مقاليد الأمور الإدارية والعسكرية أي أنهم كانوا وزراء وقواداً في آن واحد، وقد مكنهم هذا من القيام بأعباء منصب الوزراء على وجه مرض.

الوزير أبو محمد المهلبي:

وهو وزير الأمير معز الدولة. قام بأعمال الوزارة لمعز الدولة حين غاب وزيره أبوجعفر الصيمري، وبذلك أُتيحت له الفرصة للإلمام بالأعمال الإدارية، والتعرف على رسوم الوزارة، ولمّا توفي أبو جعفر الصيمري في سنة (339 هجري)، عهد الأمير مُعز الدولة إلى أبي محمد المهلبي بأعمال الوزارة، ريثما يتم اختيار وزيرله. وقد تطلع آنذاك عدد من كبار رجال الدولة لهذا المنصب، لكن الأمير مُعز الدولة البويهي أختار أبا محمد. ويعلل مسكويه سبب أختياره بمعرفته برسوم الوزارة واجادته للغة الفارسية. وهذا بدون شك سهل عليه التعامل مع الديلم.

كان أبو محمد المهلبي يتميز بوقاره وجديته، وله هيبة في نفوس من يعملون معه. هذا فضلاً عن كونه أديباً مُبرزاً وشاعراً بليغاً. ويُعده ابن النديم من الشعراء المقلين. ومن مُصنفاته: ديوان رسائله وتوقيعاته وكتاب ديوان شعره. وكتاب عن البلاد والممالك والطرق والمسالك المؤدية إليها.

ساعد الوزير أبو محمد المهلبي في تنظيم أمور العراق في العهد البويهي كما أنه قام بفعل إعادة إصلاح الأمور الإدارية والمالية في الدولة. هذا فضلاً عن كونه قائداً عسكرياً قاد مُعظم الجيوش التي خرجت لقتال أعداء الدولة أثناء وزارته.

الوزير أبو الفضل بن العميد:‏

ولي وزارة الأمير ركن بن بويه بالريّ سنة (328 هجري)، عُقب وفاة الوزير أبي علي القمي، وظل يلي ابن العميد الوزارة حتى توفي سنة (360 هجري)، أي لفترة تزيد على ثلاثين عاماً، وهذه أطول فترة يحتفظ فيها وزير بمنصبه فى ذلك العهد. وكان يضرب امثل بأبي الفضل بن العميد في البلاغة والفصاحة والبراعة، حتى أنه كان يُسمى بـ (الجاحظ الثاني). وبلغ من تمكنه في اللغة وانشاء الرسائل أن قيل آنذاك: (بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد).

ويصف مسكويه قدرات أبي الفضل بن العميد العلمية بقوله: (كان من أفضل كُتاب أهل عصره، وجمعه أدوات الكتابة، حفظاً للغة والغريب، وشموليته بمعرفة في النحو والعروض، وكان يحفظ الكثير من الدواوين من شعراء الجاهلية والإسلام.

هذا فضلاً عن تمكن أبي الفضل بن العميد من علوم الهندسة والمنطق والفلسفة والالهيات منها خاصة. كما كان له معرفة تامة بعلميّ التفسير والفقه،‏ وله ذاكرة قوية ومقدرة على الحفظ. ويبدو أنه كان لأبي الفضل بن العميد اهتمام خاص بالشعر، حيث حفظ منه ‏ كما يذكر ابن الأثيرما لم يحفظ غيره. أما من الناحية الإدارية . فكان أبوالفضل بن العميد من أعظم وزراء العهد البويهي وأبعدهم أثراً في سياسة الدولة، وتدبير أمورها، وأكثرهم فهماً لِمَا تحتاج إليه الوزارة من صبر وحكمة ومرونة وتواضع.

أظهر أبو الفضل محمد بن العميد أثناء تقلده الوزارة مهارة كبيرة في إدارة أعمال الدولة فهابه الناس وأحترموه، حتى أنه كان من صفاته أنه يغض الطرف إلى أحدهم عن طريق الأنكار، فترتعد الفرائص،‏ وتضطرب الأعضاء وتسترخي المفاصل.

كما كان ابن العميد متفوقاً في الأعمال العسكرية، وعلى معرفة تامة بأمور الحرب،‏ وقيادة الجيوش. وبما ساعده على التفوق في المجال العسكري قُدرته على فهم نفسية الجند الذين كانوا يعملون تحت قيادته، كما يظهر من خلال شرح أبي الفضل بن العميد لأبنه أبي الفتح للطرق الصحيحة التي يجب أن يتبعها القائد في سياسة جنده.

ويذكر مسكويه أنه سمع أبا الفضل بن العميد كثيراً يوضح لابنه أبي الفتح: (شكل الديلم في الحسد والبغض، وأنه ما حكمهم قط إلا بترك الزينة، وبذل مالا يبطرهم، ولا يخرجهم إلى التحاسد، ولا يتكبر عليهم، ولا يكون إلا في مرتبة أوسطهم حالاً. توفي أبو الفضل بن العميد في سنة (360 هجري)، أثناء قيادته لإحدى الحملات الحربية ضد حسنويه بن الحسين الكردي.

الوزير أبو الفتح بن العميد:

خلف والده أبا الفضل في وزارة الأمير ركن الدولة بن بويه، ثم ولي الوزارة لأبنه مؤيد الدولة، حاكم الريّ وأصفهان وأعمالهما. كان أبو الفتح أديباً فاضلاً بليغاً، ويصفه الثعالبي بقوله: (كان نجيباً لطيفاً سخياً، رفيع الحمة، كامل المروءة، وقد تأنق أبوه في تهذيبه، وجالس به أُدباء عصره، وفضلاء وقته). كما وصفه ياقوت الحموي بقوله: (كان شاباً ذكياً متحركاً، حسن الشعر مليح الكتابة، كثير المحاسن،‏ لم يظهر كل ما في نفسه لقصر أيامه، واشتعال دولته وطفوها بسرعة).

ومن المآخذ التي أخذها عليه مسكويه افراطه في الزينة، والإسراف في إقامة الولائم والدعوات، واغداق الصلات والخلع على قواد الديلم والأتراك. وهذا كان موكب أبي الفتح بن العميد يضم كبار قواد الجيش،‏ وكانوا لا يأنفون من المسير أمامه، وتقبيل الأرض بين يديه وكان هذا لا يرضي والده أبا الفضل، ويذكر مسكويه أن أبا الفتح رافق والده عند خروجه لقتال حسنويه الكردي.

وفي الطريق لم يرَ أبو الفضل في موكبه أحداً من القواد، فسأل مسكويه، وكان بصحبته، عن السبب، فأخبره أن جميع القواد والحجاب ومن يجري مجراهم،‏ انضموا إلى موكب ابنه أبي الفتح فسار بهم الى الصيد. فاستاء أبو الفضل لذلك، وأصدر أمراً بأن لا يخرج أحد مع ابنه، ولكن لم يلتفت أحد لكلامه، لشدة ميلهم لأبي الفتح. وبلغ من حُبّ كبار رجال الدولة لهذا الوزير أنه إذا كان في دار الإمارة ثم خرج منها ‏ تبعه الجميع ‏ وخلت دار الإمارة حتى لا يبقى فيها إلا المستخدمون من الأتباع والحاشية.

قام أبو الفتح بن العميد بدور هام في إزالة الخلاف بين الأمير ركن الدولة وابنه عضد الدولة، نتيجة لتعدي عضد الدولة على ابن عمه عز الدولة بختيار بن معز الدولة، وانتزاعه إمارة العراق منه، فخشي عضد الدولة أن يموت والده ركن الدولة، وهوغير راض عنه، فتخرُج الإمارة من يده، فطلب من وزير أبيه،‏ أبي الفتح بن العميد في سنة (365 هجري)، أن يتوسط بينه وبين والده لإنهاء الخلاف بينهما.

وقد نجح أبو الفتح بما له من مكانة رفيعة لدى الأمير ركن الدولة من اقناعه بتصفية خلافه مع أبنه عضد الدولة، والصفح عنه، والمُبايعة له بالعهد من بعده، لِمَا في ذلك من خير وصلاح للدولة، وللقضاء على ما قد يحدث من نزاع بعد وفاته بين أبنائه حول الإمارة، فعقد اجتماعاً بمدينة أصبهان، حضره الأمير ركن الدولة وجميع أبنائه، وكبار القواد والأمراء ورجال الحاشية، أعلن فيه ركن الدولة أن ابنه عضد الدولة ولي عهده وخليفته على ممالكه،‏ وأن مؤيد الدولة وفخر الدولة نائبان عنه في الأعمال التي رتبهما فيها.

وقد استطاع أبو الفتح بن العميد بهذا الاجتماع أن يجمع شمل أفراد البيت البويهي،‏ ويزيل الخلاف بينهم. وفي سنة (366 هجري)، قبض الأمير مؤيد الدولة على وزيره أبي الفتح بن العميد وأساء معاملته، واستصفى جميع أمواله، ثم أنفذه إلى إحدى القلاع، فسجن فيها عِدة أيام ثم قُتل.

المصدر: ❞ كتاب نظام الوزارة في الدولة العباسية ❝ مؤلفه محمد مسفر الزهراني صفحة (97 – 103).❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث.❞ كتاب الخلافة العباسية في عهد تسلط البويهيين ❝ مؤلفته وفاء محمد علي. ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش.


شارك المقالة: