أهم فتوحات أبا المهاجر دينار

اقرأ في هذا المقال


فتوحات أبا المهاجر دينار:

على الرغم من الخطأ الذي ارتكبه أبا المهاجر دينار في حق عقبة بن نافع الذي يُعرف بجهاده الكبير، إلا أنه له دور كبير في فتح المغرب وتمهيد أهله لقبول الدين الإسلامي، فقد كان أبو المهاجر يتميز بقدرته العالية على الإدارة السياسية وحُسن التصرف، وقد رأى حسب خبرته أن السياسة التي يتبعها عقبة بن نافع لا بُدَّ لها أن تتغير، ويجب عليه أن يتَّبع سياسة كسب القلوب.
كان البربر قومٌ أشِدَّاء لديهم اعتزتز بالكرامة والحرية التي يمتلكونها وأن المعاملة الطيبة يكون أجدى من الشِدَّة في التعامل معهم، واستطاع أبا المهاجر دينار بسياسته الطيبة أن ينجح، كما أنه قد أدرك أن الروم هم الذين يحركون البرابرة في الشمال الأفريقي ضد المسلمين، وكانوا قد بدأوا يتحببون إلى البربر حتى كسبوا ثقتهم وتعاونهم ضد المسلمين.
فقام أبا المهاجر دينار باتباع سياسة لكشف حقيقة الروم، ولإقناع البربر أن المسلمون مسالمون ولم يأتوا لبلادهم للاستعمار أو للاستغلال، وأنما قد دخلوها للهداية والخير والدعوة للدين الإسلامي وأن الفكرة التي قالها الروم عنهم ليست صحيحة، بل هم من يستغلون البلاد منذ قرون، ورغم الخسائر التي تلقاها الروم في وسط إقليم أفريقيا وجنوبه ألا أن قوتهم في الشمال لم تتزعزع.
كانت قرطاجة عاصمة الروم آمنة وقوية ولم يقم بدخولها أيٌ من الفاتحين، ثُمَّ أنهم لا زالوا قوةً في ساحل المغرب من بنزرت إلى طنجة، فتوجب على أبا المهاجر دينار أن يضرب ضربته حتى يزعزع قوتهم في تلك المناطق، كما أنَّ عليه أن يكسر التحالف بين الروم والبربر، فذهب إلى قرطاجة ونازلها، فأُغلقت المدينة وتحصن من فيها بأسوارها المنيعة.
ولكن أبا المهاجر دينار شدَّد الحصار وحينها عَلِمَ الروم أنهم لا يستطيعون أن ينازلوا المسلمين، وأنهم سوف يُهزمون لا محالة، وأنه سيستطيع أن يدخل المدينة بسبب القوة الهائلة التي معه، فقام الروم بطلب الصلح ووافق أبو المهاجر شريطة أن يخلوا جزيرة شريك؛ حتى تبقى جنوده فيها، وكان الهدف الذي يسعى إليه بأخذه الجزيرة أن يراقب تحركات الروم.
وجعل أبا المهاجر دينار حاميةً من الجيش في الجزيرة وعلى رأسها القائد حنش الصنعاني؛ حتى يقوم بصد القوات الرومية إذا حاولوا أن يهاجموهم أثناء الغزو للبلاد، وبعدها تم رفع الحصار عن قرطاجة بعد أن استولوا على جزيرة شريك التي تتميز بموقعها الاستراتيجي، ثم بعدها اتجه أبا المهاجر إلى المغرب وكان الروم والبربر قد خافوا منه ولم يتعرض له أحد حتى وصل إلى ميلة.
وعندما وصل أبو المهاجر إلى ميلة التي تقع على بُعد خمسون ميل من مدينة بجاية في الجنوب الشرقي وجد أن أهلها مستعدين لقتاله، وكان من بين جنودهم طائفةً من البربر والروم كانوا قد تحصنوا بها، فقام أبو المهاجر بمنازلتهم وانتصر عليهم واحتل المدينة واستولى على كل ما فيها من الغنائم، وكانت ميلة تقع في منتصف المغربين الأدنى والأوسط.
فكانت ميلة أفضل مكان لمراقبة أي تحركات قد يقوم بها البربر والروم، فجعلها مقراً له وبقي أبا المهاجر دينار فيها لمدة سنتين واستثمر هذه المُدَّة في التواصل مع البربر وإقناعهم بالإسلام وإخبارهم عن كل تفاصيله، ونجحت سياسته نجاحاً باهراً فقد دخل الكثير من البرابرة في الدين الإسلامي، ونجح في اجتذاب البربر وأن يفصلهم عن الروم، فسكنت تلك المناطق سكوناً تاماً.
ووصلت الأخبار لأبا المهاجر دينار أن البعض من الروم والبربر يستعدون لقتاله، فقرر أن يذهب إليهم وكانت قبيلة أوربة هي من تتزعم كل من المغرب الأوسط والمغرب الأقصى، وهي قسم كبير من أقسام البربر البرانس وزعيمهم كسيلة بن لمزم، وكان يتميز قوة شخصيته وزكي الفؤاد وغيوراً على وطنه، وكان نصراني الديانة وجميع البربر يحبونه.
كان كسيلة لا يملك أي معلومة عن الإسلام والمسلمين، ولهذا السبب استطاع الروم أن يقنعوه بما أرادوا أن يقتنع به، ولهذا السبب أصبح يرى الإسلام والمسلمين عدواً له ولوطنه، وعندما رأ ى أن أبا المهاجر في ميلة دأ بدعوة البربر لمكافحة المسلمين وإجلائهم من بلادهم، فتحمس البربر للثورة واجتمع جيش كثيف من الروم والبربر للقاء المسلمين.

معركة تلمسان:

بعد أن أكمل كسيلة استعداده للقاء المسلمين ذهب إلى تلمسان؛ حتى يتجهز فيها، ووكان بانتظار لقائه مع أبا المهاجر دينار، وهذا الانتظار لم يطول وقته فوصل أبا المهاجر وعسكر بجنوده حول مدينة تلمسان، والتقى الجيشان ودارت بينهما حرب طاحنة أبلى كلتا الجيشان فيها بلاءً حسناً، وقد أدركوا خطورة هذه الحرب؛ بسبب كثرة القتلى بين الجيشان، فأنزل الله نصره على المسلمين، وولَّى جيش كسيلة الأدبار.

إسلام كسيلة:

أُوقع كسيلة أسيراً بعد خسارته في معركة معركة تلمسان وأُرسل إلى أبا المهاجر دينار،فعامله معاملة طيبة ولم يهنه أبداً، فكان أبا المهاجر يرغب كثيراً أن يسلم كسيلة، فأخبره أن الدين الإسلامي هو دين متسامح عادل، وأن إسلامه لن يخسره شيئاً بل أنه سيكسب مكاسباً مادية وروحية، فكان كسيلة ذكياً ويهتم لمصلحة قومه فآمن كسيلة وأصبح من المسلمين.
أُغرم كسيلة في اللغة العربية وبدأ بتعلمها، وأصبح من المقربين من أبا المهاجر دينار، وبدأ بنصرة الإسلام والمسلمين، وعاد أبو المهاجر إلى القيروان بعد أن أحسَّ بالاطمئنان من الوضع، وأقام بقرية تُدعى قرية دكرور؛ ليراقب الأمور، وليرصد تحركات الروم ودسائسهم ويوقف نفوذهم من الشمال الأفريقي، ولكن المقام لم يطل به، فقد توفي مولاه مسلمة بن مخلد الأنصاري في عام 62هـ.
كان مسلمة بن مخلد الأنصاري سنداً وعوناً لأبا المهاجر دينار، وعندما توفي قام يزيد بن معاوية بإعادة عقبة بن نافع إلى إفريقيا مرَّة أُخرى وعزل أبا المهاجر، وفي تولية أبا المهاجر على إفريقيا دليلاً على ثقة مسلمة بن مخلد فيه وحُسن معاملته إلى الموالي في الإسلام.

المصدر: كتاب معاوية بن أبي سفيان شخصيته وعصره، علي محمد صلابيكتاب تاريخ الدولة الأموية، محمد سهيل طقوشكتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار، علي محمد صلابيكتاب العصر الأموي، صلاح طهبوب


شارك المقالة: