استراتيجيات إعادة تشكيل الانضباط في الأنثروبولوجيا العامة

اقرأ في هذا المقال


يوضح علماء الأنثروبولوجيا بالتفصيل استراتيجيات إعادة صياغة الانضباط في الأنثروبولوجيا العامة وذلك لتسهيل التغيير الاجتماعي، وهذه الاستراتيجيات هي استراتيجية المساءلة و استراتيجية الشفافية.

استراتيجية المساءلة لإعادة تشكيل الانضباط في الأنثروبولوجيا العامة:

استراتيجية المساءلة تتجاوز الحكم على علماء الأنثروبولوجيا أعضاء هيئة التدريس بعدد الأوراق الأكاديمية التي قاموا بنشرها للحكم عليهم من خلال ما إذا كان ما كتبوه يساعد الآخرين بدلاً من مجرد سرد لحياتهم المهنية، حيث يميل علماء الأنثروبولوجيا إلى تقييم الجودة الفكرية لزملائهم من خلال الأعمال المنشورة التي قاموا بأنتاجها، ووفقًا لديبورا رود سعي علماء الأنثروبولوجيا الأكاديميين وراء المعرف والثقافة الأكاديمية من أجل المكانة، نظرًا لأن السمعة الأكاديمية والمكافآت تعتمد بشكل متزايد على المعرفة.

حيث أن علماء الأنثروبولوجيا الأكاديميين لديهم حوافز لإخراج المجلدات التي من شأنها تعزيز حياتهم المهنية بغض النظر عما إذا كانوا سيفعلون ذلك أيضًا من أجل المعرفة المتقدمة، ويشير تقرير لمؤسسة كارنيجي أن أكثر من ثلث علماء الأنثروبولوجيا الأكاديميين من أعضاء هيئة التدريس الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أن أعمالهم المنشورة تم تقييمها في الغالب من حيث الكمية بدلاً من الجودة، لذلك تركز استراتيجية المساءلة على الحسابات الكمية للمساءلة، مثل نشر رقم معين من المقالات سنويًا، وتقترح أن يتم تقييم المساءلة بشكل أفضل بمصطلحات أكثر واقعية.

والغالبية العظمى من تمويل البحوث الأنثروبولوجية تأتي من الوكالات غير الأكاديمية، والمعيار الرئيسي للتمويل هو أن البحث يجب أن يكون ذا قيمة لجمهور عريض نسبيًا وليس لعدد قليل من الأفراد فقط، حيث تتطلب مؤسسة العلوم الوطنية (NSF)، على سبيل المثال أن جميع المقترحات والتقارير النهائية تحدد التأثيرات الأوسع للبحث، وتشمل إمكانية إفادة المجتمع والمساهمة في تحقيق أهداف محددة ومطلوبة، ونتائج مجتمعية مكتوبة بقدر الإمكان لتكون مفهومة علميًا.

والمعاهد الوطنية للصحة كمكتب أبحاث العلوم السلوكية والاجتماعية يؤكد أن تحقيق الإمكانات الكاملة لاستثمار الأنثروبولوجيا العامة في البحوث الصحية يتطلب أن يُعلم العلم بالممارسة والسياسة، حيث يمكن تحفيز البحوث ذات الصلة والقابلة للاستخدام على علم حسب احتياجات المستخدمين النهائيين سواء كانوا أفرادًا أصحاء أو مرضى أو ممارسين أو قادة مجتمع أو صناع سياسات، وبالتوازي مع وجهات النظر هذه مجلس البحوث يشدد على الالتزام بدعم ومكافأة الباحثين للتفاعل مع الجمهور.

وعلى الرغم من تأكيد الممولين لهذه المعايير، لا يزال العديد من علماء الأنثروبولوجيا يختارون المعايير الأكاديمية التي تركز على عدد الزملاء الأكاديميين الذين يستشهدون بعملهم، وهم أيضاً يركزون على من يحصل على تمويل البحث، بعبارة أخرى غالبًا ما يكمن طريق النجاح في المطالبة بتطوير المعرفة بدلاً من المطالبة بإثبات أنها موجودة.

والقيمة الأساسية للتركيز على النتائج هي إنه يمكن تقييم النتائج بشكل مباشر إلى حد ما، فهل النتائج تعالج المشكلة بشكل فعال؟ وهل يساهمون في بناء معرفة متماسكة وتراكمية يمكن استخدامها خارج نطاق الانضباط لمعالجة المشاكل الحقيقية؟ وهل يحسنون حياة الناس الآخرين؟

وعند الدفاع عن استراتيجية المساءلة لإعادة تشكيل الانضباط في الأنثروبولوجيا العامة، من المهم ألا ينشغل علماء الأنثروبولوجيا الأكاديميين بالبلاغة المتعلقة بالموضوعية، فمع انتقال العلوم الاجتماعية إلى الجامعات في أواخر القرن التاسع عشر، اتخذت الموضوعية في العلوم الاجتماعية معنى مختلف، حيث جاءت للإشارة إلى تجنب الموضوعات السياسية المشحونة والتي قد تزعج النخب السياسية والمالية، والتي غالبًا ما تساعد في تمويل الجامعات وتوجيهها.

كما أن الموضوعية لا تكمن في تجنب بعض المواضيع المشحونة سياسياً فقط، فهي تعني وضع مصالح المجتمع الأكبر قبل المصالح الشخصية أو مصالح الفرد أو أولئك الذين يعملون من أجلهم، وتنبع الموضوعية من التحليلات العامة المفتوحة للحسابات المتباينة، فعلماء الأنثروبولوجيا يعلمون أن الحسابات الأكثر موضوعية أكثر مصداقية، وأكثر علمية بعد أن يؤكد العديد من الأفراد بغض النظر عن تحيزاتهم الشخصية، الادعاءات المقدمة بشكل مستقل.

وعلماء الأنثروبولوجيا الذين يزعمون أنهم يتصرفون بطريقة نزيهة دون أي تلميح للدفاع الاجتماعي ليسوا بالضرورة موضوعيين، إذ تأتي الموضوعية من الآخرين الذين يؤكدون بيانات المرء، وإذا تعذر تأكيد البيانات من المهم أن يتم فهم كيف ولماذا يحد هذا من المطالبات التي يمكن للمرء أن يقدمها.

استراتيجية الشفافية لإعادة تشكيل الانضباط في الأنثروبولوجيا العامة:

استراتيجية الشفافية لإعادة تشكيل الانضباط في الأنثروبولوجيا العامة تتجاوز إبراز الاستنتاجات التي تجذب الانتباه إلى السماح للآخرين لفهم كيف تم التوصل إلى هذه الاستنتاجات، ففي إحدى المجلات الطبية الرائدة في العالم ذكرت إنه ربما 200 مليار دولار، وهو ما يمثل حوالي 85 في المائة من إجمالي الإنفاق البحثي العالمي، يُهدر على الأرجح على سوء التصميم وسوء التقارير في الدراسات البحثية.

على سبيل المثال تشمل أبحاث الطب الحيوي والصحة العامة العالمية مليارات الدولارات وملايين الأشخاص، وعلى الرغم من أن هذا المشروع الضخم قد أدى إلى تحسينات صحية كبيرة، إلا إنه من الممكن تحقيق العديد من المكاسب إذا كانت عدم الكفاءة في طرق اختيار وتصميم وإنجاز وتحليل البحوث الطبية الحيوية، يمكن تناولها وتنظيمها وإدارتها ونشرها والإبلاغ عنها، ففي عام 2009 قدر أن الأثر التراكمي المالي للاستثمار البحثي ضائع.

وتوضح هذه الدراسات أن هناك حاجة حقيقية للشفافية في البحث حتى يتمكن الآخرون من القيام بذلك بشكل صحيح من حيث المراجعة والتقييم، وإذا أمكن تأكيد الدراسات الهامة، لأن مائتي مليار دولار هي أموال طائلة لإنفاقها على بحث مشكوك فيه.

وقد قدم علماء الأنثروبولوجيا مثالين على أهمية زيادة الشفافية في الأنثروبولوجيا:

أولاً، هناك جدل ساخن حول ما إذا كان شعب اليانومامي الذين يعيشون في منطقة الأمازون بين البرازيل وفنزويلا كانت ذات يوم عنيفة بشكل خاص، وفي حروب متكررة قتلت العديد من المعارضين، وعلى الرغم من إنه تم كتابة الكثير من الدراسات حول هذا الموضوع، إلا أن هناك حاجة إلى بيانات موثوقة لتقييم مستوى شعب اليانومامي من العنف بدقة، فكل ما لديهم هو تقييمات سردية غامضة وإحصاءات موحية قد تكون صحيحة أو لا تكون صالحة.

ثانياً، هو الجدل حول الاختلافات في الذكاء بين الأجناس البشرية، حيث أشار الباحثون إلى أن البيض يبدو أنهم أكثر ناجح اقتصاديًا من السود لأن البيض كانوا أكثر ذكاءً منهم، بمعنى آخر يمكن القول إنه بدون القدرة على تحليل البيانات التي تدعم استنتاجات الباحث بعناية، وبالسماح للآخرين بتأكيد تأكيدات المؤلف، لا يمكن لدراسات العلوم الاجتماعية والطبية تقديم نتائج موثوقة يمكن للجمهور الاعتماد عليها، كما إنه من بدون استراتيجية الشفافية يكون الباحثون في الغالب يقدمون إيحاءات أو احتمالات غير مؤكدة وغير مثبتة.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: