الأساس الاقتصادي والبناء الفوقي للمجتمع عند ماركس في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الأساس الاقتصادي والبناء الفوقي للمجتمع عند ماركس في علم الاجتماع:

إن عملية الإنتاج الاجتماعي، هي حجر الأساس الذي يقوم عليه المجتمع الإنساني ومجموع علاقات الإنتاج يشكل البناء الاقتصادي للمجتمع أو ما يسمى بالأساس، الذي نعنيه بمجموع علاقات الإنتاج هو أشكال الملكية وما يترتب عليه من علاقات بين الناس في عملية وأشكال توزيع السلع المادية.

ولكل مجتمع أساسه، ويعتمد نوع هذا الأساس على حالة قوى الإنتاج ولا يمكن ظهور الأساس إلا عندما تتكون الظروف المادية اللازمة لظهور قوى الإنتاج الخاصة به في ثنايا المجتمع القديم.

وبمجرد ظهور هذا الأساس إلى الوجود فإنه يلعب دوراً خطيراً في حياة المجتمع، فهو يمكن الناس من تنظيم الإنتاج وتوزيع الثروة المادية، فبدون أن يدخل الناس مع بعضهم البعض في علاقات اقتصادية، فإنهم لا يستطيعون الإنتاج وبالتالي لا يمكنهم توزيع وسائل الحفاظ على الحياة.

وهذا الأساس الاقتصادي أساس لا بدّ منه لتفسير ما يسمى بالبناء الفوقي، أي تكوين السياسي والفلسفة والأخلاق والجمال والدين للجميع، وما يترتب على ذلك من علاقات ومؤسسات ومنظمات، وعلى هذا فإن الأساس هو الذي يحدد طبيعة المجتمع بطريقة مباشرة ويحدد أفكاره ومؤسساته.

على أن البناء الفوقي لا يلبث ما أن يتكون في القيام بدور عظيم من الازدهار والنمو الاجتماعي، فالبناء الفوقي الذي ينشأ على أصل اقتصادي معين، يعبر في نهاية الأمر عن موقف الناس من هذا الأساس، أن أفكار الناس البناء الفوقي تصبح بمثابة تبرير أو دفاع أو استنكار وهجوم على ها الأساس.

فالمؤسسات الحكومية في الدولة الرأسمالية أو الإقطاعية وأجهزة الإعلام والصحف الحزبية فيها تعمل على تدعيم وتبرير الأساس، كما أن الأفكار العمالية والثورية تعبر عن موقف الطبقات المقهورة من هذا الأساس.

والبناء الفوقي إذن انعكاس للأساس الاقتصادي، إلا أنه لا يلبث أن يتمتع بقدر من الاستقلال النسبي عن هذا الأساس، بل قد يصبح سنداً يدعم هذا الأساس، ويساعد على بقائه، كما أن ثمة جوانب من البناء الفوقي تتسم بقدرة على البقاء برغم تغير الأساس الذي تعتمد عليه، مثل ذلك بقاء الأفكار ذات الطابع الرأسمالي في المجتمعات الاشتراكية.

على أن البناء الفوقي ليس بأسره انعكاساً للأساس الاقتصادي فثمة سمات ثابتة تعكس حاجة إنسانية خاصة كاللغة، وبعض سمات الأسرة أو الحياة الجنسية، مما سبق نتبين أن حجر الزاوية في الفهم الماركسي للمجتمع، هو الأساس الاقتصادي وما يترتب عليه من علاقات إنتاج، فلا حياة للإنسان ولا للمجتمع دون العمل الاجتماعي المنتج الذي يقتضي تنظيماً له ولما يترتب عليه من عائد.

كذلك لا يمكننا فهم المجتمع فهما مطلقاً بمعزل عن الظروف الكلية له، وبمعزل عن حركته التاريخية التي يقضيها تطور قوى الإنتاج فيه، إن المجتمع وحدة كلية اجتماعية اقتصادية مترابطة في حركة مستمرة وتحول دائم يحتل فيه نشاط الإنسان في علاقته بالإنسان المقام الأول.

ولا يمكن بأي حال الفصل بين البناء الفوقي وبين الأصل، فالبناء الفوقي يعتمد على الأصل، فلو أخذنا المجتمع البدائي على سبيل المثال لوجدنا أن انعدام الملكية الخاصة والطبقات فيه، وبالتالي المتناقضات الطبقية كان هو السبب في أنه لم يكن في هذا المجتمع دولة أو مؤسسات سياسية أو تشريعية، ومع بيان الملكية الخاصة إلى الوجود وبيان الطبقات السادة والعبيد، ظهر تكوين فوقي من نوع مخالف، فكشفت أفكار تبرر سيطرة صاحب العبيد للعبيد، وظهرت مؤسسات مثل الدولة لتحمى هذا الحكم، ولما كان أساس المجتمع الطبقي مليء بالمتناقضات التي تنبع من التناقض الرئيسي بين المغبونين، فإنه من المنطقي أن يكون هذا البناء الفوقي نفسه مليء بالمتناقضات هو الآخر.

فهو يضم أفكاراً ومؤسسات الطبقات المختلفة، إلا أن أفكار ومؤسسات الطبقة التي لها نفوذ هي التي تسود، فالطبقة التي تمثل القوى المادية الحاكمة في المجتمع تصبح أيضاً هي الطبقة الفكرية الحاكمة، وفي ظل الرأسمالية يكون للبرجوازية السيطرة الاقتصادية، وعلى هذا فإنه تكون لأفكارها ومؤسساتها السيادة في المجتمع وتستخدم هذه الأفكار والمؤسسات أساساً بواسطة البرجوازية، لحماية حكمهم ومنع الطبقات الكادحة، إلا أن هذه الطبقة الكادحة تكون بدورها أفكارها ومؤسساتها التي تتصارع مع البرجوازية مثل النقابات العمالية والأحزاب السياسية.

والتغيرات التي تطرأ على الأساس، تؤثر على البناء العلوي بالضرورة، فخلال الانتقال من الرأسمالية قبل الاحتكارية إلى الإمبريالية مر الاقتصاد الرأسمالي بتغير هام وحل الاحتكار محل التنافس الحر، وتغير تبعاً لذلك البناء الفوقي فتحولت الطبقة البرجوازية من تبني شكل الحكم الديمقراطي البرجوازي إلى تبني الأشكال الرجعية والفاشية من الحكومة.

المصدر: أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.


شارك المقالة: