الحرف وعلاقتها في التطور الاقتصادي في عهد الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود

اقرأ في هذا المقال


لقد كان في الدولة السعودية العديد من الحرف التي ساعدت في التطور الاقتصادي في عهد الملك سعود بن عبد العزيز، حيث كان الاقتصاد في الدولة السعودية يرتكز على ثلاثة عناصر أساسية قبل ظهور البترول وهي الرعي والزراعة والتجارة، لكن اكتشاف البترول يعد عهداً جديداً من اقتصاد الدولة السعودية.

حيث بدأت تظهر حرف وتختفي أخرى، ويكون هناك أسباب وراء ذلك كله ومن هذه الحرف التي قلت أهميتها في المجتمع على الرغم من وجودها، ونشير هنا إلى بعض من هذه الحرف وعلاقتها في الاقتصاد بشكل خاص، فكلما تحسنت وتطورت المهن الموجودة في الدولة، أدى ذلك إلى زيادة انتاجها وبالتالي زيادة مواردها ودخلها المالي.

 حرفة الرعي:

لقد كان الرعي منذ القدم أكثر مهنة منتشرة في أرجاء الجزيرة العربية، خاصة لدى البدو، حيث أنّ حياتهم تقوم على التنقل بحثاً عن الماء والكلأ، والرعي هو وسيلة النمو الاقتصادي.

ولذلك فإنّ إحداث تغيرات جذرية من شأنها خلق مجالات أخرى للبدو، من ذلك ما حدث في الجزيرة العربية في أثناء عملية توطين البدو والانتقال بهم من حياة الصحراء إلى حياة ذات أنماط اجتماعية مختلفة. فترتب على ذلك نشأة جيل جديد أبعد من أن يلم بأمور البادية والمراعي.

بعد أن انتقلت إليه مقاليد الإدارة والمال، وأصبحت هذه الحرفة قاصرةً على بعض البدو على حافة المدين. لكن أهم ما ميز عملية توطين البدو سواء بالقرب من مراكز العمل والإنتاج الرئيسة لصناعة النفط، أو في الأحياء الجديدة التي شيدوها خارج المدن القديمة، كون المستقرين الجدد خليطًا من معظم قبائل البلاد، انصهرت في مجموعة واحدة، وكونت وحدات اجتماعية متناسقة ومترابطة.

مالت إلى الاستقرار الدائم في البيئة الجديدة راضية بالتغيير الطارئ ومستجيبة للتكيف الاجتماعي الذي وفر لهم مهنة جديدة أهمها الوظائف الحكومية خاصة في القطاع العسكري، وقطاع النقل والتجارة والزراعة، واستفادوا كذلك من الفرص التي كانت تقدمها الدولة لهم بتقديم القروض الميسرة وقطع الأراضي لبناء المساكن، فتناقص بذلك أعداد البدو الرحل، وأصبحوا يشكلون نسبة ضئيلة من سكان المملكة، وهذا بطبيعة الحال أثر بشكل مباشر في حرفة الرعي.

وهناك سبب آخر أثر في حرفة الرعي وهو عامل طبيعي وأقصد به تأخر نزول الأمطار، فيؤدي ذلك إلى تلف الكثير من المناطق التي كانت صالحة للرعي، وقلة البساط الأخضر فيها والذي هو أساس غذاء الحيوان، لأنه من المعروف عن البدوي أنه لا يقطع شجرة خضراء من أجل الفحم أو ما شابه وإنما يبحث عن الميت منها ليستفيد منه.

وكذلك فإن انجراف التربة، وزحف الرمال على بعض المناطق الرعوية، واستغلال المراعي بطريقة جائرة أثر ذلك بشكل مباشر في المراعي، لكن كان للتقدم التقني الأثر الأكبر في تدمير المراعي وذلك بشق الطرق من أجل تسهيل عملية المواصلات السيارات، والقطارات، فأثر ذلك في الغطاء النباتي، مما اضطرهم إلى تقطيع الأشجار أو حتى تدمير مناطق رعوية كاملة من اجل المشروعات العمرانية.

كل هذه العوامل وغيرها جعلت المواشي والقطعان تتعرض للنقصان، وفي الوقت نفسه جعلت البدوي ينتقل لمسافات طويلة للبحث عن الأماكن الجيدة، وهذا أصاب حيواناته بالهزال لقلة المراعي والنفوق، فأصيب البدوي هنا بالملل من حياة التنقل، بعد أن وقف بائسة أمام التطور ونمو حیواناته.

فاستجاب في النهاية لحياة الاستقرار بعد أن لعبت عوامل الإغراء والجذب الاقتصادية دوراً كبيراً في نجاح عملية التوطين والإقامة بصفة مستمرة حيث توافرت لهم الأجور الجيدة والخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية والمساكن. لكن الحكومة لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الأمر خاصة عندما أدرك المسؤولون أن الثروات المعدنية التي امتلكتها البلاد يجب ألا تبعدهم عن الثروات الطبيعية والموارد التي وهبهم الله إياها، حيث إنّ إنتاج المناجم وحقول البترول مهما طال أمره فهو أقصر من حياة البلاد على طول المدى.

لذلك لقد بذلت وزارة الزراعة والمياه في عهد الملك سعود جهودها في الحفاظ على تلك المراعي والثروة الحيوانية وطورتها حسب تقدم البلاد. من هذه الجهود على سبيل المثال هو حصر وتقويم الموارد الرعوية الطبيعية في مراعي المملكة، بحيث تشتمل تلك الإحصائية على المجمعات الرعوية، والأنواع النباتية المكونة لها، حالة المراعي، وأساليب صيانتها.

وأيضاً تنفيذ مشروعات استزراع الأودية أو الأرض البور أو أماكن الرعي القديمة القابلة للزراعة وتمويل العمل بها، وإنشاء عدد كبير من موارد المياه الدائمة في نطاقات المراعي ليمكن من توزيع الماشية على مساحات كبيرة فلا تجهد منطقة معينة. وأيضاً إنتاج أعلاف احتياطية وتخزينها لوقت الحاجة. والعمل على تنظيم عملية الرعي ومحاولة العمل على تحديد مواعيد دوراته لإعطاء فرصة للنبات في النمو، ونشر المدارس والمعاهد المهنية ومراكز التدريب للعمل على رعاية الحرف اليدوية، وصناعات البدو وتطورهم، وإدخال الوسائل الفنية الحديثة فيها  أدى إلى استغلال هذا المورد بكامل طاقاته.

والعمل على المحافظة على الغابات والأشجار والشجيرات، بتعيين الوزارة العدد من الحراس في مواقع الغابات والأشجار المهمة الذين يتولون مراقبتها.  وإنشاء المحميات الرعوي والبيئية، حيث أنشأت الوزارة العديد من هذه المحميات في منطقة الرياض وغيرها من مناطق المملكة،  وكان الهدف من ذلك هو تنمية الغطاء النباتي، وإعطاء فرصة للنباتات الرعوية الجيدة في طرح البذور وانتشارها، من أجل إجراء بعض الدراسات البيئية والرعوية.

وقد أفادت الدولة كثيراً من نظام المحميات وذلك بإعادة التوازن الطبيعي اللغطاء النباتي، إضافة إلى أنه نظام حماية للثروة الحيوانية والتي تعد أكبر مصادر الرزق بعد البترول، لذلك كان هدف الدولة هو حماية تلك المراعي المحمية بمنع الرعي في أجزاء منها، والعمل على تنظيمه في الأجزاء الأخرى. لذا أخذت الدولة تعمل جاهدة على استغلال موارد الثروة المعدنية في تنمية المواردها الأكثر استدامة كالرعي والزراعة، يضاف إلى ذلك إقامة البحوث والدراسات الهادفة من أجل تحقيق التطور الكامل للرعاة.

وكذلك التطوير من وسائلهم وأساليبهم، حتى لا ينعزلون ويتأخرون وحتى لا تضيع على البلاد في الوقت نفسه فرصة طيبة في استغلال هذا المصدر الكبير من مصادر الإنتاج خاصة في وقت تزداد الحاجة للمنتجات الحيوانية.

الثروة البحرية:

يوجد في مياه المملكة العربية السعودية ثروات بحرية، التي استغلت بالأساليب الحديثة وأضافت مورداً ثابتاً للدخل القومي منها: صيد السمكوالغوص، فقد لقيت هذه الحرفة دوراً مهما لكونها مورد رزق وغذاء جيداً لسكان السواحل، وكان اعتماد السكان على الأسماك للحومها الرخيصة، أكثر من اعتمادهم على لحوم الماشية والأغنام.

صيد السمك:

ومن حسن حظ السكان المقيمين على شواطئ الخليج العربي تميز بدفء مياهه وسهولة صيد أسماكه، وتنوعها وكثرتها وجودتها بسبب زيادة ملوحته. وكان السكان يقومون بتجفيف الفائض عن الحاجة والأنواع الرديئة منه ويجعلونها أعلافة جافة لأبقارهم ودواجنهم أو سماد عضوي يزيد من خصوبة مزارعهم. أما الجيد منه فإنه يسلق ويضاف إليه الملح في براميل كبيرة ثم يجفف ويصدر إلى الأحساء والرياض وغيرها من المدن.

ومن وسائل الصيد التي استخدمت مسابقة الحضر، والشباك والقراقير والحني، والسنارة وأصبحت هذه الحرفة أكثر تطورة وسهولة بعد التقدم الاقتصادي الذي طرأ على الدولة، حيث سارع بعض المستثمرين إلى استيراد القوارب الحديثة والمزودة بالأجهزة المتطورة للصيد. كما أنه في عام 1377/ 1957 ميلادي، كانت سفن أهالي الجبيل الشراعية لا تستطيع الإبحار لمسافات بعيدة، فاستوردوا مكائن الديزل من البحرين، وتم تركيبها على هذه السفن فأصبحت تجارية تسير إلى أماكن بعيدة في الخليج العربي.

كذلك أنشئت المعامل الخاصة بتنظيف الأسماك والربيان وتعبئتها وتجهيزها للأسواق ومراكز العرض، وذلك استجابة للحاجة المتزايدة في الأسواق المحلية من ناحية، ولشدة الطلب عليه في الأسواق العالمية من ناحية أخرى. وكما كان لعصر النفط آثار إيجابية في هذه المهنة فقد كان له أيضاً أثر سيئ من ناحية أخرى، فقد أغرت وظائف النفط وأعماله المريحة ذات الأجور المرتفعة، معظم الصيادين فجذبهم بعيداً عن شباكهم وقواربهم فحرمت المنطقة من الجيل الأول من الصيادين المهرة الذين التحق معظمهم بحرف أخرى وصناعات مختلفة غير الصيد والغوص.

 حرفة الغوص:

لقد كانت في المملكة منطقة وهي منطقة الخليج العربي تشتهر بأنها أفضل مكان لوجود اللآلئ الثمينة، ويعود ذلك لأسباب منها: ضحالة أعماقه، وتوافر الأحوال المناسبة التكوين محار اللؤلؤ وكانت أشهر منطقة بجودة لؤلؤها هي دارين، لكن بعد اكتشاف النفط أصبحت سفن النفط العملاقة تسد منطقة الخليج العربي وتكاثر في موانئه، وبدلاً من تهافت تجار اللؤلؤ الأجانب على المنطقة قاموا في الشراء اللؤلؤ ونقله إلى أوروبا، بدأ تجار المنطقة يتنافسون في الحصول على بضائع ووكالات مصانع الشركات الأجنبية لبيع إنتاجها على سكان المنطقة.

المصدر: التعليم في عهد الملك سعود بن عبد العزيز أل سعود تأليف حصة بنت جمعان الهلالي الزهراني الطبعة الأولىتاريخ الدولة السعودية في عهد سعود بن عبد العزيز تأليف امين سعيد الطبعة الأولىالمملكة من الداخل تاريخ السعودية الحديث نقلة إلى العربية خالد بن عبدالرحمن العوض الطبعة الرابعةتاريخ ملوك آل سعود للأمير سعود بن هذلول الطبعة الأولى 1380 هجري


شارك المقالة: