التغير الثقافي واللغوي في الأنثروبولوجيا

اقرأ في هذا المقال


الأجناس البشرية في الأنثروبولوجيا:

لا شك أن البشر قد ظهروا لأول مرة في مكان وزمان معلومين، ولكن ما إن اكتسب البشر الأوائل لغة وثقافة أولية، حتى انتشروا بسرعة في شتى أرجاء العالم القديم، بعد أن كيفوا أنفسهم تدريجياً مع أنواع مختلفة من البيئات، بفضل وسيلة الثقافة. وهكذا حدث بعد بدء عصرنا الجيولوجي الحاضر بفترة قصيرة، أن وجدنا جماعات صغيرة من البدائيين التي تتميز بثقافات متنوعة ولكنها بسيطة أشد البساطة منتشرة في مناطق متباينة من العالم ابتداء من الجزر البريطانية حتى شمال الصين وجزيرة جاوه.

ومنذ ذلك الوقت ولآلاف السنين بعد ذلك وجدت أنواع عديدة متباينة من البشر. وبالتدريج أخذت هذه الأنواع تتضاءل عدداً، بحيث لم يبق منها عند منتصف العصر الجيولوجي الراهن أو بعده بوقت قصير، سوى جنس واحد هو الإنسان العاقل. حيث نجد اليوم أن كل الأجناس البشرية تنتمي إلى هذا النوع على الرغم من أن هناك بعض الشواهد على أن بعض الأنواع السابقة (على الإنسان العاقل) قد ترآت آثارها في أشكال البشر المحدثين.

التغير الثقافي واللغوي في الأنثروبولوجيا:

المعلومات المسجلة عن التغير الثقافي واللغوي في الأنثروبولوجيا فأقل اكتمالاً من هذا بكثير. حيث إنه من الصعب أن نعيد تشكيل صورة المراحل الأولية من تطور الكائن البشري بشكل ثقافي ولغوي، ربما إلا بهيئة شديدة العمومية والشمول. ومع ذلك، فمن الممكن أن نثبت أن التنوع الثقافي قد ازداد على الجملة بمرور الزمن.

إذ تدل المقارنات المركزة بين اللغات والثقافات المعاصرة على وجود اختلافات بينها تبلغ حداً من الشمول والتعدد بحيث نؤكد أن أصولها لا بد وأنها ترجع إلى الماضي السحيق. ولكننا نؤكد مع ذلك أن هذا التنوع الثقافي واللغوي لا يمكن أن يعزى إلى فروق سيكولوجية موروثة فحسب.

فكل الأجناس البشرية تبدو متنوعة بنفس القدر من حيث أننا لا نستطيع أن نصف سلوكها دون تأثره بالبيئة الثقافية. فالصلات والامتزاج الذي استمر منذ آلاف السنين بين الأنواع البشرية المختلفة بالإضافة إلى الحقيقة التي مؤداها أن السلوك الثقافي أو المتعلم يعدل تعديلاً عميقاً حتى من “الدوافع” أو “الاحتياجات” كالأكل، أو النوم، أو التنفس ذات الأهمية الجوهرية لاستمرار الحياة، حيث أن هذه الأمور تجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن نثبت وجود أي فروق ذات دلالة بين البشر على أساس سمات موروثة غير فيزيقية.

نمو الثقافة غير ممكن من دون اللغة في الأنثروبولوجيا:

المعروف أن نمو الثقافة وعادة الحياة والعمل معاً لم تكن ممكنة بدون اللغة من وجهة نظر الأنثروبولوجيا، التي تعتبر أثمن ممتلكات الإنسان على وجه الإطلاق. فاللغة لا تمكن الإنسان فقط من الاتصال المباشر مع أقرانه، ومن تحقيق العمل التعاوني بسهولة أكبر فقط، ولكنها تتيح له علاوة على ذلك إمكانية تخزين خبراته ومعارفه، ونقلها إلى الأجيال المتتابعة. حيث أن البشر على خلاف الحيوانات ليسوا مضطرين إلى تعلم كل ما يعرفونه عن طريق الخبرة المباشرة أو ملاحظة وتقليد أفعال الآخرين، فهم يكتسبون معظم معارفهم من خلال وسيلة الكلمة المنطوقة والمكتوبة.

ولا تسمح اللغة للأفراد بأن يشاركوا معاصريهم فحسب بخبراتهم، وإنما كذلك يشاركوا خبرات الأجيال العديدة التي عاشت قبلهم. بل إننا نجد أنه حتى في المجتمعات التي لا تعرف نظاماً للكتابة تنتقل الاختراعات والاكتشافات المفيدة التي توصلت إليها الأجيال الماضية إلى الأجيال اللاحقة، علاوة على ما يطرأ عليها من تحسينات متتالية.

ونلاحظ أنه في استطاعة الإنسان تحرير نفسه إلى حد أنه بات قادراً على الحياة في أي مكان تقريباً على سطح الأرض، حيث أن هذه الحقيقة كان لها تأثير عميق على تركيبه الجسمي، وعلى سلوكه وثقافته.

وهكذا نجد أن البشر المعاصرين بالرغم من انتمائهم جميعاً إلى نوع واحد، إلا إنهم يختلفون فيما بينهم وعن بعضهم البعض في الشكل الفيزيقي إلى حد يفوق الاختلافات الموجودة بين معظم الأنواع الحيوانية الأخرى. وكذلك نجد أنه على الرغم من أن الثقافات واللغات البشرية تتشابه في خطوطها العريضة من مكان لآخر، إلا أننا نجد قدراً هائلاً من التنوع الثقافي واللغوي الذي يرجع إلى الفروق في البيئة الطبيعية، وفي طبيعة الاتصال مع الجماعات الأخرى وكميته المتنوعة، وإلى الحوادث التاريخية المعينة الخاصة ببعض الجماعات البشرية المعينة.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: