الحركات الثورية الواسعة في عهد عبدالله المأمون

اقرأ في هذا المقال


الحركات الثورية الواسعة في عهد المأمون:

لا ريب في أن الخلافات على السلطة يقلل من هيبة الحكم، ويدع المجال لكل طامع في أن يُظهر نفسه، ولكل من يُفكر بالإمرة أن يدعو لنفسه، وأكثر من هذا فيما إذا كان الخلاف بين جماعة الحكم أو أفراد الأسرة الحاكمة إن كان الحكم وراثياً. فلما وقع الخلاف بين الأخوين الأمين والمأمون شيع عدداً في الظهور وقيادة حركات تناوئ السلطة.

ولا ريب أن الحركات الواسعة التي ظهرت أيام المأمون بل التي تقوم في كل وقت تختلف في دعوتها، وشعارها، وأهدافها، وزعامتها. ولما كان المجتمع الإسلامي في الدولة الإسلامية ينقاد للإسلام وإلى دعوته وشعاره وهدفه لذا فإن الزعماء يتفقون في هذه الأمور ولكنهم يختلفون فيمن يدعون له، فمن يجد في نسبه مجالاً لالتفاف الناس حوله يدعو علنا لنفسه، ومن لم يجد يختفي وراء أسماء موهومة أو غير ظاهرة.

أهم النزعات الواسعة في عهده:

1- ثار الحسن الهِرْش يدعو إلى الرضا من آل محمد، وقد نزع الأموال، وهاجم على التجار، ونهب القرى، واستاق المواشي وذلك عام (198 هجري)، وعاث في الأرض فساداً تحت شعار هذه الدعوة، وسار إليه أزهر بن زهير بن المسيب فقتله في شهر المحرم من عام (199 هجري)، ولم تدم هذه الحركة أكثر من شهرين، ولكن كان لها أثر إذ كانت مجالاً للاختفاء تحت أسماء غامضة والانطلاق من ورائها، كما كانت مجالاً لادعاء نسب كاذب كي ينقاد له الناس وغالباً ما يكون نسباً لآل البيت.

2- في منطقة الكوفة ظهر على المأمون محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهو الملقب بابن طباطبا ظهر عليه لسوء أفعاله، ولتملك الفضل بن سهل وأخيه الحسن من دون بني هاشم، وكان قائده السري بن منصور والمعروف بأبي السرايا. وكان عامل الحسن بن سهل على الكوفة سليمان بن أبو جعفر المنصور، ويقوم مقامه خالد بن محجل الضبي. وقد أخرج ابن طباطبا عامل العباسيين على الكوفة وسيطر على المنطقة.

بعث الحسن بن سهل زهير بن المسيب (10000) جُندي فخسِروا ضد أبي السرايا الذي استطاع من استيلاءة على ما يملكه الجيش العباسي من أموالٍ وأسلاحةٍ وعتادٍ، وفي اليوم الثالي توفي ابن طباطبا فجأةً، ويقال إن أبا السرايا قد سمّه ليستبد بالأمر والله أعلم. وأقام أبو السرايا فتى صغيراً مكان ابن طباطبا هو محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وبقي هو يسيّر الأمور. وكان أبو السرايا من قبل من رجال هرثمة بن أعين.

سار عبدوس بن محمد بن أبيث خالد في أربعة آلالف مقاتل إلى السرايا فهُزم الجمع وقُتلوا كلهم. ودخل أبو السرايا البصرة وواسط، واتجه نحو المدائن فدخلها، ولكنه لم يلبث فيها إلا قليلآً حيث هزم فيها وأخرج منها. وهاج الطالبيون في الكوفة وانطلق محمد بن محمد بن زيد على رأس الجموع إلى دور بني العباس في الكوفة، فانتهبوها، وأحرقوها، وأخرجوا بني العباس من مدينتهم.

وسار أبو السرايا حسين بن الحسن الأفطس بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إلى مكة ليحكُمها ويؤدي بالناس الحج، فلما وصل إلى ضواحي مكة لم يجرؤ على دخولها فحجَّ الناس عامهم بلا إمام إذ خرج من مكة واليها العباسي داود بن عيسى، ولم يرغب في قتال في بيت الله الحرام، واتجه نحو العراق. وبعد الموسم دخل الحسين بن الحسن الأفطس بعد أن شجّعه بعض الطالبيين فاستولى على مكة واستقرّ فيها. ووجّه أبو السرايا أيضاً إلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فدخلها دون قتال.

وفي عام (200 هجري)، توجه هرثمة بن أعين إلى أبي السرايا فدارت الدائرة على هرثمة، ثم كانت له، وفرَّ أبو السرايا من الكوفة، وسار إلى واسط هزم أيضاً هرثمة هزيمة نكراء، وفرَّ مع من بقي معه يريد بلدة رأس العين، وفي الطريق قبض عليهم فأخذوا إلى الحسن بن سهل فقُتلوا.

أما البصرة فبقيت بيد زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي عُرف باسم زيد النار لكثرة ما أحرق من دور العباسيين في البصرة ولكنه هًزّم أيضاً وأخذ أسيراً فسُجن في بغداد. وأما الحسين بن الحسن الأفطس فقد كرهه أهل مكة لما أساء ولما أقام من ظلم، وحين رأى الطالبيون انصراف الناس عنهم ولّوا عليهم محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب على كُرهٍ منه.

إذ كان مخالفاً لتصرّف أهل بيته، محبوباً عند الناس، وهو من أهل العلم والفضل، أخذ العلم عن أبيه جعفر الصادق ‏ رحمه الله، وأطلقوا عليه اسم أمير المؤمنين، ولم يكن له من الأمر شيء، وإنما المتصرف بشؤون البلد هو ابنه علي والحسين بن الحسن الأفطس، والظلم قائم.

وأتى إسحاق بن موسى من اليمن مُغادراً منها. وسار إلى مكة فقاتل الطالبيين أياماً ثم كره الحرب، فتركهم وسار نحو العراق فجاءته نجدة فرجع إلى مكة فهزم الطالبيين ودخل مكة وتفرّق الطالبيون في البلاد. ولكن عاد محمد بن جعفر، وأعلن خلع نفسه، وجدد بيعته للمأمون، واعتذر مما كان قد حدث منه.

3- خرج في اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد سار إليها من مكة عندما بلغه خروج أبي السرايا في الكوفة، ولما وصل إليها غادرها واليها إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس،
وفعل كما فعل عمه داود بن عيسى في مكة.

ولما سيطر على اليمن أرسل أحد أحفاد عقيل بن أبي طالب ليقيم للناس الحج، ولكنه لم يجرؤ على دخول مكة لوجود أبا إسحاق محمد بن الرشيد فيها، ولذا فقد اعترض الحجاج وسلبهم، فأرسل إليه أبو إسحاق من قتله وأخذ منه ما سلب فأعاده إلى الحجاج، وعاد بقية جمعه إلى اليمن.

4- وذهب أخو أبو السرايا عام (202 هجري)، إلى الكوفة فبيّض، ولكنه مات بأول لقاء، وبعث رأسه إلى إبراهيم بن المهدي في بغداد.

5- تحرك إلى بغداد المُطّوعة بزعامة خالد الدريوش، وسهل بن سلامة الأنصاري ضد الفساق والشطّار الذين كثر بلاؤهم، وانتشر فسقهم، وعمّ اعتداؤهم.

6- ساروا الخوارج بقيادة مهدي بن علوان فسار إليهم أبو إسحاق محمد بن الرشيد فهزمهم.

7- ذهب عام (207 هجري)، عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب إلى بلاد (عك) باليمن يدعو إلى الرضا من آل محمد، وكان خروجه بسبب سوء تصرف العمال فى تلك الجهات، فأرسل له المأمون دينار بن عبد الله، وكتب معه كتاب أمان لعبد الرحمن، فحضر دينار الموسم، واتجه إلى اليمن، فلما وصل إلى تلك الجهات أعطى كتاب الأمان لعبد الرحمن، فقبل ذلك منه، وأقبل إليه، وسار معه إلى بغداد.

8- وفرَّ الحسن بن الحسين بن مصعب من خراسان إلى بلاد كرمان، وتحصن بها، فذهب إليه أحمد بن أبى خالد، فأمسك به، وأرسله إلى المأمون، فعفا عنه، وذلك عام (208 هجري).

9- وثار نصر بن شبث العقيلي، وكان أسلافه من زعماء بني أمية، وانتقد على العباسيين، لانصرافهم عن تقديم العرب، حسبما ارتأى، فلما مات هارون الرشيد وحدث الخلاف بين الأمين والمأمون زادت نقمته، فعندما بويع المأمون رفض بيعته، ثار في (كيسوم) شمالي حلب حيث كان يقيم وتغلب على ما جاورها من البلدان، وملك (سُمَيْساط)، وانتقل إلى الجانب الشرقي من الفرات، واجتمع عليه كثير من الأعراب، وقوي أمره.

وحاصر حران عام (199 هجري)، وحاول أن يتقرّب إليه الطالبيون، فلم يقرّهم على رأيهم، كما رفض البيعة لبعض أفراد بني أمية. وكان عبد الله بن طاهر في الرقة مكلفاً بحربه حتى عام (204 هجري)، ثم أصبح عبد الله والياً على الجزيرة عام (205 هجري)، ومكلّفاً بالمهمة نفسها، وطالت حرب نصر، حتى ضيّق عليه عبد الله وحصره عام (209 هجري).

وأعطاه المأمون أماناً فوافق ضمن شروط، منها ألا يطأ بساط المأمون، فرفض الخليفة شرطه، واشتد عبد الله بن طاهر في حجربة، وطال حصاره في كيسوم، وانتهى أمره بالاستسلام عام (210 هجري)، فسيّره عبد الله إلى المأمون، وهو ببغداد، فدخلها في صفر عام (210 هجري).

10- سار إلى مصر عبيد الله بن السريّ فلما انتهى عبد الله بن طاهر من مُحاربة نصر بن شبث وجهه المأمون إلى مصر، وتمكن من هزيمة ابن السريّ وحصاره في الفسطاط، وإرغامه على الاستسلام والموافقة على طلب الأمان.

وذهب عبد الله بعد ذلك إلى الإسكندرية وقد غلب عليها بعض الأندلسيين الذين انتقلوا من الأندلس بعد موقعة الربض، فآذنهم بالحرب إن لم يُعلنوا الطاعة، ثم اتفق معهم على أن يخرجوا إلى إحدى بلاد الروم وليس إلى البلاد الإسلامية، وأن يُقيموا فيها وفعلاً فقد خرجوا إلى جزيرة كريت (إقريطش)، واستقروا فيها يعد أن غلبوا عليها، وذلك عام (211 هجري).‏

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر صفحة (185 – 189)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: