الحركات المجوسية العنصرية

اقرأ في هذا المقال


الحركات المجوسية العنصرية:

حاول التنظيم العباسي في خراسان أن يكسب أتباعاً من سكان الأقاليم الشرقية قبل الثورة، مستغلين الوضع المتردي الذي كان يعيشه هؤلاء، فأحيوا فيهم أمالاً كبيرة إن هم أيدوا الثورة، وبذلك ظهرت من جديد في تلك الأقاليم بعض تعاليم الديانات المجوسية (الزرادشتية والمانوية والمزدكية)، متلبسة بشوب إسلامي أحياناً.

أو بعبارة أخرى إن تلك التعاليم متطورة عن تلك الديانات بعد تأثرها ببعض تعاليم الدين الإسلامي وبعد نجاح الثورة وتأسيس الدولة وإعلان تمسك العباسيين بالدين الإسلامي، وعملهم بالكتاب والسنة، واعتمادهم على العناصر العربية، قامت تلك العناصر الفارسية بحركات ضد الحكم العباسي محاولة منها لإعادة مجدهم الغابر، وإنهاء الحكم العربي في تلك الأقاليم على أنه يجب أن نشير إلى أن الخطر الحقيقي الذي هدد العباسيين في أيامهم الأولى كان متأتياً من جهة المشرق.

الحركات الزرادشتية:

حركة بهافريد (129 – 131 هجري):

تعد حركة بهافريد أقدم الحركات الدينية السياسية التي ظهرت في خراسان في أواخر عصر الأمويين، وأثناء استفحال الدعوة العباسية هناك، واستمرت بعد تأسيس الدولة العباسية، وصاحب هذه الحركة رجل يقال له بهافريد بن فردردينان، من قرية روى من أبرشهر وكان مجوسياً زردشتياً يصلي الصلوات الخمس بلا سجود، متياسراً عن القبلة وتكهن.

‎وتشير رواية تاريخية أنه قبل أن يعلن عن نفسه ذهب إلى الصين، وبعد عودته منها جلب معه قميصاً أخضر ناعماً دقيق الصنع، وعند وصوله إلى بلده في خراسان صعد ليلاً إلى قبة أحد المعابد دون أن يراه أحد، فرآه في الفجر أحد الفلاحين ثم تجمع الناس حوله فزعم أنه قدم من السماء حيث شاهد الجنة والنار، وأن الله قد منحه هذا القميص الغريب الذي كان في الجنة. تحرك بهافريد في نيسابور قبل إعلان الثورة العباسية في رمضان (129 هجري)، ولم تقف قيادة الدعوة العباسية ضده بل على العكس استفادت منه أول الأمر باعتباره عاملاً جديداً يزيد من إضعاف الأمويين في خراسان.

من أهم تعاليم بهافريد:

لقد ادعى بهافريد النبوة كما أظهر كتاباً باللغة الفارسية زعم أنه أوحي به إليه، ودعا إلى نوع معدل من الزرادشتية المجوسية، وبشر بأنه خليفة زراداشت الذي اعترف به أنه نبي، إلا أنه رفض بعض تعاليم الزرادشتية وأدخل بعض التعديلات الأساسية في ديانة زردشت مما ينسجم مع مبادئ الإسلام وتعاليمه، ومن تعاليمه الجديدة ما يذكر من أنه أمر أصحابه بترك الزمزمة عند الطعام، وبترك شرب الخمور وأكل الميتة ونطاح الأمهات والبنات والأخوات وبنات الأخ، وهذه الأمور ليست محرمة في التعاليم الزردشتية، وقد أخذ تحريمها من تعاليم الإسلام، ولكنه أمر أتباعه بالسجود إلى عين الشمس على ركبة واحدة.

وفرض بهافريد على أصحابه سبع صلوات منها: صلاة في توحيد الله بينما الزراديشتية دين ثنوي، وثانيها في خلق السماوات والأرض، وثالثها في خلق الحيوان وأسباب عيشه، ورابعها للموت، وخامسها للبعث والحساب، وسادسها لموطن الجنة والنار، وسابعها لتمجيد أهل الجنة. ومن تعاليمه الأخرى أنه حدد مهر المرأة بأربعمائة درهم، آخذاً بنتفر الاعتبار الأوضاع المالية في خراسان، ومستغلاً ذلك لزيادة شعبية حركته، وأمر أتباعه بالامتناع عن ذبح الحيوان حتى يبلغوا سناً معيناً، وأمرهم أن يعطي كل منهم سُبع ما لديه من مال لتصرف على الأعمال العامة مثل تعمير الطرق وإصلاح القناطر لخير الجماعة.

كما أن بهافريد قال بحلول الروح، وكان من الداعين إلى (مذهب الرجعة)، وربما كان أهم مبادئه ومغزاه أن الإنسان لا يموت وإنما يختفي في مكان ماء وأنه إذا مات سيعود إلى هذه الدنيا قبل يوم الدين، وربما كان بهافريد قد أخذ مبدأ الرجعة من بعض الفرق الإسلامية المتطرفة (الغلاة).

إخماد حركة بهافريد:

لابد أن نشير إلى غموض المصادر حول نهاية حركة بهافريد، ولكن الأرجح أنه قضي عليها في خلافة أبي العباس، على حد قول بعض المؤرخين المحدثين. فقد قاوم المجوس حركة بهافريد، وعدوه منشقاً، واجتمع الموابذة والهرابذة (رجال الدين المجوس) إلى أبي مسلم في نيسابور وشكوا إليه أنه بها فريد قد أفسد دين الإسلام ودينهم، فأرسل أبو مسلم شبيب بن داح وعبد الله ابن سعيد فعرضا عليه الإسلام، وأسلم وسود، ثم لم يقبل إسلامه لتكهنه فقُتِل.

ولكن تعاليم بهافريد انتشرت في خراسان خاصة بعد مصرع أبي مسلم الخراساني، حيث يشير ابن النديم نقلاً عن الصوالي إلى استمرار مذهب بهافريد إلى القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، ولعل ثبات البهافريدية على معتقداتهم يعود بعضه إلى اعتقادهم بحتمية رجوع بهافريد، حيث يشير الشهرستاني بأن أتباعه زعموا أنه صعد إلى السماء على حصان، وأنه سوف يعود إلى الأرض لينتقم من أعدائه.

ويمكن القول أن الدوافع وراء حركة بهافريد كان سياسياً أكثر منه دينيك لأنه طمع بسياسته التوفيقية بين المجوسية الزرادشتية والإسلام في أن يضم إلى حركته المجوس إضافة إلى الموالي الفرس الذين لم يكن قد مضى على إسلامهم وقت طويل وصولاً إلى تحطيم السيادة العربية والدولة العربية الإسلامية.

حركة إسحاق الترك (137 – 140 هجري):

بالرغم من قلة المعلومات عن الحركة، إلا أن ابن النديم أشار إلى ملامح من تعاليمه وحركته، فقد كان أمياً وأحد أعضاء التنظيم السري العباسي في بادئ الأمر، إلا أنه بعد تصفية أبي مسلم هرب إلى بلاد ما وراء النهر وأعلن حركته، وقد اعتبر أبا مسلم مُنقذاً مُنتظرأ، وأشار ابن النديم في رواية أخرى إلى أنه ادعى النبوة وأرسله زرادشت، وزعم لأتباعه أن زرادشت حي لم يمت، وسيخرج لإقامة دينه، لكن من المستغرب أنه استطاع أن يجمع حوله (المبيضة). وهم خرمية ما وراء النهر، وهذا يدل على أن الحركات الفارسية كانت تستغل أية فرصة للنيل من الحكم العربي، هذا وقد استطاع والي خراسان خالد بن إبراهيم الشيباني من إخماد حركة إسحاق الترك، وتم القبض عليه وقتله، وتفرق أتباعه.

حركة استاذيس (150 هجري):‏

أشار الشهرستاني إلى أن السيسانية (نسبة إلى استاذيس) والبهافيردية صنف واحد متفرعان عن الزرادشتية، ويظهر أن تعاليم استاذيس كانت استمراراً لتعاليم بهافيرد، ويشير اليعقوبي إلى أنه ادعى النبوة وتصفه رواية أخرى بأنه رجل من الكفرة.

أعلن استاذيس حركته في خراسان عام (150 هجري)،‏ وانضم إليه أتباع كثيرون، من أهل هراة وباذغيس وسجستان وغيرها، واستطاع أن يستولي على مدن كثيرة مستغلاً عدم وجود قوات حكومية كبيرة من جهة ولاضطراب خراسان إبان تلك الفترة من الجهة الأخرى، واستطاع بعد ذلك من أن يهزم القوات العباسية في مرو الروذ ويقتل القائد العباسي، وقتل أيضاً بعض القواد العرب أرسلهم الخليفة المنصور.

أرسل الخليفة المنصور وعلى وجه السرعة القائد خازم بن خزيمة التميمي ومعه (12)‏ ألف مقاتل، وبعد أن أعاد تنظيم القوات المنهزمة واختيار ستة آلاف مقاتل منهم حيث ضمهم إلى قواته، وبعد استعدادات كبيرة للقوات العباسية أصبحت في وضع الهجوم بدل الدفاع استطاعت بالتالي من إلحاق الهزيمة بقوات استاذيس الذي هرب ومعه قسم من قواته، واعتصم بأحد الجبال الحصينة، لوصول إمدادات عسكرية جديدة قام القائد العربي خازم التميمي بضرب الحصار على استاذيس وفي النهاية استسلم ثم قتل في بغداد بأمر من الخليفة المنصور.

المصدر: ❞ كتاب موسوعة التاريخ الإسلامي العصر العباسي ت: خالد عزام ❝ د. خالد عزام صفحة (66 – 70).❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفه سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث. ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفه د.محمد سهيل طقوش. ❞كتاب محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية الدولة العباسية ❝ مؤلفه محمد الخضري بك.


شارك المقالة: