الذكاء الاصطناعي في السيميائية

اقرأ في هذا المقال


يرى علماء الاجتماع أن المفهوم الأكثر فائدة لمنح الذكاء الاصطناعي القوي أو الذكاء العام الاصطناعي كما تم إدراكه هو لرسم افتراضات عملية حول المستقبل الفكري للبشرية، وعلى عكس المفاهيم الشائعة المبسطة بشكل خطير تخبر الطريقة السيميائية أن الذكاء الاصطناعي العام الشبيه بالإنسان لن يكون قادرًا أبدًا على استيعاب المعنى بنفس الطريقة التي يعمل بها البشر، ونتيجة لذلك لن يكون لديهم القدرة على إظهار ما يكفي من الفاعلية المستقلة التي تضمن الحالة الأخلاقية أو الشخصية.

الذكاء الاصطناعي في السيميائية

لقد أدت فلسفة الذكاء الاصطناعي المعاصرة والعلوم الشعبية إلى طرد التنبؤات الحتمية حول طبيعة التطور التكنولوجي للحوسبة، مثل انفجار الذكاء والتفرد والذكاء الخارق، وتفترض هذا السرد التأملي إنه بمجرد وصول الآلات إلى مستوى الذكاء البشري نتيجة للتطور العلمي البشري فإنها ستكتسب القدرة على تحقيق الذات، وبالتالي التعبير عن رغباتها واحتياجاتها ونواياها، والهدف في هذه الدراسة هو تحدي هذه الفكرة وإثبات أن مثل هذا التبصر الجذري قد يكون مخطئًا بشكل قاتل مع سبب عدم قبول مثل هذا الحدث الافتراضي أو حتى إنه مفيد عن بُعد.

والدافع وراء أبحاث الذكاء الاصطناعي العام لا يكمن في إنه هناك حاجة إلى أنتاج نوعًا جديدًا لتوفير شركة للإنسانية أو حتى استبدال البشرية، ولكن لأتمتة حل المشكلات البشرية المعقدة بطريقة تكافلية بين الإنسان والآلة، ومع ذلك في حين أن مجال الدراسة هذا لا يزال تخمينيًا إلى حد كبير فقد تم إجراء بحث نشط منذ ظهور الاهتمام بالذكاء الاصطناعي في الخمسينيات، وسواء تم تحقيق تقنية الذكاء الاصطناعي العام أم لا فإن العلماء يعرضون أسئلة علمية عميقة حول السمات الفريدة للعقل البشري ومستقبله.

وتكمن جذور استفسارية في فضول آلات الذكاء الاصطناعي العام التي تعتمد فقط على قدرتها الوشيكة على التواصل بلغة طبيعية نظرًا لأنه من المتفق عليه عمومًا أن يكون معيارًا مهمًا للذكاء على مستوى الإنسان، ويظن علماء الاجتماع أن تطبيق الفرضية المعرفية الرمزية في علم السيميائية يكشف عن عواقب مهمة لمثل هذا الهدف طويل المدى لميكنة الذكاء العام في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وما يحفز الاستفسار هو الخلاف الفكري مع الانطباع بأن المصنوعات اليدوية على مستوى الإنسان والعقول الاصطناعية ستظهر قريبًا واعية للذات وتطور عقلًا خاصًا بها.

وبرئيهم هو أن تقنية الذكاء الاصطناعي العام من وجهة نظر الظواهر ستكون في الأساس أداة، لكنها أداة قوية لزيادة القدرة الإدراكية البشرية التي قد تسرع بشكل كبير التقدم الفكري البشري.

وقد كان الكمبيوتر وسيظل دائمًا واجهة للعالم الرمزي في السيميائية الممثل بداخله والذي يعد بحد ذاته قطعة أثرية للإدراك الرمزي للإنسان، لذلك ستبقى آلة الذكاء الاصطناعي في الأساس نظام رموز صنعه الإنسان، في حين أن هناك آراء مقنعة لعدم معقولية تصنيع الذكاء بناءً على حجة المحاكاة، أي فقط لأن الكمبيوتر يحاكي الفكر البشري، ولا يعني إنه الشيء الحقيقي، فالإنسان يفتقد النقطة الكاملة هنا في الإدراك المتأخر وماذا ستكون وظائف المنفعة للآلة التي تحاكي الفكر البشري؟ ولذلك فإن الذكاء الاصطناعي العام سيكون امتدادًا للسلسلة المتصلة للإدراك الرمزي للإنسان.

وتتمثل عواقب دراسة فلسفة الذكاء الاصطناعي العام في أنها تعيد تعريف طريقة تفكير الإنسان في طبيعة مثل هذه التكنولوجيا التخمينية التي تهدف إلى محاكاة كل السلوك الذكي للإنسان، وتسلط فرضية الإدراك الرمزي في السيميائية الضوء وتحث على الاستفادة القصوى من حقيقة أن الذكاء الاصطناعي هو تعبير عن نوع التفريغ المعرفي الذي يمارسه البشر منذ 50 ألف سنة أو نحو ذلك.

ويعد الحساب باعتباره أحد الأدوات اليدوية للإدراك الرمزي البشري نفسه أي أتمتة السميوزيس، وعلى هذا النحو فإن الاستفسار لا يهتم بشكل خاص بالجدوى التكنولوجية لمثل هذه الآلة ولكنه يهدف بدلاً من ذلك إلى دراسة الآثار المترتبة على أحدها عن طريق البصيرة المستعارة من مجالات السيميائية البيرسية نسبةً للعالم تشارلز بيرس والعلوم المعرفية وفلسفة العقل.

هدف الذكاء الاصطناعي على مستوى السيميائية

لم يكن التقدم التكنولوجي في الحوسبة حتميًا في الماضي ولا يثير أي سبب لافتراض إنه سيكون لصالح الذكاء الاصطناعي العام، وقد يكون من الكارثي استنتاج بدقة طبيعة تصميمات الذكاء الاصطناعي العام التي سيتم التفاعل معها في المستقبل، ومع ذلك بناءً على ما يعمل عليه باحثو الذكاء الاصطناعي بنشاط ربما يمكن تحديد طريقة لما سيأتي من أجل الفحص السيميائي، والهدف العلمي لميكنة الذكاء على مستوى السيميائية يعني على الأقل إمكانية أتمتة كاملة للوظائف المهمة اقتصاديًا حتى لو لم يتم تنشيط الإمكانات لسبب أو لآخر.

وبينما تشارك أبحاث الذكاء الاصطناعي الضيقة في مسارات أو روايات مختلفة ومتعددة يبدو أن الهدف السائد لجميع أبحاث الذكاء الاصطناعي العام أو الذكاء الاصطناعي القوي في السيميائية متشابه، ولقد تم تنفيذ تقنيات الحوسبة التي استخدمة حتى الآن بشكل صريح أو ضمني بهدف زيادة الذكاء البشري، كما تهدف أبحاث الذكاء الاصطناعي العام إلى توسيع هذه الحاجة المعرفية لأتمتة التفكير العقلاني لاتخاذ أفضل القرارات بموارد حسابية محدودة.

إن أبحاث الذكاء الاصطناعي العام في السيميائية هي في جوهرها مجال متعدد التخصصات يجمع الرؤى في نفس مشكلة تعريف الذكاء العام من علوم الكمبيوتر والعلوم المعرفية وعلم الأعصاب وعلم النفس واللغويات، ويبدو أن الاستخدام القياسي لمصطلح الذكاء بين المجتمعات البشرية الحديثة ينسب إلى القدرة على حل المشكلات، وهذا مهم لأن الطريقة الوحيدة التي يمكن للمجتمع الاجتماعي أن يقبل بها بالإجماع أن الآلة في أي وقت تُظهر سلوكًا ذكيًا شبيهًا بالبشر، وإن كان خارجيًا هو أن يتفق الجميع على أنها كذلك بالفعل.

ويقدم علماء الاجتماع والسيميائية تعريفًا مرنًا حيث تحتوي عقول البشر على عمليات تمكنهم من حل المشكلات التي يعتبروها صعبة، والذكاء هو اسمهم لأي من تلك العمليات التي لم يفهموها بعد، ومع ذلك ربما يكون من الأكثر أهمية تحديد ما يعرفه باحثو الذكاء الاصطناعي العام عن نفس المصطلح في سياق التطور العلمي، على سبيل المثال تدعي فرضية نظام الرموز المادية أن نظام الرموز الذي لديه القدرة على تخزين الرموز ومعالجتها ضروري للذكاء، ووجهة نظر أخرى شائعة هي أن القدرة على المعالجة والتواصل بلغة طبيعية هي شهادة على السلوك الذكي.

ويطرح دو سوسور نهجًا وظيفيًا حيث يقول بشكل أساسي إنه يجب تحويل المناقشة من تحديد ما يُعد ذكاءً إلى ما يُعد سلوكًا ذكيًا ثم يتم القيام باختيار خيارات الذكاء من أجل فهم أكثر إنتاجية، ويرسم أيضًا تمييزًا حاسمًا في الذكاء البشري والميكانيكية والبراعة، وهو ما يعتقد إنه جدير بالملاحظة، فالميكانيكية هي ما تتطلبه الأنشطة الواقعية الرمزية المعرفية مثل الجبر، والبراعة هي الإجراءات الصارمة لاتباع القواعد والنحو حيث تتطلب الأخيرة استيعابًا ذا مغزى.

يكشف مسح سريع بأثر رجعي لتاريخ مشاريع وتصميمات الذكاء الاصطناعي العام في السيميائية أن الكثير من أبحاث الذكاء الاصطناعي العام قد تم توجيهها إلى معالجة اللغة الطبيعية، وهذا منطقي لأنه لميكنة الذكاء على مستوى الإنسان فإن أتمتة نظام صنع المعنى الأساسي للأنواع تبدو بداية جيدة.

وتشمل أبرز النجاحات التي تم بناؤها في الستينيات لنمذجة تفاعل مشابه للإنسان، وتم قبول اختبار دي تورينج بشكل عام كتقريب وثيق لتأكيد الذكاء العام للقطعة الرمزية، وربما يكون الاختبار الأكثر دقة، مثل الحصول على استجابة ثاقبة من آلة ذكية عند إعطاء قطعة من العمل الفني أو أغنية أو فيلم ويثبت فهمها للوظيفة العلائقية للمترجم الفوري.

المصدر: السيميولوجيا والسرد الأدبي، صالح مفقود، 2000ما هي السيميولوجيا، ترجمة محمد نظيف، 1994الاتجاه السيميولوجي، عصام خلف كاملسيمياء العنوان، بسام قطوس، 2001


شارك المقالة: