السلوك الإجرامي بين النظرية الديناميكية والسلوكية

اقرأ في هذا المقال


تقول النظريات النفسية للجريمة أنّ السلوك الإجرامي هو نتيجة الفروق الفردية في عمليات التفكير، وهناك العديد من النظريات النفسية المختلفة لكنهم جميعًا يعتقدون أنّ أفكار الشخص ومشاعره هي التي تملي تصرفاته، وعلى هذا النحو يمكن أن تؤدي مشاكل التفكير إلى سلوك إجرامي.

السلوك الإجرامي والنظرية الديناميكية النفسية

يقترح أنصار النظرية الديناميكية النفسية أنّ شخصية الفرد يتم التحكم فيها من خلال عمليات عقلية غير واعية ترتكز على مرحلة الطفولة المبكرة، ونشأت هذه النظرية على يد سيغموند فرويد 1856-1939 مؤسس التحليل النفسي، وتلزم هذه النظرية العناصر أو الهياكل الثلاثة التي تشكل شخصية الإنسان: الهوية والأنا والأنا العليا، ويمكن للمرء أن يفكر في المعرف باعتباره الجزء البدائي من التركيب العقلي للشخص الموجود عند الولادة.

يعتقد فرويد 1933 أنّ المعرف يمثل النظريات النفسية غير الواعية للدوافع البيولوجية الإجرامية للطعام والجنس والضروريات الأخرى على مدى الحياة، والأهم من ذلك هو فكرة أنّ الهوية معنية بالمتعة أو الإشباع الفوري مع تجاهل الاهتمام بالآخرين، ويُعرف هذا بمبدأ المتعة، وغالبًا ما يكون له أهمية قصوى عند مناقشة السلوك الإجرامي، وفي كثير من الأحيان يرى المرء قصصًا إخبارية ودراسات حول المجرمين الذين لا يهتمون بأي شخص سوى أنفسهم، وهل من الممكن أن يكون هؤلاء الجناة من الذكور والإناث مدفوعين بالإشباع الفوري؟

العنصر الثاني في شخصية الإنسان هو الأنا التي يُعتقد أنّها تتطور في وقت مبكر من حياة الإنسان، وعلى سبيل المثال عندما يتعلم الأطفال أنّ رغباتهم لا يمكن إشباعها على الفور فإنّهم غالبًا ما يصابون بنوبة غضب، كما اقترح فرويد 1933 أنّ الأنا تعوض عن مطالب الهوية من خلال توجيه تصرفات الفرد أو سلوكياته لإبقائه داخل حدود المجتمع وتسترشد الأنا بمبدأ الواقع.

العنصر الثالث للشخصية هو الأنا العليا، حيث يتطور كشخص يدمج المعايير الأخلاقية وقيم المجتمع، والآباء والأمهات وغيرهم من الأشخاص المهمين مثل الأصدقاء ورجال الدين، وتركيز الأنا العليا هو الأخلاق، وتعمل الأنا العليا على إصدار الأحكام على سلوك وأفعال الأفراد، وتتوسط الأنا بين رغبة الهوية في الإشباع الفوري والأخلاق الصارمة للأنا العليا، ويمكن للمرء أن يفترض أنّ الشباب وكذلك البالغين يفهمون الصواب من الخطأ، ومع ذلك عندما تُرتكب جريمة فإنّ المدافعين عن النظرية الديناميكية النفسية قد يقترحون أنّ الفرد ارتكب جريمة لأنّه أو لديها الأنا العليا المتخلفة.

باختصار تقترح النظرية الديناميكية النفسية أنّ المجرمين محبطون ومتفاقمون، كما إنّهم ينجذبون باستمرار إلى الأحداث الماضية التي حدثت في طفولتهم المبكرة، وبسبب طفولة مهملة أو غير سعيدة أو بائسة والتي غالبًا ما تتميز بنقص الحب والتنشئة فإنّ الجاني المجرم لديه الأنا الضعيفة (أو الغائبة)، والأهم من ذلك تشير الأبحاث إلى أنّ امتلاك الأنا الضعيفة يرتبط بالفقراء أو بغياب الآداب الاجتماعية وعدم النضج والاعتماد على الآخرين، وتشير الأبحاث أيضًا إلى أنّ الأفراد ذوي الذات الضعيفة قد يكونون أكثر عرضة للانخراط في تعاطي المخدرات.

السلوك الإجرامي والنظرية السلوكية

من النظريات النفسية الرئيسية في علم الجريمة هي النظرية السلوكية، حيث تؤكد هذه النظرية أنّ السلوك البشري يتم تطويره من خلال تجارب التعلم، والسمة المميزة للنظرية السلوكية هي فكرة أنّ الناس يغيرون سلوكهم وفقًا لردود الفعل التي يثيرها هذا السلوك لدى الآخرين، وفي الوضع المثالي يتم دعم السلوك بالمكافآت ويتم إخماده بردود فعل سلبية أو عقوبات، وينظر علماء السلوك إلى الجرائم على أنّها استجابات مكتسبة لمواقف الحياة.

نظرية التعلم الاجتماعي وعلم الجريمة

تعتبر نظرية التعلم الاجتماعي وهي فرع من فروع نظرية السلوك، وهي الأكثر صلة بعلم الإجرام، وأبرز منظري التعلم الاجتماعي هو ألبرت باندورا 1978، ويؤكد باندورا أنّ الأفراد لا يولدون ولديهم قدرة فطرية على التصرف بعنف، واقترح أنّه في المقابل يتم تعلم العنف والعدوان من خلال عملية نمذجة السلوك، بمعنى آخر يتعلم الأطفال العنف من خلال ملاحظة الآخرين.

مصادر الأعمال العدوانية

توضح الأبحاث حول التفاعل الأسري أنّ الأطفال الذين يتسمون بالعدوانية هم أكثر عرضة لأن يكونوا قد نشأوا من قبل الوالدين أو مقدمي الرعاية الذين يتسمون بالعدوانية، أمّا العنصر الثاني للمشاكل السلوكية هي التجارب البيئية، حيث يشير إلى أن الأفراد الذين يقيمون في مناطق معرضة للجريمة هم أكثر عرضة لإظهار السلوك العدواني من أولئك الذين يقيمون في مناطق منخفضة الجريمة، ويمكن للمرء أن يجادل في أنّ المناطق التي ترتفع فيها معدلات الجريمة لا توجد بها أعراف وقواعد وعادات.

علاوة على ذلك هناك غياب للسلوك التقليدي، وتشمل مظاهر السلوك غير التقليدي عدم القدرة على الحصول على عمل من مثل تعاطي المخدرات أو الكحول وعدم الامتثال للقوانين المحلية والولائية والاتحادية، والأهم من ذلك أنّ الأفراد الذين يلتزمون بالسلوك التقليدي يستثمرون في المجتمع ويلتزمون بهدف أو نظام معتقد، كما إنّهم يشاركون في المدارس أو الأنشطة اللامنهجية مثل كرة القدم أو البيسبول أو فتيات الكشافة وغالبًا ما يكون لديهم ارتباط بالعائلة.

المصدر الثالث للمشاكل السلوكية هو وسائل الإعلام فمن الصعب تمييز الدور النهائي لوسائل الإعلام فيما يتعلق بالجريمة، وقد اقترح العلماء أنّ الأفلام وألعاب الفيديو والبرامج التلفزيونية التي تصور العنف ضارة بالأطفال، وفي النهاية تدعونا نظريات التعلم الاجتماعي إلى قبول حقيقة أنّ وسائل الإعلام مسؤولة عن قدر كبير من العنف في مجتمعنا، كما إنّهم يفترضون أنّ الأطفال الذين يلعبون ألعاب الفيديو العنيفة ويلحقون فيما بعد ضررًا جسديًا أو نفسيًا بشخص ما في المدرسة فعلوا ذلك بسبب تأثير لعبة الفيديو.

ومن المهم ملاحظة أنّه في وسائل الإعلام المذكورة أعلاه (مثل ألعاب الفيديو) غالبًا ما يكون العنف مقبولًا وحتى يتم الاحتفال به، علاوة على ذلك لا توجد عواقب لأفعال اللاعبين الرئيسيين، ويقدم الرياضيون المحترفون مثالًا مثيرًا للاهتمام على سوء السلوك دون عواقب وخيمة، وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية كان هناك العديد من الحالات الموثقة لرياضيين محترفين شاركوا في سلوك غير لائق داخل وخارج الملعب، فهذه الحالات لها آثار مهمة على الأطفال الذين يلاحظون هذا السلوك.

السلوك الإجرامي والبحث المبكر

اكتشف تشارلز جورنج 1870-1919 علاقة بين الجريمة والذكاءات المعيبة، فقد فحص غورينغ أكثر من 3000 مدان في إنجلترا، ومن المهم ملاحظة أنّ غورينغ لم يجد اختلافات جسدية بين غير المجرمين والمجرمين، ومع ذلك فقد وجد أنّ المجرمين هم أكثر عرضة للجنون وأنّ يكونوا غير أذكياء وأن يظهروا سلوكًا اجتماعيًا سيئًا، والرائد الثاني في هذه البحوث هو غابرييل تارد 1843-1904 الذي أكد أنّ الأفراد يتعلمون من بعضهم البعض ويقلدون بعضهم البعض في نهاية المطاف، ومن المثير للاهتمام أنّ تارد يعتقد أنّه من بين 100 فرد كان فردًا واحدًا فقط مبدعًا أو مبتكرًا والباقي كانوا عرضة للتقليد.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: