السنوات الأخيرة من حكم الأسرة الرابعة

اقرأ في هذا المقال


تمثال أبو الهول:

لا يمكن أن يذكر الإنسان منطقة أهرام الجيزة إلّا ويجد نفسه مضّطراً لذكر أبو الهول،‏ التمثال الضّخم الرابض على حافة الصحراء والذي احتل مكانةً كُبرى في آداب العالم، وكتب عنه الكُتاب منذ أيام الرومان كثيراً من القصائد وحاكوا حوله الأساطير، وطالما تساءلوا عما يخفيه من أسرار.

والحقيقة أنه لم يعُد هُناك سر يُخفيه. فقد كشفت حفائر مصلحة الآثار في عام (1926)، ومرة أخرى في عام (1936)، عن كل ما هُناك وأصبحنا متأكدين الآن أنَّ هذا التمثال الكبير المقطوع في صخر الجبل على هيئة أسد رابض وله رأس إنسان ليس إلا تمثالاً للملك خفرع باني الهرم الثاني، وأنَّ الصخرة التي هيأوها كانت جزءاً في محجر من المحاجر التي أخذ منها عُمال خوفو بعض الأحجار اللازمة لبناء الهرم الأكبر وتركوا هذه الصخرة لأنها ليست من الحجر الجيد اللهم إلا في طبقتها العليا.

فلما استقر أي خفرع على بناء هرمه على مقربة من هرم أبيه اضطر للانحراف بالطريق الموصل بين المعبدين ليتفادى هذا المحجر وجعل طريقه يسير على حافته وانتهى أخيراً بمعبد الوادي الذي أشرنا إليه. ولا شك أنَّ وجود تلك الصخرة كان يشوه المكان، ولهذا رأى المشرف على العمل أنّ يستفيد منها بعمل تمثال لسيده الملك، جسده على صورة أسد وهو أقوى الحيوانات ورأسه على صورة لرأس خفرع نفسه أي أنه كان جامعاً للقوة والعقل، ثم أصلح أنحاء المحجر وبنى معبداً أمامه.

الملك منكاورع:

تمكّن الحزب المُعارض في الأسرة المالكة أنّ يستولي على السلطة بعد وفاة خفرع وقد تحدثنا عن ذلك النزاع فيما قبل، ولا تُساعدنا معلوماتنا القليلة على الخوض في هذا الموضوع أو معرفة المُدة التي استغرقتها فترة عدم الاستقرار أو القول عن يقين إنّ كان قد حكم بين خفرع ومنكاورع ملك واحد من إخوة خفرع أو حكم ملكان.

ونشاهد بعد ذلك، وقد عادت البلاد إلى حالتها الطبيعية أنَّ الملك منكاورع أخذ يُشيد هرمه على بقرب هرمي والده وجده وقد قام المهندسون بوضع تصميم هذا الهرم على أنّ يكون أقل منهما كثيراً في الحجم ارتفاعه (66.5) متر وطول ضلع قاعدته (108.5) متر، ولو أنهم كانوا يقصدون أنّ يكسوه كله من حجر الجرانيت بدلاً من الحجر الجيري الأبيض،‏ ولكن لم يتمموا إلا نصفه فقط. وقد ذكر الكهنة لهيرودوت الشيء الكثير عن ظلم كل من خوفو وخفرع للشعب وكيف كرههما الناس ومقتوهما، ويُذكر أيضاً كيف خالف منكاورع أساليب من سبقه وأبطال الظلم وفتح المعابد فأحبه الناس.

وربما كانت هذه الرحلة تحمل بين ثناياها شيئاً من الصدق، فلا ريب أنَّ بناء المجموعتين الهرميتين لخوفو وخفرع ومقابر الموظفين الخاص بهم كان تبذيراً كبيراً على كاهل البلاد والخزانة، زاد من شدته ذلك التناحر بين فرعي البيت المالك الذي لم تستطع الأيام أنّ تخفف من حدته.

وبالرغم من أنَّ منكاورع حكم مدة قد تصل إلى أكثر من واحد وعشرين عاماً (وربما امتد حُكمه إلى ثمانية وعشرين عاماً)، فإنه لم يتمكن أنّ يتمم بناء هرمه الصغير أو معبده الجنازي أو معبد الوادي لهذا الهرم مشيد من الطوب اللبن وليس فيه شيء مشيد بالحجر إلا بعض الأرضيات والأعمدة وعتبات الحُجرات، وقد عثر ريزنر في هذا المعبد عند حفره له على عدد من مجموعات التماثيل المصنوعة من حجر الشست (نوع من الإردواز)، يمثل كل منها الملك منكاورع مع رمز لإقليم من الأقاليم وأحد المعبودات المهمة.

وقد نُهِبَ هذا الهرم كما نُهِبَ غيره في عصر الفترة الأولى ولكن اللصوص تركوا الكثير مما لم يكونوا في حاجة إليه، وقد عثر يرنج عندما فتح هذا الهرم عام (1839)، على بعض أجزاء من مومياء لرجل وعلى تابوت خشبي مكسور ربما كانا باقيين من الأثاث الجنازي للهرم، كما عثر أيضاً على تابوت للملك من حجر البازلت زخرفت جوانبه بالكوات الداخلية والخارجية التي تُمثل واجهة القصر، ولكن هذا التابوت غرق مع السفينة التي كانت تحمله إلى انجلترا عندما هبت عليها عاصفة شديدة أمام شواطىء إسبانيا.

الملك شبسسكاف:

وتولى شبسسكاف حكمه بعد أبيه، ولكنه لم يستمر حكمه أكثر من أربع سنوات، وقد امتازت هذه المدة القصيرة بحادث مهم كان مقدمة لحوادث أخرى ذات أثر كبير. أخذ نفوذ كهنة الشمس يعظم ويزداد منذ قيام الأسرة الرابعة، ولكن هذا النفوذ لم يكن ذا خطر في أيام سنفرو أو خوفو ولكنه أصبح قوياً منذ عهد خفرع، ولم يُصبح اسم الإله رع جزءاً من أسماء بعض الملوك وأمراء البيت المالك للتيمن به فحسب، بل أخذ الاسم الخامس للملوك وهو اسم (ابن رع)، يظهر أيضاً ابتداء من عهد الملك خفرع.

ورأى شيسسكاف أنّ يضع حداً لهذا النفوذ والسطوة للكهنة فترك بناء قبره على شكل هرم لصلة ذلك بعبادة الشمس، وأراد إهماله فبنى قبره على شكل تابوت كبير طوله (100)‏ متر وعرضه (72) متر وارتفاعه (18)‏ متر، وهو المعروف باسم مصطبة فرعون،‏ في سقارة القبلية وبنى في جهته الشرقية معبده الجنازي كالمعتاد، وأقام أيضاً معبد الوادي والطريق الموصل بينهما، إلا أنَّ البناء لم يتم وربما لم يقدر لشيسسكاف أنّ يُدفن فيه.

كانت هُناك دون شك حركة ضد كهنة رع، ولكن شيسسكاف لم يعمر طويلاً ليحقق ما كان يهدف إليه وسرعان ما عاد التنازع في البيت المالك إلى الظهور وقام واحد منهم وربما كان اسمه (جاف يتاح)، واستولى على العرش والحكم نحو عامين. وفي هذه الظروف المضطربة والفترة الدقيقة من تاريخ الأسرة تظهر سيدة من العائلة المالكة اسمها (خنتكاوس)، فتكون الحلقة بين الأسرتين الرابعة والخامسة.

الملكة خنتكاوس:

في شتاء عام (1931 – 1932)،‏ كشفت حفائر جامعة القاهرة في منطقة أهرام الجيزة عن حقيقة البناء الذي كان يُطلق عليه (ليسيوس)، الذي كان يظن البعض أنه هرم لم يكمل بناؤه، فاتضح أنه شبيه في تصميمه بقبر الملك شيسسكاف أي على شكل تابوت كبير مُشيد فوق صخرة في المكان، وأنه لم يكن لملك من الملوك وإنما كان لإحدى الملكات واسمها (خنتكاوس). ومنذ هذا الاكتشاف حاول كثير من الأثريين تحديد مركز هذه السيدة من العائلة.

وقد اختلفت الآراء في بعض التفاصيل ولكن المرجح الآن هو أنها ابنة للملك منكاورع وإن كانت لم تذكر ذلك على آثارها، وأنها تزوجت (شبسسكاف)،‏ وإنّ لم تذكر ذلك أيضاً، وأنها عاشت خلال السنتين اللتين حكمهما‎ (ددف بتاح‎). ويظن أنها تزوجت من (وسر كاف)، الذي أسس ‏الأسرة الخامسة وأصبحت أما لابنيه اللذين حكما من بعده واحداً بعد الآخر‎. وهما (ساحورع)، و (نفر إر كارع)، أي أنها أصبحت أماً للأسرة الخامسة.

وتدل مؤشرات أنَّ هذه الملكة كانت أصل الأساطير التي كان يرويها المصريون في أواخر أيام حضارتهم، فقد ردد هيرودوت ما سمعه في مصر من أنَّ الذي بنى الهرم الثالث كان امرأة تُسمى (رودوبيس)،‏ ولكنه كان متأكداً من أنَّ بانيه كان منكاورع وأنَّ رودوبيس لم تكن إلا إحدى المحظيات غير المصريات اللاتي اشتهرن بجمالهن في القرن السادس قبل الميلاد وكانت لها مُغامرات غرامية اشتهر أمرها بين اليونانيين. وقد ذكر مانيتون أنَّ الذي بنى الهرم الثالث ملكة تُسمى (نيتو كريس) وأنها كانت أقوى وأجمل امرأة في زمانها.

ولكن معنى كلمة رودوبيس هو وردية الخدين، وربما كانت الأسطورتان تشيران إلى خنتكاوس التي ربما كانت كبعض نساء أسرتها بيضاء البشرة شقراء الشعر فتحدث بجمالها الناس وأعجبوا بدورها الذي قامت به عندما استعرت نار الفتنة في أواخر أيام الأسرة الرابعة ثم أصبحت أماً لملكين جلسا على العرش.

ولكن كل هذه الآراء تفتقر إلى البرهان والدليل. وكل ما نستطيع أنّ نقوله هو أنَّ خنتكاوس لم تجلس على العرش وأنها لم تُدفن في هرم وإنما دفنت في قبر على شكل تابوت، وأنَّ هذا القبر كان يختلف سواء في تصميمه أنَّ في عظمته عن قبور الملكات الأخريات اللاتي عشن في تلك الأيام. لقد عجلت ثورة شبسسكاف على كهنة رع بنهاية أيام تلك الأسرة التي تطاحن أفرادها منذ وفاة خوفو. وأخيراً حوالي عام (2560 ق.م). انتهى عهد الأسرة التي أسسها سنفرو وحلت مكانها أسرة أخرى من كهنة الشمس.

المصدر: ❞ كتاب مصر الفرعونية ❝ ⏤ أحمد فخري صفحة (96 – 100).❞ كتاب الأسرة المصرية في عصورها القديمة ❝ ⏤ د. عبد العزيز صالح.❞ كتاب تاريخ مصر الفرعونية من أفول الدولة الوسطي إلي نهاية الأسرات ❝ زكية يوسف طبوزادة.❞ كتاب موسوعة مصر القديمة الجزء الأول ❝ سليم حسن.


شارك المقالة: