المنظور النفساني للتخلف الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


أكدت المنطلقات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية، السطحية منها والمستمرة على نوعية وتركيب البنى المتخلفة، فيما عدا إشارات عابرة أهملت البنى الفوقية التي تشتمل على النفسية والعقلية والقيم الموجهة للوجود، التي لا بدّ أن ترافق البنى الاجتماعية الاقتصادية، وتنتج عنها وتكملها، ولذلك فلا يستقيم القول والتعبير عن التخلف، ولا يمكن لهيئته أن تكتمل إلى إذا أعطينا لهذه البنى الفوقية مكانتها.

المنظور النفساني للتخلف الاجتماعي

تتحول البنى التحتية إلى عامل يعزز وطأتها، فإذا كان تحالف القلة المحظوظة مع القوى الأجنبية يكوّن، أكبر عقبة في مسار التقدم ﻷنه السبب الأهم في بروز ظاهرة التخلف وتضاعفها، فإن البنية الفوقية النفسية التي تتلخص في تكوين أساليب من الوجود متفوقه بطابع التسلط والرضوخ، تكوّن مصدراً مهماً لمواج التغيير، وليس من باب المبالغة في شيء، أن نقرر أن ذوي المصلحة في التغيير، في الخروج من هوة التخلف، يكوّنون في مرحلة ما إحدى العقبات الرئيسية أمام هذا التغيير، بعد ما تعرضوا له من استلاب ﻹنسانيتهم.

فإذا كان التخلف في جوهره ولبّه هو استلاب اجتماعي اقتصادي من الجانب المادي، فإنه لا بدّ أن يولد استلاباً نفسياً على المستوى الذاتي، يجب إذاً عدم الخوض في هذا الاستلاب الذاتي، حتى تكتمل الصورة كاملة، ونتمكن من السيطرة على كل القوى الفاعلة في ظاهرة التخلف، مما يكوّن شرطاً مهماً ﻷي عملية تغيير، ﻷي مشروع تنمية يؤمل أن يكون له من النجاح نصيب معقول ومتناسب مع مقدار الجهد الذي وظف فيه.

تعريف التخلف نفسيا

التخلف نفسياً هو من المحكات المادية، ونمط من الوجود وأسلوب في الحياة ينبت في كل حركة أو تصرف، في كل ميل أو توجه، في كل معيار أو قيمة أنه نمط من الوجود له خزعبلاته وأساطيره ومعاييره التي تعين للإنسان مكانته، نظرته إلى ذاته، نظرته إلى الهدف من حياته، أسلوب انتمائه ونشاطه ضمن مختلف الجماعات، طريقة علاقاته على تنوعها.

إنه موقف من العالم المادي وظواهر ومؤثراته، وموقف من البنى الاجتماعية وأنماط الارتباطات المعروفة فيها، على المستوى الذاتي الحميم، كما على المستوى الذهني، هناك سلسلة من العقد التي تفرق الوجود المتخلف، فإن نمط الوجود المتخلف غير متوقع فهو ينشأ آلاماً معنوية التي تخلق من التوتر والقلق فتدمر التوازن النفسي، ولذلك تبرز أولويات دفاعية ضد هذه الآلام وذاك الخطر المهدد للتوازن، أولويات تجعل وضعية الاستلاب ممكناً.

المصدر: مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.


شارك المقالة: