الموروث السوسيولوجي في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الموروث السوسيولوجي في علم الاجتماع:

عرفت مجتمعات أوروبا الغربية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر سلسلة من التغيرات الاقتصادية والسياسية بلغت ذروتها مع الثورة الصناعية في بريطانيا العظمى ومع الثورة الفرنسية عام 1789، إذن ارتسم عالم جديد يتصف بالتحول الصناعي وتقسيم العمل والتمدن وانطلاقة الدول، الأمم ومجيئ ديمقراطية الجماهير.

وبالتوازي مع ذلك ظهرت قيم جديدة، فالعقل أصبح السيد الوحيد الذي يرضى الجميع بالخضوع له، وأدرجت الحرية والمساواة كحقوق كونية في إعلان حقوق الإنسان، لقد افتتح مجمل هذه التغييرات انقلابات عميقة في توازن المجتمعات في تلك الحقبة، وهكذا نظر إليها في زمنها.

أمّا بالنسبة للمحافظين مثل جوزيف دو ميتر، والفيكونت دي بونال في فرنسا، أو إدموند بورك في بريطانيا العظمى، فقد كان الأمر متعلقاً بكارثة حقيقية أدانوها بلا هوادة، قامت كلتا الثورتين بتمزيق النسيج الاجتماعي الذي شيده بعناء تعاقب من الأجيال، إضافة إلى ذلك، حكم على التسوية الاجتماعية التي كانتا حملتها، أنّها مصدر لتواضع الكفاءة.

يكاد هذا أن يكون نفس الموضوع الذي جرى عرضه لدى المفكرين الرومانسيين الألمان، أمّا بالنسبة لليبراليين، على العكس من ذلك، فإنّ قدوم الحداثة يمثل العصر الذهبي للإنسانية، فالعلم والعقل يضيئان منذئذ بنورهما ذهن الجميع الذي بقي مظلماً بسبب ثقل المعتقدات الدينية.

وأنّ قيمة الحرية وقيمة المساواة تحرران الأفراد من مؤسّسات النظام القديم (الكنيسة، المراتب الاجتماعية)، وأكد فلاسفة النظام الاجتماعي من توماس هوبز وحتى جان روسو، على إعلاء شأن الفرد على المجتمع، ومن جهته فإنّ علم الاقتصاد الوليد أسند النظام الاجتماعي إلى التناغم التلقائي للمصالح الفردية التي توجهها يد غير مرئية لحرية السوق، هي غامضة لكنّها مواتية وفي محلها.

هناك بشكل عام اتفاق مع عالم الاجتماع الأمريكي روبيرت نيسبت، على اعتبار أن القرن التاسع عشر شهد تأسيس الموروث السوسيولوجي، بوجوهه الرئيسية، ألكسي دو توكفيل، وكارل ماركس، ودور كايم، وماكس فيبر وجورج زيمل، ومن الناحية الزمنية فإنّ علم الاجتماع هو ابن للحداثة، ومهمته هي كشف أسرار سير عملها في مجتمع فقد كل أساس خارج عنه (الإله، الطبيعة، القدر)، ومن خلال هذا الوعي فإنّ السوسيولوجيا ستساعد البشر على التحكم الأفضل بمصيرهم.

أراد العلم الجديد أن يكون، والتعبير لماكس فيبر، علم الواقع يستند إلى الملاحظة الدقيقة للظواهر الاجتماعية وإلى مضاهاتها بالنظرية، وعليه فإنّ موقع عالم الاجتماع هو الطرف النقيض لموقع الفيلسوف أو عالم الاقتصاد في تلك الفترة، فهما يستمتعان معظم الأحيان في ألعاب مفهومية (تصورية) مفصولة عن الواقع.

المصدر: مناهج البحث العلمي، محمد الجوهري. محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح. علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد. أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط محمد حسن.


شارك المقالة: