النظام القانوني وعلاقته بالنظم الاجتماعية الأخرى في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


علاقة القانون بالنظام الاقتصادي في علم الاجتماع:

ينعكس الخلاف الأيديولوجي في علم الاجتماع على دراسة هذه القضية بجلاء، فأنصار الاتجاه الوضعي والوظيفي، يرون أن القانون أكثر ارتباطاً بنسق القيم والنظام الأخلاقي داخل المجتمع منه بالنظام الاقتصادي، وأن هناك من علماء الاجتماع الغرب مثل فيبر من يتخذون من النظام الديني والقيم الأساس الأول لتفسير بقية نظم المجتمع وظواهره، بما في ذلك النظام الاقتصادي والنظام القانوني، وقد سار بعض علماء الغرب في هذا الاتجاه لدرجة أنهم وقعوا فيما يمكن أن يطلق عليه الحتمية القيمية أو الأخلاقية.

وعلى العكس من ذلك فإن هناك طائفة من علماء الاجتماع، وهم أنصار الاتجاه المادي يؤكدون أن النظام الاقتصادي هو جوهر المجتمع ما يمارسه النظام الاقتصادي من أثر حاسم في تشكيل كافة النظم الأخرى داخل المجتمع بما في ذلك النظام القانوني، فالقانون عندهم هو جزء من البناء العلوي للمجتمع، ذلك البناء الذي يتم تشكيله وصياغته من خلال البناء المادي الاقتصادية أو البناء الأسفل.

وعلى الرغم من تطرف الاتجاهين السابقين، إلا أنه يمكن القول بعدم إمكان الفصل بين الاقتصاد والقانون داخل أي مجتمع، وبقول آخر لا يمكن لنا اعتبار أن القانون أو البناء القانوني داخل أي مجتمع، بناء مستقلاً عن الواقع السوسيولوجي الثقافي للمجتمع، وهناك شبه إجماع بين الباحثين في علم الاجتماع حول الطابع الطبقي للقانون، فالقانون يحمي المصالح الاقتصادية للطبقة أو الطبقات المسيطرة اقتصادياً، وهكذا يمكن فهم الصلة بين النظام القانوني وبين نظامي الاقتصاد والطبقة داخل أي مجتمع، فالنظام الاقتصادي السائد يسهم في تشكيل النظام القانوني، وهذا النظام الأخير ينظم العلاقات الاقتصادية داخل المجتمع.

علاقة القانون بالنظام الأسري في علم الاجتماع:

يذهب الباحث بروم إلى أنه يبدو من الوهلة الأولى عدم وجود علاقة بين القانون وبين الجماعات الأولية التي تسودها العلاقات الشخصية أو التلقائية، أو علاقات المواجهة اليومية ولكن الواقع أن هناك ارتباطاً وثيقاً بينهما، فالأسرة وهي جماعة أولية، تخضع في نشأتها واستمرارها لمجموعة من المعايير والقواعد القانونية التي يحددها المجتمع.

يضاف إلى ذلك أن الأسرة هي أهم الجماعات تأثيراً في تشكيل السلوك الإنساني وتوجيهه من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، فهذه العملية الأخيرة هي المسؤولة عن تكوين الشعور بالعدالة، لدى أعضاء المجتمع وعن تمثل الفرد للقواعد والمعايير القانونية.

وبالتالي احترام القانون، وهذا هو ما جعل البعض يرون أن النظام الأسري يمكنه من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، أن يقرر مصير القانون والنظام داخل المجتمع، فهذه العملية هي المسؤولة إلى حد كبير عن تفسير ظواهر الامتثال والانحراف داخل المجتمع، وقد كشفت العديد من الدراسات عن العلاقة الوثيقة بين الانحراف والإجرام من ناحية، وبين الظروف الأسرية السيئة من ناحية أخرى أو أساليب التربية أو الثقافة الفرعية للأسرة.

علاقة القانون بالنظام السياسي في علم الاجتماع:

يتضمن النظام السياسي داخل أي مجتمع عدة متغيرات مثل الحكم والسلطة والقوة داخل المجتمع والصراع السياسي، ويسهم القانون في تحديد السلطة المشروعة داخل المجتمع، وأسلوب الحصول عليها، وهو بهذا يحاول إرساء المشروع السلطة السياسية داخل المجتمع، فالقانون يحدد من الذي له الحق في ممارسة كل نوع من أنواع السلطة على حدة، كما يحدد أسلوب النجاح السياسي، وأسلوب ممارسة الصراع من أجل السلطة في إطار من المشروعية.

أما بالنسبة لعلاقة القانون بالسلطة السياسية، فقد اختلف الباحثون بشأنها فإذا كان القانون ظاهرة اجتماعية تلقائية ويحتاج إلى سلطة لتنفيذه فقد ظهر تساؤل حول حقيقة العلاقة التي تربط القانون بالسلطة السياسية، فهل هذه السلطة الأخيرة هي التي تصدره ليكون أداتها في تحقيق سياستها، أم أن القانون يعلو على تلك السلطة بحيث تقتصر على تنفيذه؟ وقد ظهر بهذا الصدد اتجاهان متعارضان هما، الاتجاه الأول وهو القانون الوضعي، ويذهب أنصاره إلى أن السلطة تصدر القانون ولا تقوم بإنشائه، والاتجاه الثاني وهو اتجاه القانون الوضعي، ويذهب أنصاره إلى أن القانون لا يظهر إلا داخل المجتمع وهو كظاهرة لا يظهر لا مع نشوء الجماعة، إنما ينشأ بإدارة السلطة العامة ولا يسبقها ولا يعلو عليها.

وهناك في الواقع خلفية اجتماعية لكل من هذين الاتجاهين، فقد حاول أنصار الاتجاه الأول الحد من السلطة العامة وتقييدها، في حين حاول أنصار الاتجاه الثاني دعم هذه السلطة إلى حد وصل ببعضهم إلى تأييد الحكم الاستبدادي مثل الباحث هويز، وينظر علماء الاجتماع إلى كل من ظاهرة السلطة والقانون على أنهما ظاهرة أساسية وحتمية لظهور أي تنظيم اجتماعي.

فلا يمكن ﻷي جماعة أو مجتمع أن يوجد ويستمر دون توافر مصادر للقوة والضبط، حيث تمارس سلطة تنظيم سلوك الآخرين بما يحقق التنسيق والتكامل الاجتماعيين، فالسلطة هي ضرورة وظيفية واجتماعية داخل أي تجمع بشري، ولا يمكنها أن تعزل نفسها عن سندها الاجتماعي، وإلا انقلبت إلى مجرد قوة مادة غير مشروعة، فالسلطة هي في جوهرها ظاهرة نظامية تستند إلى مجموعة من الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتاريخية.

وهكذا يتكامل الاتجاهين الطبيعي والوضعي، فالسلطة المشروعة غير منفصلة عن واقعها السوسيولوجي الثقافي، ولكنها تملك حرية إصدار القوانين بما يتفق مع الصالح العام الذي هو أساس فكرة القانون.

علاقة القانون بالنظام الديني في علم الاجتماع:

هناك علاقة واضحة بين القانون والدين، حيث أن كل منهما يعد عاملاً من عوامل الضبط السلوكي والتكامل الاجتماعي داخل المجتمع، كذلك يشتركان من حيث ارتباط كل منهما بمجموعة من الأوامر والنواهي والعقاب، وإن كانت من طبيعة هذه المتغيرات مختلفة في كل منهما.

وقد كان الفكر الديني أسبق تاريخياً من الفكر القانوني، وكان الدين يستغرق القانون لدى الشعوب البدائية، بمعنى أن الأوامر والنواهي الدينية، كانت تسود داخل تلك المجتمعات وتسندها عقابات اجتماعية محددة، وقد كان الرئيس السياسي هو ممثل السلطة الدينية والقانونية والشرعية في نفس الوقت، وظهر هذا الاتجاه في بعض المجتمعات القديمة، وهكذا ارتبطت القوانين الاجتماعية بطابع القداسة نظراً لارتباطها النظام الديني والعقائدي في المجتمع.

ومع تطور المجتمعات ونموها تكنولوجياً واقتصادياً وسكنياً، وظهر تقسيم العمل والصراعات الاجتماعية والتنظيمية، وأخذت الأشكال غير الرسمية للضبط كالدين والقيم تفقد نسبياً فعاليتها التقليدية، وهذا هو استوجب تزايد أهمية القانون الوضعي كعامل للضبط السلوكي وتنظيم العلاقات والتفاعلات الاجتماعية داخل المجتمع، وتجدر الإشارة إلى أن النظام الديني يعد أحد المصادر الأساسية للتشريع الوضعي في العديد من الدول.

وهناك أوجه التقاء وأوجه اختلاف بين مضمون الضبط الديني ومضمون الضبط القانوني فكلاهما يستهدف تحقيق التماسك والوحدة الاجتماعية للمجتمع، وكلاهما عامل أساسي من عوامل التكامل الاجتماعي، ولكن مفهوم الانحراف قد يختلف في الدين عنه في القانون، حيث يختلف مضمون الجريمة عن مضمون الخطيئة، فهناك العديد من النماذج السلوكية يعتبرها القانون انحرافات، ولكنها لا تدعى خطايا من وجهة نظر الدين، مثل مخالفات المرور.

المصدر: مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.


شارك المقالة: