الوقائع الاجتماعية عند دوركايم في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الوقائع الاجتماعية عند دوركايم في علم الاجتماع:

كانت وحدة التحليل الاجتماعي عند دوركايم هي الوقائع الاجتماعية، والواقعة الاجتماعية هي كما يقول، كل وسيلة أو كل أسلوب للتصرف تمارس فرضاً أو إجباراً خارجياً على الفرد، أو كل وسيلة للتصرف تتصف بالعمومية في مجتمع ما، ولكنها توجد في نفس الوقت مستقلة بذاتها.

ورأى دوركايم أن الوقائع الاجتماعية غير قابلة للملاحظة المباشرة، وبالتالي لا بدّ من دراستها بشكل غير مباشر عن طريق ملاحظة آثارها، ومن هنا فإن الوقائع الاجتماعية تتصف بصفتين أساسيتين، أنها خارجه عن الفرد وأنهاﻻ ملزمة له أو ذات تأثير محدد لسلوكه، وقد شرح دوركايم الصفة الأولى للوقائع الاجتماعية أي أنها خارجة عن الفرد بقوله، حين أقوم بالتزاماتي كأخ أو أب، أو حين أو في بتعاقداتي فإنني أقوم بواجبات لم أحددها أنا بذاتي أو لم تحددها أفعالي، ولكنها محددة لي سلفاً في القانون وفي العرف وفي العادات الجمعية. وفضلاً عن ذلك، فإنها حتى إذا ما تلائمه مع عواطفي وأحسست بها ذاتياً فإن واقعها يظل موضوعياً، ذلك إنني لم أخلقها ولكني ورثتها من خلال عملية التربية.

وترجع الطبيعة الإلزامية للوقائع الاجتماعية إلى حقيقة أنها تفرض على الفرد بغض النظر عن رغباته، والوقائع الاجتماعية في نظر دوركايم هي انعكاسات أو تعبيرات عن أخلاقيات الجماعة، والأخلاقيات بالنسبة لدوركايم تشمل كل المدى المعياري ابتداءً من القواعد البسيطة للسلوك الاجتماعي الاتيكيت، حتى أكثر العادات الاجتماعية صرامة وشدة.

لقد كان اهتمام دوركايم في كل مؤلفاته منصباً على دراسة العلاقة بين الأخلاقيات من حيث مصادرها وأشكالها وبين طبيعة الروابط الاجتماعية، ورأى دوركايم في كتابه تقسيم العمل الاجتماعي، أن التنظيم الاجتماعي قد تطور من حالة التماسك أو التضامن الآلي إلى حالة التماسك العضوي ولا يمكن ملاحظة أي من النوعين من التماسك ملاحظة مباشرة، ولكن يمكن التعرف عليها عن طريق مؤشرات معينة تتمثل في نوع الجزاءات التي توقع على مخالفي القواعد الأخلاقية.

والجزاءات في نظر دوركايم تنبعث من العقل أو الضمير الجمعي، أو من المعتقدات والأحاسيس والتي تشترك بين الناس في ذات المجتمع، فأي فعل يعتبر إجرامياً حين يتعارض مع مبادئ الضمير الجمعي.

والتماسك الآلي، يوجد في المجتمع الذي يتصف بإحساس قوي وعام بالضمير الجمعي فأي فعل ضد شخص ما يعتبر فعلاً مضاداً لكل الناس في المجتمع وفي مثل هذا المجتمع ما أسماه دوركايم بالقانون القمعي، وفي هذا المجتمع البدائي نجد أن الناس متشابهون في أفكارهم وفي وجهات نظرهم، لما لديهم من قيم ومعرفة مشتركة فإنهم يصبحون جمعياً كإنسان واحد، ولهم عقل واحد، وبذلك يتحقق التماسك الاجتماعي بينهم ولكن هذا التماسك تماسك آلي أو طبيعي.

أما المجتمعات الحديثة أي المجتمع الصناعي الرأسمالي، فإن الأمر يختلف عن ذلك تماماً، فأفراد المجتمع يختلفون في كثير من النواحي مثل الخبرات التي يمرون بها وتنشئتهم الاجتماعية وتدريبهم أو بعبارة أخرى يختلفون نظراً لتجزئة العمل فيما بينهم، ويسود في هذا المجتمع ما يسمى بالتماسك العضوي، وهذا التماسك العضوي يصاحب التجزئة المعقدة في العمل الذي تتصف به المجتمعات الصناعية، فالتماسك في هذه المجتمعات لا يتكون عن التشابه بين الناس، ولكنه على العكس من ذلك ينشأ نتيجة الاعتماد المتبادل بينهم، فالشخص لا يصبح متخصصاً في شيء ما إلا إذا كان هناك آخرون متخصصون في إنتاج السلع وتقديم الخدمات التي يحتاجها ليتفرغ لتخصصه.

ويجب أن نلاحظ هنا أن اميل دوركايم نظر إلى المجتمع بأسره على أنه مجرد أساليب للتصرف أو بعبارة أخرى على أنه مجموعة من المعايير والقواعد الأخلاقية والقيم، وذلك ما لاحظناه في تعريفه للوقائع الاجتماعية، فالواقع الاجتماعي بالنسبة له ليس واقعاً مادياً على الإطلاق، ولكنه واقع فكري وهذا الفكر هو المحدد لكل ما عداه من صور الحياة الاجتماعية، كما أن دوركايم قد صور هذا الفكر على أنه شيء مستقل بذاته يمارس قهراً على أفراد المجتمع وليس عليهم إلا أن يتبنوه وإلا فإن المجتمع سوف يصاب بالتفكك والانهيار.

ويرى دوركايم أن مصدر تجزئة العمل المتقدم، إنما يكمن في القيم الثقافية التي يتضمنها الضمير الجمعي ﻷعضاء مجتمع ما قائم بالفعل، ويمكن التعرف على نوع التماسك الاجتماعي السائد في مجتمع ما، من خلال ملاحظة بعض الآثار التي تترتب عليه، وبخاصة نوع الجزاءات السلبية أو القوانين التي تفرض على من يخالف أخلاقيات أو معايير الجماعة.

ففي المجتمع الذي يسود فيه التماسك الآلي نجد أن القانون السائد فيه هو ما أسماه دوركايم بالقانون القمعي، أو الانتقامي حيث توقع الجزاءات الشديدة على الشخص المخالف للأخلاقيات السائدة في المجتمع.

المصدر: مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.


شارك المقالة: