الولايات في عهد أبو جعفر المنصور

اقرأ في هذا المقال


الولايات في عهد أبو جعفر المنصور:

تعرّضت كثير من الولايات لحركات عنيفة، وكاد بعضها يعصف بالحكم قبل أن يتمكن، وكانت مُعالجة المنصور لها على درجةٍ من الحكمة والحنكة والحزم والدهاء الأمر الذي قضى عليها قبل أن يستفحل أمرها، ويمتد لهيبها إلى ولايات أخرى.

ولاية الشام في عهد المنصور:

قام فيها عبد الله بن علي مذ تولّى ابن أخيه أبو جعفر الخلافة حيث كان طموحاته في الاستيلاء عليها، إذ هو الذي وطّد الحكم للعباسيين، وقضى على خصومهم، ومهّد الطريق للحكم، وكان سيفه البتار. وسار معه أهل الشام بل لم يستطيعوا مخالفته إذ أخذهم أخذ الجبابرة، وحزمهم حزم السلمة، ولكن ما أن انتهى أمره حتى هدأت الولاية، وانطلق أهلها للغزو، والمُرابطة في الثغور، واستمر ذلك مدة أيام المنصور.

ولاية الكوفة في عهد المنصور:

كان عيسى بن موسى والي هذه الإمارة، وفي عام (141 هجري)،‏ خرجت فيها جماعة تدعى الراوندية، وأصلهم من خراسان، وقد ادعوا أُلوهية المنصور، وقالوا بتناسُخ الأرواح، وأن روح آدم عليه السلام، قد انتقلت إلى عثمان بن نهيك وحلّت به، وأن الهيثم بن معاوية هو جبرائيل. وقد جاءوا إلى قصر الخليفة، وأخذوا يطوفون حوله. ولكن المنصور أبادهم جميعاً
وانتهى أمرهم. كما تولى أمر هذه الولاية محمد بن سليمان، وعزل عنها عام (155 هجري)، إذ تولاّها عمر بن زهير.

ولاية البصرة في عهد المنصور:

كان سليمان بن علي أمير البصرة، لكن المنصور قد عزله لما علم أن أخاه عبد الله بن علي مُختبئاً عنده، وولّى مكانه سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة الذي بعث بعمه عبد الله بن علي إليه فسُجن. ويبدو أن سفيان كان مُمالئاً لإبراهيم بن عبد الله بن الحسن والذي
ظهر قبل موت أخيه، وبايعته الأهواز، كما أخذ فارس، وواسط، والمدائن، والسواد كافةً.

غير أن خازم بن خزيمة قد ذهب بأربعة آلاف مُقاتل إلى الأهواز ففرض سلطته عليها، وجاء عيسى بن موسى من الحجاز فالتقى بإبراهيم وهو في طريقه إلى الكوفة، وكان حميد بن قحطبة على مقدمة عيسى ولكنه هزم، وثبت عيسى بن موسى، كما ثبت إبراهيم بن عبد الله وتخلى عنه عدد من أصحابه فقتل هو مع من قتل من أنصاره، واستتب الوضع للمنصور.

عُزل سفيان عن البصرة وتولّى أمرها مسلم بن قتيبة ثم عزل بعد عام بمجيء محمد بن سليمان بن علي، ولكن أصبح استبدال ولاة البصرة أمراً عادياً كل عام تقريباً إذ تتابع عليها جابر بن زيد الكلابي، ويزيد بن منصور، وعبد الملك بن أيوب بن ظبيان، والهيئم بن معاوية.

ولاية الجزيرة في عهد المنصور:

لم يحدث في الجزيرة من أمر بعد حركة عبد الله بن علي سوى خروج ملبد بن حرملة الشيباني في ألف من الخوارج، ولكن انتهى أمرهم سريعاً واشتهر من ولاة الجزيرة في تلك الحقبة حميد بن قُحطبة، والعباس بن محمد أخو الخليفة المنصور.

ولاية الموصل في عهد المنصور:

لم يجري عليها أي أحداث في الموصل، وكان أميرها إسماعيل بن علي، ثم موسى بن كعب الذي عزله المنصور وولّى عليها خالد بن برمك.

ولاية خراسان في عهد المنصور:

كان أبو داود خالد بن إبراهيم نائب أبي مسلم على خراسان، إلا أن المنصور قد أطمعه في ولاية خراسان إن ردَّ أبا مسلم عنها حين همَّ بالعودة إليها، وانتهى أمر أبي مسلم، وبقي أبو داود والياً على خراسان لكن لم يلبث أن خرج فيها سنباذ مُطالباً بدم أبي مسلم، وكان سنباذ مجوسياً فدانت له خراسان، كما أخذ قومس وأصبهان، فبعث إليه أبو جعفر قوة قوامها عشرة آلاف فارس بإمرة جهور بن مرار العجلي فانتصر على سنباذ وقتله، ولم تزد مُدة خروجه على سبعين يوماً. غير أن جهور قد أغرته نفسه بانتصاره هذا فخلع الطاعة عام، فأرسل له المنصور محمد بن الأشعث الخزاعي فهزمه وقتله.

وثارت جماعة في خراسان على أميرها أبي داود خالد بن إبراهيم وحاصرته في داره فوقع ومات، وخلفه صاحب شرطته عاصم حتى وصل إلى مرو أميرها الجديد عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي، ولم يكمل عامه حيث عزل، وتولى أمر خراسان بعده محمد المهدي بن الخليفة المنصور فلم يقبل عبد الجبار أمر العزل وإنما خلع الطاعة.

فسار إليه المهدي وعلى مُقدمته خازم بن خزيمة. ففرَّ عبد الجبار ولكن قُبض عليه، وأرسل إلى المنصور فقتله. وخرج عام (150 هجري)،‏ رجل كافر اسمه استاذ سيس فعاث فساداً، واستحوذ خزيمة، فبعثه فقضى عليه. واشتهر من ولاة خراسان حميد بن قحطبة الطائي عام (152 هجري).

ولاية السند في عهد المنصور:

خلع عيينة بن موسى بن كعب الطاعة عام (142 هجري)، فأرسل له المنصور قوة بإمرة عمرو بن حفص بن أبي صفرة، فتمكن عمرو من قهر عيينة، وتسلم ولاية السند والهند، حتى استبدل عام (157 هجري)، بهشام بن عمرو التغلبي. وأعطيت إمرة سجستان لمعن بن زائدة عام (151 هجري)،‏ غير أن الخوارج قد قتلوه في العام التالي.

ولاية الحجاز في عهد المنصور:

كان والي الحجاز زياد بن عبد الله بن عبيد الله بن عبد المدان خال السفاح، فعزله المنصور عام (141 هجري)،‏ وأعطى الولاية لمحمد بن خالد القسري حتى عام (144 هجري)،‏ حيث خلفه رياح بن عثمان المزني الذي حدثت في أيامه حركة محمد بن عبد الله بن حسن، وقضى عيسى بن موسى على هذه الحركة وأناب على المدينة كثير بن حصين ولم يبق فيها سوى شهر واحد إذ أرسل المنصور والياً على المدينة عبد الله بن الربيع، وثار السودان عليه ففرَّ من وجههم مرتين، ثم رده أهل المدينة بعد أن ردعوا مواليهم خوفاً من النتيجة.

عُزل عبد الله بن الربيع عام (146 هجري)، وأعطيت لجعفر بن سليمان بن علي الذي بقي في الإمارة حتى عام (150 هجري)، حتى خلفه عليها الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب حتى عام (155 هجري)،‏ حيث أعطيت إلى عبد الصمد بن علي، أما بقية إمارات الحجاز فقد كان أمراؤها تختلف مناطقهم بين مُدةٍ وأخرى، فقد تسلّم السري بن عبد الله مكة محمد بن علي. وتسلم معن بن زائدة اليمن عام (141 هجري)، ويزيد بن منصور عام (153 هجري)، وتسلّم قثم بن العباس بن عبد الله بن العباس إمارة البحرين.

ولاية مصر في عهد المنصور:

كانت مصر هادئة كعادتها، وتوالى عليها أمراء عدة أيام المنصور، صالح بن علي، وموسى بن كعب، ومحمد بن الأشعث، ونوفل بن الفرات، وحميد بن قحطبة، ويزيد بن حاتم، ومحمد بن سعيد.‎

ولاية إفريقية في عهد المنصور:

رُبّما كانت ولاية إفريقية أكثر الإمارات مُشكلات وذلك بسبب الخوارج الذين نشطوا في حركاتهم فيها، ولبعدها عن مركز الخلافة، ولانشغال الدولة عنها، وهذا ما مكَّن للخوارج فيها، كما مكَّن لعبد الرحمن الداخل في الأندلس. كانت إفريقية في صراع بين الخوارج الأباضية والصفرية وأصحاب النفوذ من آل عقبة بن نافع.

وقامت دولة للخوارج الصفرية في منطقة تافيلالت المُحصنة طبيعياً إذ أنها على هامش الصحراء وفيها المياه، فكانت دولة صحراوية اقتصرت على التجارة، وقد أسسها أبو القاسم سمكو بن واسول الذي عمل هناك راعياً، واتصل مع الرعاة، وأثر فيهم، فلما وصل عددهم إلى أربعين شخصاً بايعوا عيسى بن يزيد الأسود وذلك عام (140 هجري).

ثم دعا أبو القاسم قومه مكناسه إلى مُبايعة عيسى وطاعته، وبُنيت مدينة سجلماسة وغرست أشجار النخيل والعنب، وزرعت الخضراوات، وكانت مياه نهر زيز أساساً لهذه المشروعات، واتجه الصفرية نحو هذه المدينة فزاد عدد سُكانها، وكان قوام أهلها من السودان، والأندلس، والبربر، والعرب وفئات مُختلفة تتبنى كلها المذهب الصفري من الخوارج.

ونُحّي عيسى بن يزيد عن الإمامة، ونُصْب أبو القاسم سمكو، ثم قتل عيسى عام (155 هجري)، وبقي أبو القاسم إماماً حتى عام (168 هجري)، وأصبحت الإمامة بعده في أسرته خلافاً للرأي الخارجي في الإمامة بعدم الوراثة. سالم أبو القاسم سمكو الولاة العباسيين في القيروان، إذ لم ير جدوى من هذه الحركات التي قامت ما دامت دون المستوى المطلوب حتى
عده ابن خلدون تابعاً للدولة العباسية، وقد دعا للمنصور والمهدي، وإن هذه المُهادنة قد جعلت الدولة الخارجية تستمر وتستقر.

ولاية الأندلس في عهد المنصور:

لم يقم عبد الرحمن الداخل بإعلان نفسه للخليفة، إذ يعلم أنه لا يصح أن يكون في بلاد الإسلام إلا خليفة واحد، ومن هذا المنطلق فقد كان يدعو للخليفة من للعباسيين بصفته أمير المؤمنين ويقيم للناس أميراً في موسم الحج، واستمر على هذه الحالة مُدة حتى حدثت عنده أمور منها:

حاول يوسف بن عبد الرحمن الفهري استرداد نفوذه وذلك برأي الصميل بن حاتم، ففرَّ يوسف من قرطبة إلى ماردة عام (142 هجري)، وجمع جيشاً حوله. وأعلن العصيان، وأراد غزو قُرطبة، فسار إليه عبد الرحمن وتمكن من هزيمته وقتله، أما الصميل بن حاتم فقد سجن في قرطُبة ومات في سجنه مسموماً.

وعمل المنصور على القضاء على عبد الرحمن فشجع العلاء بن مغيث الجذامي في باجة على مناهضة عبد الرحمن، والدعوة للعباسيين هناك، وأرسل له الراية العباسية. ولما تقوّى العلاء قام بالثورة عام (147 هجري)،‏ فسار إليه عبد الرحمن غير أنه قد هزم أمام العلاء فسار إلى قرمونة شرق اشبيلية فتبعه العلاء وحاصره فيها مُدة شهرين.

لم يجد عبد الرحمن بعدها بُدّاً من القيام بعملية فدائية فخرج على خصمه بجُرأة مع سبعمئة من أتباعه على حين كان خصومه لا يحصى عددهم، فتمكن من فك الحصار المضروب عليه ومداهمة العدو وقتل العلاء وأرسل رأسه مُحنطاً إلى المنصور أثناء الموسم حيث وضع أمامه، فكفَّ المنصور بعدها عن العمل في الأندلس.

ولُقب عبد الرحمن الداخل بلقب (صقر قريش). عند ذلك قطع عبد الرحمن الخطبة للعباسيين ولكن لم يُعلن نفسه خليفة إذ بقي مُتقيداً بالفكرة الإسلامية، ولم يُحب أن يبدأ بالمخالفة رغم ما أقدم عليه المنصور وحتى المهدي من بعده.

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر صفحة (117 – 123)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: