بعض المصطلحات والمفاهيم الأنثروبولوجية الأساسية

اقرأ في هذا المقال


يوجد مجموعة من المصطلحات والمفاهيم الأساسية في البحوث الأنثروبولوجية العلمية منها مصطلح أنثروبولوجيا المدينة ومصطلح البدنة ومصطلح البناء الاجتماعي.

مصطلح أنثروبولوجيا المدينة:

(Anthropology of City) تثير الدراسة المقارنة للمدن لأسئلة مهمة في الأنثروبولوجيا، خاصة فيما يتصل بعمومية أو خصوصية الفروق الريفية الحضرية التي تسلم بوجودها الدراسات الأنثروبولوجية. وفي هذا السياق تم التمييز بين أنماط مختلفة ومتنوعة من المدن: المدينة قبل الصناعية، والمدينة الغربية الصناعية أو المدينة الصناعية غير الغربية، والمدينة الاستعمارية، ومدينة ما بعد الاستعمار.

كما أجريت دراسات للمقارنة بين هذه الأنماط. وبناء على ذلك فقد تعرضت للنقد التعميمات الشائعة في علم الاجتماع من حيث كونها تعتمد على واقع المدن الغربية. وعلى سبيل المثال فالفكرة القائلة بأن العلاقات القرابية لابد أن تتراجع في المدن هي فكرة غير دقيقة إلى حد كبير إذا ما اختبرناها في مدن ما قبل الصناعة أو مدن العالم الثالث. وقد قدم زيوبيرج نموذج مثالياً للمدينة قبل الصناعية.

حيث ذهب إلى أنها تكون في الأساس مركزاً للحكومة والدين وإلى حد ما للتجارة. وتتجمع الأسر الممتدة سوياً في تجمعات إثنية، وهذا هو النمط السائد للتنظيم الاجتماعي داخل المدينة. ويعتقد زيوبرج أن القوة داخل المدينة تتوارثها صفوة، وتعبر عن وجودها في ميادين الدين والسياسة أساساً، ويحتل التجار مركزاً ثانوياً.

ولقد تعرض النموذج المثالي الذي قدمه زيوبرج للنقد على أنه نموذج عام وذهب النقاد إلى أنه فشل في أن يأخذ في اعتباره التنويعات في نمط المدن قبل الصناعية في أجزاء مختلفة من العالم. فمدن ما بعد الاستعمار بما فيها من سكان مهمشين أو ساكني أحياء واضعي اليد وما ورثته هذه المدن من ميراث استعماري في شكل صيغ اجتماعية وثقافية، تقدم حالات مثيرة للدراسة، كما في حالة المدن في اليابان والتي تطورت إلى حد كبير بعيداً عن النموذج الغربي.

ولقد نظرت الأنثروبولوجيا إلى المدن باعتبارها بيئات خاصة لها صفات نفسية اجتماعية متميزة، وهي فكرة قدمها دوركايم في كتابه تقسيم العمل في المجتمع والتي تركت تأثيرها على مدرسة المتصل الشعبي والحضري. ومع ذلك، وكما ذهب بلانتون فإن مشكلة تعريف المدينة في ضوء علاقتها بظاهرة الحضرية ليست مشكلة بسيطة. لقد عرف زيوبرج المدينة بوجود الصفوة المتعلمة.

أما ويتلي فقد قدم تعريفاً وظيفياً لشعب المدنية باعتباره نمطاً من تركز السكان والأنشطة الاجتماعية المتنوعة. أما المدينة نفسها، أو البلدة Town ، وهي تتميز عن المدينة في ضوء معيار الحجم فهي ليست سوى نتاج للدور المتزايد للتخصص وتركيز النظم الاجتماعية. ومن ثم فإن المدينة كممر للتكامل السياسي الاقتصادي والاجتماعي في منطقة محددة يجب أن تدرس منعزلة عما حولها ولكن في علاقتها بالسياق الإقليمي الذي توجد فيه.

وركزت دراسات الأنثروبولوجيا الحضرية الحديثة على العلاقات بين الجماعات الإثنية في المدينة، وعلى الخصائص الاجتماعية الثقافية للمناطق المتخلفة أو الهامشية، وعلى عمليات الهجرة الريفية الحضرية، وعلى آلاليات العزل والتكامل الجغرافي الاجتماعي والتي تعمل للمحافظة على الطابع المميز لكل مركز حضري.

مصطلح البدنة:

(Lineage) جماعة انحدار قرابي تعرف عموماً بأنها مجموعة من الأشخاص ترجع انتسابها إلى جد مشترك معروف، وتكون البدنة أبوية إذا كان الانتساب إلى الجد في خط الذكور فقط. وتكون البدنة أمومية إذا كلا أن الانتساب في خط الإناث فقط. أما الوحدات الأكبر داخل نسق الانحدار القرابي فيطلق عليها مصطلحات مثل عشائر أو بطون أو عشيرة أبوية. ويختلف تعريف تلك الوحدات الأكبر حسب رؤية كل باحث.

مصطلح البناء الاجتماعي:

(structure Social) مفهوم استخدم على نطاق واسع في مجال الأنثروبولوجيا، ولكن دونما تعريف يحظى بقبول من الجميع. ويستخدم عموماً للإشارة إلى ملامح التنظيم الاجتماعي بما يشتمل عليه من نظم اجتماعية وأدوار ومكانات من شأنها أن تضمن استمرار أنماط السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية عبر الزمن.

وهكذا يشير مفهوم البناء الاجتماعي إلى الآليات التي تكفل الاستمرار الاجتماعي أو الحفاظ على ما هو قائم، أو إعادة الإنتاج الاجتماعي بلغة التحليل الماركسي. وقد ارتبط هذا المصطلح في الأنثروبولوجيا بنظريات راد كليف براون عن البنائية الوظيفية وأعمال غيره من الأنثروبولوجيين البريطانيين.

ولعله لهذا السبب يتجنب كثير من الأنثروبولوجيين من غير أتباع هذه النظرية إلى استخدام هذا المصطلح بسبب دلالته الاستاتيكية، ونظرته اللاتاريخية للأنساق الاجتماعية. ومن هذا كثر ما تعرض المدخل البنائي الوظيفي للنقد بسبب افتراضه أن الأنساق الاجتماعية عبارة عن مجموعات متناغمة وغير متغيرة نسبياً من المعايير والأدوار والمكانات التي يتلقاها الفرد أو يمارسها بسلبية.

لهذا ساد الاعتقاد بأن هذا التصور للبناء الاجتماعي ينطوي على فهم استاتيكي للمجتمع، وعلى حتمية سوسيولوجية عارضتها باضطراد الأنثروبولوجيا الحديثة. ثم جاءت النظرية البنيوية في تراث ليفي شتراوس لتولد المزيد من النقد لفكرة البنائية الوظيفية عن البناء الاجتماعي. فقد هاجم ليفي شتراوس نفسه الفهم المغرق في الإمبيريقية للبناء الاجتماعي كما لو انه شيئاً يمكن ملاحظته أو تجريده من السلوك الاجتماعي الفعلي الذي يمارس في الواقع.

حيث طرح ليفي شتراوس بدلاً من هذا فكرة مؤداها أنه يمكن فهم بناء المجتمع كمنظومة من المبادئ الأساسية التي تتحكم في التعبير الإمبيريقي عن الأنساق الاجتماعية.

مصطلح البيولوجيا الاجتماعية:

عّرفها ولسون Wilson ١٩٧٥ بأنها دراسة الأساس البيولوجي للسلوك الاجتماعي. ولعل المشكلة الأساسية التي واجهها هذا المصطلح هى الآليات المسئولة عن تطور وتجدد هذا السلوك ذو الطابع الوراثي على الرغم من أنه من غير المفيد للفرد الانغماس فيها، أي مشكلة تطور السلوك الإيثاري. فنماذج تفسير مثل هذه الظاهرة تنقسم إلى فئتين عامتين الأولى خاصة بانتخاب الجماعة والثانية خاصة بانتخاب القرابة.

فنظريات انتخاب القرابة أو “الإيثارية القرابية” تدرس الظروف التي في ظلها يدعم الانتخاب الطبيعي ويعزز زيادة الجينات (الموروثات) المؤثرة على السلوك الإيثاري، كما هو الحال، على سبيل المثال، عندما يؤدى سلوك التضحية بالذات ليس إلى دعم بقاء الفرد، وإنما الحفاظ على أقاربه، وهو الأمر الذي يزيد من فرص بقاء الجينات المرتبطة بهذا السلوك الإيثاري.

وعلى هذا عدلت النظرية الداروينية الصلاحية للبقاء عن طريق استحداث مفهوم “الصلاحية الشاملة” أي الطراز التكويني للفرد وسلوكه في سياق سلوك جيرانه. وتذهب نظريات الانتخاب الجماعي إلى أنه يلاحظ لدى الجماعات البطيئة التوالد يؤدي التطور الوراثي إلى التقليل من حدوث السمات المميزة اجتماعياً، ومن ثم تؤثر على التطور الثقافي. ومن المشكلات البارزة المتصلة بتطبيق هذه النظريات على تطور الثقافة والسلوك الاجتماعي.

هي أنها لا تأخذ في اعتبارها السلوك المتعلم أو عملية النقل الثقافي، ولا تعقّد الدافعية البشرية. فكما أوضح سالينز إن استخدام نماذج تعظيم العائد (التكلفة والعائد) في السلوك البشري، تمثل استخلاصاً غير مشروع من المفاهيم الوراثية لتعظيم الصلاحية. بمعنى آخر إن الأفراد لا يستهدفون تعظيم الصلاحية أو التكاثر، وإنما يتأثرون في سلوكهم بمجموعة كبيرة من الأهداف والقيم.

من هنا توجد صعوبات بارزة تكتنف محاولة استخدام نماذج البيولوجيا الاجتماعية في تفسير التطور غير الوراثي (الثقافي). تبادل Exchange يشير هذا المفهوم الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتبادل الودي، وبالاتصال أيضاً، إلى إقامة العلاقات بين الأشخاص والمحافظة عليها. ولكي توجد العلاقات الاجتماعية يجب أن نتبادل بعض الأشياء، سواء ان ذلك التبادل تبادلاً اتصالياً باللغة أو تبادلاً اقتصادياً أو طقوسياً للسلع، أو تبادلاً لشراء العلاقات الزوجية.

وقد يكون التبادل متساوياً أو غير متساو، متكافئاً أو غير متكافئ. وتقودنا دراسة آلاليات التبادل وأنماط التبادل ودوراته، وعلاقات التبادل، تقودنا مباشرة إلى لب التنظيم الاجتماعي والثقافي. وبهذا المعنى الواسع، تكون دراسة التبادل هي دراسة الأنثروبولوجيا ذاتها، كما تعد نظرية التبادل ذات أهمية أساسية بالنسبة لعدد من المجالات المتنوعة مثل الأنثروبولوجيا الاقتصادية، والقرابة، ونظرية التحالف، والبنيوية، والأنثروبولوجيا السياسية، ونظرية الفعل وتحليل شبكة العلاقات.إلخ.

ونجد في أعمال ليفي تراوس وعلماء الأنثروبولوجيا الآخرين المتأثرين بالنظرية البنيوية، اتجاهاً نحو توحيد المجالات المختلفة: كالتبادل الزواجي والتبادل الاقتصادي والاتصال اللغوي ومحاولة تفسير  هذه المجالات المختلفة في ضوء نماذج بنيوية متشابهة. وهكذا يساوون بين تبادل الكلمات والسلع والنساء بوصفها جميعاً تعبيرات عن نماذج أساسية ومتشابهة للتبادل.

غير أن هذا الاتجاه قد تعرض للنقد لفشله أن يأخذ في الاعتبار الأبعاد السياسية والاستراتيجية لعلاقات التبادل، وهي الأبتعاد التي يتناولها بالتحليل على سبيل المثال تحليل الشبكة ونظرية الفعل. وحديثاً حاول بعض علماء الأنثروبولوجيا مثل فيكتور تيرنر Turner ،ونورمان ويتين ، وفردريك بارث Barth ،وأبنركوهن Cohen وآخرون غيرهم التأليف بين هذين المنظورين من خلال دراسة استراتيجيات التكيف، ومعالجة المجالات الرمزية المعرفية في إطار السياقات السياسية.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: