بين سطور الخرافة

اقرأ في هذا المقال



يخاف الكثيرون من الغراب، أو بشكل أدق يرونه نذيرًا للشؤم، وهذا يقع في نطاق الخرافات، والخرافة كما أسلفنا هي “اعتقاد أو فكرة قائمة على التخيلات ولها تداعيات دون مسبب أو تأويل منطقي”، وهي بالتأكيد موجودة في كل ثقافات الشعوب، بمقدار متفاوت أحيانًا كثيرة ، مع تشابه بالمعتقدات أحيان أخرى، وقد تكون الخرافة دينيّة أو اجتماعية أو ثقافية وحتى شخصية، أي اختراعات الأفراد لخرافات خاصة بهم، على سبيل المثال: كلما وضعت زيتًا على البيض المسلوق في الصباح، يأتيني خبر سعيد… وهكذا.

عن الخرافات التي نصدقها:

في هذا المقال بعض الخرافات من بلادنا العربية، ومن بلدان غير عربية، إذ تتشابه الخرافات بالغرض والتداعيات، على أن الخرافات غالبًا ما يكون نتاجها التشاؤم والحظ السيء، فربما يرى الشخص فراشة فيعتقد أن هذا يجلب الحظ الجيد، وكذلك “براز الطير”، يشير إلى “الرزق” أو “هدية” أو “خير”. ومن الأشياء الغريبة هو أن الخرافات معروفة بشكل جيد، ومتناقلة عبر الأجيال، لكن بالطبع لا يعرف أحد من أين جاءت، والأهم من ذلك فعلى الرغم من أنها خرافات، ونعرف أنها كذلك، فما نزال نصدقها.

أشهر الخرافات السائدة عند الشعوب:

لعل الخرافات الأكثر شهرة، والتي يعرفها أغلب الناس، “دلق القهوة” وتأويلها أن “دلق القهوة خير”، وحين ينكسر كأس أو صحن، يُقال: “انكسر الشرّ”، مع أننا في أعماقنا لا نصدق “أنه انكسر” فعلًا، وأما الخرافة الثالثة وهي التي تتعلق بالأحذية، إذ أنه إذا شوهد الحذاء مقلوبًا، فالواجب إعادته إلى وضعيته الصحيحة، للاعتقاد السائد أن هذا يؤذي الملائكة فلا تدخل إلى المنزل، بالإضافة إلى المقص، فقد يرى الشخص مقصًا مفتوحًا على الطاولة، ويمر بجانبه، ويقول في نفسه: “سخافة أن يكون المقص بهذا الوضع نذير شؤم وأذى”، ثم يعود إليه بعد ثوانٍ ويغلقه.

الدورة الشهرية والزواج:

في مصر يسود اعتقاد أن المرور من فوق امرأة حائض قد يسبب لها الشلل، وكرد فعل لهذا وجب أن يمر مرة أخرى من فوقها كي لا يصيبها هذا المكروه، ومن معتقداتهم أن المرأة إذا جلست عند زاوية الطاولة، فهي لن تتزوج أبدًا، وهذه خرافة منع إشعال سيجارة من الشمعة، لأنهم يعتقدون أنهم حين يشعلون سيجارة من الشمعة فقد يموت ملاك أو بحّار.

السفر والبيت:

اعتقاد أن “دلق القهوة خير”، يقابله اعتقاد أن سكب ورش المياه يشير إلى الفراق، وقد يختلف البعض حين يقومون برش الماء عند عتبة الباب إذا غادر شخص عزيز، والتأويل كي يعود قريًبا، أو لا يصيبه مكروه في سفره، وبالمقابل عند آخرين لا يمكن أن تُمسح أرض بيت بعد سفر أحد أفراده إلا حين يصل إلى هدفه، وكذلك عدم وضع المكنسة عند عتبة البيت، وعدم قص الأظافر في الصباح، إذ يسود اعتقاد أن قص الأظافر في الصباح يجلب الحظ السيء أيضًا.
ومن الخرافات الروسيّة، والتي تؤكد بأن الخرافات أساسها واحد، إذ تقول الخرافة: “الرجعة علامة سيئة”، يعني حين يخرج المرء من البيت ممنوع أن يرجع إذا نسي شيئًا، وإذا اقترب أحدهم من آخر وصافحه بيده، وبالصدفة داس على رجله، فيلزم أن يدوس الآخر على رجله بالمقابل، لتجنب حصول حرب وصراع بينهما، وهذه الخرافة ترتبط بقصة من الذاكرة الشعبية الروسية القديمة، وتحديدًا حين اختلف الأخوة ألكسندر وسيرغيي، وتم مصالحتهما على يد الكنيسة، لكن أحدهما داس على قدم الآخر وقت المصافحة، فما كان منه إلا أن استعان بالمغول ضد أخيه، فأصبحت العادة تشير إلى الحظ السيء.
خرافة أخرى من روسيا مفادها بأنه: “قبل السفر وقبل مغادرة البيت، يجب الوقوف دقيقة إلى جانب الباب قبل أن يتم فتحه”، وهذه الخرافة تشبه خرافة عربية من فلسطين، مفادها: “إذا خرج أحدهم من البيت بقصد السفر، فالواجب عليه أن يخرج من باب البيت ويمشي خطوتين وثم يرجع ويدخل البيت، يجلس دقيقة وبعدها يغادر، وتأويل الخرافة تلك حتى يرجع إلى أهله وبيته بالسلامة”.
هناك خرافات تؤمن بها شعوب ذوو ثقافات مختلفة متباينة في شتى بقاع العالم، “والمقص والمطر والولادة في الأحلام واجتياز عتبة البيت و”كسر الشر” كلها معتقدات نحييها على الرغم أننا لا نعرف أصلها ونقرّ بأنها خرافات، غير أننا نصدقها.

خرافات لا نهائية للنساء:

بالإضافة إلى الدورة الشهرية ومنع الجلوس عند زاوية الطاولة وخرافة عدم الزواج، في تونس يعتقدون أن الصبية التي تقوم بأكل ما يتبقى في أوعية الطعام سيكون يوم عرسها مطر، ولا نزال مع الخرافات التي تخص النساء، إذ أن وضع الحقيبة على الأرض، يجعل من صاحبتها “فقيرة”، وهو اعتقاد شائع في بعض بلدان أمريكا الجنوبية، وتعتقد بعض النساء في مصر أنه: “لو عبرت المرأة بين نخلتين، فهذا فأل سيء يشير إلى أنها ستبقى عانسًا ولن تتزوج أبدًا”، وهناك خرافة أخرى مفادها أنه إذا دخلت إحداهن وهي حائض على أخرى نفساء، فهذا يؤدي إلى أن ينقطع حليب الرضاعة”.
خرافة أخرى غاية في الغرابة تقول أن المرأة إذا لم تشرب كأسها أيًّا كان الذي بداخله، حتى النهاية، فهذا إشارة إلى “عنوستها”، ومن الجدير بالذكر أن كلمة “عانس”، هو وصف ذكوري في الأصل، مستمد من التمييز الجندري ضد النساء، والعقلية الذكورية للمجتمعات التي ترى النساء “صالحات” أكثر مع الزواج، ولا ننسى أنه إذا رغبت إحداهن بالزواج، فكل ما عليها أن تقوم بقرص صديقتها المتزوجة حديثًا في ركبتها كي يأتي دورها في الزواج من بعدها، هذا على الأقل ضمان أكثر للزواج بالمقارنة مع التقاط باقة زهور العروس بعد زفافها.
ومن المهم أيتها المرأة أن تشربي من فنجان منقورة”مكسورة حوافه”، إذ سوف تتزوج من تفعل ذلك بأرمل، وكأن الإنسان قيمته أقل لمجرد أن شريكه مات، وقيمته أقل بنصيبه الذي لا سيطرة له عليه، الخرافة الأخيرة المتعلقة بالنساء، وهي إن أخذت المرأة فنجانًا من القهوة دون صحنه الذي قُدّم عليه، فهذا اعتقاد يعني أنها لا تحب أم زوجها.

الشمسية والأذن وحك الأيدي:

من أغرب الخرافات التي قد يسمعها المرء خرافة “ممنوع فتح الشمسيّة” المظلة” داخل البيت”، فلماذا الواجب عدم فتح مظلة داخل البيت؟ ولماذا سيجلب هذا الفعل حظًّا سيئًا؟ من المظلّة إلى خرافات الجسد المتعلّقة بالأذن والأيدي، إذ يعتقد الكثيرون في بلادنا العربية وآخرون من شعوب العالم أنه “إذا طنّت الأذن اليمنى، فسيكون هناك أحد محبّ يذكر من طنّت أذنه بخير، وأما إذا طنت الأذن اليسرى فالعكس تمامًا هو الذي يحدث، فسيكون أحدهم يذكر صاحبها بالسوء.
وكرد فعل غريب على هذا الاعتقاد يبقى من يشعر بِطنة الأذن يكرر أسماء الأشخاص الذين يعرفهم واسمهم الذي يتوقف عنده طنين الأذن فهو الشخص الذي تكلم وذكر صاحب طنة الأذن في غيابه، وأما حك الأيدي فتقول الخرافة عنه أنه إذا قام الشخص بحك يمينه، فهذا يشير إلى أنه سيحصل على نقود، وإذا حكّ اليسرى، فتأويلها أنه سيدفع النقود، فما هو المنطق في ذلك؟
 

الضحك – فأل سيء:

الخرافات كثيرًا ما تتشابه في ثقافات الشعوب، لكن المرء يكاد يجزم أن هنالك خرافة واحدة مخصصة لثقافات المنطقة العربية، وهي تلك التي ترتبط بالضحك، فقد يجلس الشخص لساعات مع عائلته أو أصدقائه، فينهال على تلك الجلسات كم هائل من النكت والمواقف الساخرة، فيضحكون بشكل متواصل، إلى أن يخرج فاصل من الرعب من فم أحد الحاضرين: “الله يستر علينا من الضحك” أو يقول: ” الله يعطينا خير هالضحك”، فتنقلب الأجواء تمامًا، إلى حالة من النكد المطلق النابع من خرافة أن كثرة الضحك تجلب الحظ السيء.
وعلى سيرة النكد، يُقال أيضًا أن الدوس على قشر الثوم، عن طريق الخطأ طبعًا، يجلب النكد والتشاؤم، ومن يأكل قشر البطيخ يصبح أصلعًا، وهذه الخرافة للرجال فقط، ومن يعد نجوم الليل، فلا بد أن يحظى بثآليل في جسده وفق ما تقول الخرافة.

خرافة ديجيتال:

ماذا عن الأرقام التي تأخذ أيضًا حيّزًا كبيرًا من الخرافات في حياتنا، حيث أن أغلب الناس يحبون الأرقام عمومًا ويصدقون تلك الخرافات التي حيكت حولها، غير أن هناك أرقامًا يتفق عليها عامة من يؤمنون بالخرافات بأنها تجلب “الحظ السيء”، فعلى سبيل المثال يعد الرقم 13 رقم النحس ونذير الشؤم في الغرب، لدرجة أن هنالك من يعاني مما يُطلق عليه “رهاب العدد 13″، وكامتداد لمسألة خرافات الأرقام، يؤمن البعض في شتى بقاع الأرض بأن تطابق الأرقام يجلب الحظ الجيد والفأل الحسن.

هل تتحقق الأحلام؟

لعل الخرافات مرتبطة على الأغلب بالتشاؤم، وقد ترتبط بالحظ السيء أو النكد والنحس، وبعضها الآخر بالحسد، وذلك بالتأكيد يحتاج إلى أبحاث ودراسات مطولة ومتعمقة عن ثقافات وإرث الشعوب، والرعب المتأصل من المجهول والذي عاشه ويعيشه الإنسان على مر العصور.
وفي ظل الثقافات الاجتماعية والدينية وغيرها، إذ أن هناك خرافات نفعلها وتلك تكون رد فعل على شيء ما، بالمقابل يوجد خرافات لا سيطرة مباشرة لنا عليها، مثل تلك التي تظهر في المنام؛ كظهور شخص ميت في الحلم، أو فقدان الأسنان أو الدم أو ولادة طفل ذكر أو أنثى وغيرها الكثير.
ولا ننسى أن خرافات الأحلام، لكل امرئ تفسيراته الشخصية حيالها، وذلك كي يعيش المرء في عالمٍ موازٍ وجميل، خاصة في المنامات التي يحقق فيها رغبات حبّ مثلًا، هذه الأحلام لا نحكيها، والسكوت عنها مستمد من الخرافة التي تقول: “ممنوع تحكيها بالليل، لازم مع طلوع الشمس”، وذلك كي تتحقق.

المصدر: الخرافات هل تؤمن بها؟ سمير شيخانى، 2011الإنسان والخرافة،أحمد علي موسى،2003سيكولوچية الخرافة والتفكير العلمي، عبدالرحمن الصاوي، 1982معجم اعلام الاساطير و الخرافات في المعتقدات القديمة، جورج اليسون، 1999


شارك المقالة: