تدهور الزراعة في الإقطاع السلجوقي

اقرأ في هذا المقال


تدهور الزراعة في الإقطاع السلجوقي:

لقد كان من نتائج الإقطاع السلجوقي تدهور الأرض الزراعية وتحول مساحات واسعة من الأراضي الخصبة إلى أراضي قاحلة مهجورة تحت تأثير وأضبطها والمقطعين. كان الجيش السلجوقي مصدر قلق للمجتمعات الريفية بسبب هجماته المتلاحقة على القرى ونهبها وتدمير محاصيلها الزراعية، فقد عانت قرى العراق وبلاد الشام من تلك الهجمات بحيث اضطر أغلب الفلاحين إلى هجر قُراهم وأراضيهم الزراعية.

لقد أدت سيطرة المقطعين إلى انخفاض مستوى الإنتاج الزراعي وهي صفة عامة اشتركت بها كل أراضي العراق والشام والجزيرة، ذلك أنَّ المقطعين جعلت رواتبهم من تلك الأراضي وكان هؤلاء يهمهم الربح المالي على حساب عمرانها فقد أثقل الفلاحين بالضرائب الباهضة فضلاً عن أعمال السخرة، هذا الأمر انعكس على أهم مورد اقتصادي والشريان الحيوي للاقتصاد العربي الإسلامي فضلاً عن الخراب الذي جلبه الإقطاع السلجوقي وسبب هجرة الفلاحين إلى مناطق أكثر أمناً في الوقت التي كانت فيه تلك القرى عامرة وفيرة الإنتاج.

التخريب الاقتصادي من قبل العساكر السلاجقة:

إنَّ التخريب الاقتصادي للزراعة من قبل العساكر السلجوقية قد اتخذ اتجاهين يمكن تحديدها من خلال المعلومات المتوفرة في المصادر التاريخية، من خلال أعمال النهب والتخريب التي تعرضت له الأراضي الزراعية والثاني إهمال مشاريع الري والسدود.

لقد جلبت العساكر السلجوقية الفوضى والخراب للأراضي الزراعية في العراق وبلاد الشام بسبب حالة الصراع المستمرة والحروب التي نشبت بين الأمراء السلاجقة والتي انعكس على الواقع الزراعي، فلقد تعرضت الأراضي الزراعية الواقعة على طريق مرور العساكر السلجوقية إلى الدمار الشامل، يصف ابن الأثير حالة القرى والأراضي الزراعية في ظل سيطر الإقطاعيين العسكريين، وحالة الصراع والحروب المستمرة بينهم بقوله أنَّ الحروب التي نشبت بينهم سببت الفساد، وصارت الأموال منهوبه والدماء مسفوكة والبلاد مخربه والقرى محرقه.

ولا تختلف حالة الأراضي الزراعية في بلاد الشام عن أراضي العراق؛ إذ أنَّ الأعمال كانت قد اضطربت والمسالك قد اختلت وانطلقت أيدي الأتراك في الإفساد في الأطراف والعبث في سائر النواحي.

كانت العساكر السلجوقية تدخل القرية وتثقل أهلها بالضرائب فضلاً عن تعرض محاصيلها الزراعية إلى النهب والذي يبقى فهو خراب لا ينتفع به، فقد تعرضت قرية بنارق الواقعة بين بغداد النعمانية إلى التخريب من قبل العساكر السلجوقية، ونهبوا مزارعيها وأثقلوا عليهم حتى اضطروا إلى هجرها في ظلام الليل، وأصبحت تلك القرية خراب بعد أنّ كانت عامرة. ونتيجة أعمال النهب لقرى بلاد الشام، لم يبقَ في أعمال حلب ضيعة مسكونه بين المعرة إلى حلب.

إنَّ إعطاء المزيد من الأمثلة لحالة التخريب والنهب للقرى الزراعية يُعطي صورة واضحة وجلية على حجم الدمار الهائل، الذي خلفه المقطعين العسكرين والذي ترك آثاراً واضحة على حالة الزراعة في العراق وبلاد الشام .

إنَّ الأراضي الزراعية التي تعرضت إلى التخريب كانت تمثل عنصر أساسي لديمومة الاقتصاد العربي والتي كانت تمثل الثقل الاقتصادي له، يذكر ابن الأثير أنَّ الجيش السلجوقي انتشر في سواد العراق ونهبوا الأراضي الزراعية وتعرضت المناطق الواقعة غرب تكريت، إلى أعمال نهب وتخريب، (وخرب السواد وأجلى أهله).

وتعرضت مدينة عكبرا الواقعة شرق دجلة، إلى أعمال نهب وكذلك فاكهة وزراعات واسعة. تعرضت تلك الأراضي إلى تلك الأعمال وسرقت عساكر المواشي الفلاحين وباعوها في بغداد بأبخس الأثمان وخربت تلك القرى وبعضها لم يبق له أثر وهرب أثر أهلها.

وتعرضت مدينة واسط التي كانت كثيرة الشجر والنخل والزرع وبساتينها متصلة معمورة، وكانت تعد من أعمر بلاد العراق، تعرض إلى أعمال النهب من قبل العساكر السلجوقية حتى أنَّ بعض أعمالها مثل يهمن أردشير والتي كانت كورة واسعة في أسفل واسط تعرضت إلى الخراب ودرس أثرهال. وتعرضت كورة الدجيل في السنوات (488 / 495 هجري)، إلى أعمال نهب وأصبح الفلاحين في ضيق من ذلك.

وتقع هذه الكورة شمال مدينة بغداد وكانت من الغنى والازدهار بحيث يضرب بها المثل بسبب وقوعها على نهر الدجيل فقد تعرضت هذه الأعمال إلى النهب والتخريب، منها أوانا التي تُعد من أعمال هذه الكورة كانت كثيرة البساتين، إلى أعمال نهب من قبل العساكر السلجوقية وقاموا بأعمال لصوصية وفرضوا الأتاوات على الفلاحين، وحدث الأمر نفسه في باجسرى، التي كانت كثيرة النخيل والزروع والتي (نهبت أفحش نهب).

ثم عادت العساكر السلجوقية الى نهب كورة الدجيل سنة (543 هجري)، وخربت القرى وانهزم الفلاحين إلى بغداد، وأخذوا الغلات الزراعية وصادروا أموال الفلاحين حتى أنَّ أحد وعاظ بغداد ويُدعى الغزنوي الواعظ، أعلت عن تذمره واستياءه من هذه الأعمال الشنيعة بقوله (لو جاء الأفرنج لم يفعلوا هذا أي ذنب لأهل القرى والرساتيق).

لقد ركزت العساكر السلجوقية أعمال نهبها على القرى الزراعية في سواد العراق باعتبارها من أخصب المناطق الزراعية ذات الإنتاجية العالية، إنَّ هجماتهم كانت مستمرة وبشدة بحيث أصبحت تلك الأراضي وخلال فترة زمنية من أفقر الأراضي وبعضها اختفى تماماً مثل (جوخا)، التي كانت كورة واسعة في سواد بغداد لم يكن ببغداد مثلها وكان خراجها ثمانين مليون درهم خربت تماماً.

وقرية (الداهرية)، قرب بغداد يضرب بها المثل في خصبها وغناءها وكان أهل بغداد يقولون (أيش لك عندي خراج الداهرية)، لم يبق منها شيء. وقرية (بشيني)، من سواد بغداد كانت تحتوي على ناعورتين للزروع خربت ولم يبق منها شيء. وقرية (زرفامية) قرية كبيرة من نواحي قوسان أصبحت خراب، كان من نتيجة خراب تلك القرى تدهور الحالة الاقتصادية للسكان بحيث اضطر بعضهم إلى أكل النخالة.

وعانت قُرى واسط من الهجمات المستمرة للجند السلجوقي، ففي سنة (556 هجري)،‏ تعرض سواد واسط إلى أعمال نهب وتخريب من قِبَل العساكر السلجوقية القادمة من خوزسستان فنهبت القرى وقتلت أعداد كبيرة من أهلها، ولم يسلم سواد البصرة من تلك الأفعال، ففي سنة (562 هجري)، تعرضت الأراضي الزراعية للنهب من قِبَل عساكر صاحب خوزستان وخربت الجهة الشرقية من البصرة.

لقد استهدفت السياسة الإقطاعية السلجوقية بشكل أساسي تخريب الاقتصاد العربي الإسلامي من خلال عمليات النهب والتخريب والقتل والتي جلبت الدمار الشامل، لقد وصل الوضع المتأزم إلى حالة يُرثى لها، فالقرى مخربة والسواد معطل والفلاحين فارين منهزمين ناجين بأنفسهم تاركين أموالهم وأراضيهم تحت سيطرة المقطع واختل التوازن الاقتصادي للدولة ووصل الحد إلى أنَّ أحدهم بعث رسالة إلى السلطان مسعود سنة (546 هجري)،‏ يقول له (أنت تامر بعمارة القرى وعساكرك يخربون المدن والقرى وينهبون الأموال).

وتعرضت قرى الشام وأهلها إلى النهب والسلب ففي سنة (462 هجري)،‏ نهب قرى حلب وكانت العساكر السلجوقية قد نهبت كل ما قدرت عليه. وتعرضت المزارع وقرى الفلاحين إلى أعمال لصوصية، فقد قدر ما سرق من الماشية نحو أربعمائة ألف رأس شاة.

تدهور الري في الإقطاع السلجوقي:

في سنة (464 هجري)،‏ تعرضت أعمال دمشق إلى نهب أدت إلى تلف المحاصيل وقلت الأقوات وضاق الأمر على الفلاحين، بحيث إنَّ الماشية التي سرقت ونتيجة كثرة أعدادها باعوا الجمل الواحد بدينار وكل مائة شاة بدينار.

إنَّ إهمال المشاريع الأروائية وعدم صيانة السدود كانت سمة السياسية السلجوقية في العراق التي دمرت الشبكة الإروائية القائمة بين نهري دجلة والفرات والتي كانت قائمة وفق نظام فني دقيق، بحيث أصبحت هذه المنطقة عامرة بالمدن والقرى، لقد أصبحت هذه الشبكة في حالة وإهمال تام بسبب اضطراب الأوضاع العامة نتيجة الاحتلال السلجوقي للعراق التي أهملت المشاريع الإروائية، خصوصاً أنَّ العراق قد شهد خلال سنوات الاحتلال فياضانات مدمرة سببت في هلاك المحاصيل الزراعية.

فضلاً عن امتلاء الجداول والأنهار المتفرعة بالطمي وإهمال كريها أخذت تندثر وتزول فقد ضرب أهم مشروع إروائي في العراق وهو (النهروان)، ذلك أنّ السلاطين السلاجقة لم يبذلوا جهود حقيقة ومحاولات جدية في مشاريع الري على نحو يمكن مقارنة بمنشآت الري في العصور العباسية الأولى.

إنَّ إهمال مشاريع الري والحملات العسكرية للسلاطين السلاجقة أدت إلى تخريب كثير من السدود والنواعير المقامة على الأنهار، فقد ذكر ابن الجوزي أنَّ العساكر السلجوقية دمرت (270)‏ دولاب في الجانب الغربي من بغداد. كان الجانب الشرقي من بغداد يُسقى بواسطة نهرين هما النهروان تامرا (ديالى).

لقد دب الخراب في نهر التهروان خلال القرن الخامس الهجري واختفى تماماً خلال القرن السادس الهجري. كانت مهمة نهر النهروان مزدوجة فبالإضافة إلى كونه يستخدم في سقي المزروعات والبساتين القائمة عليه فإنه يعمل على تصريف مياه نهر دجلة أثناء الفيضانات، كان يحتوي في فوهته أبواب تسد وقت شحة المياه وتفتح عنده الزيادة في المياه، وكذلك يعمل على تخفيف منسوب نهر ديالى عند زيادة، فالنهروان السد المنيع الذي يعمل على تقليل مخاطر الفيضان عن بغداد وحماية القرى الزراعية.

لقد كانت جهود السلطة السلجوقية محدودة وغير مجدية في إصلاح النهروان وقد انحصرت الجهود فيما قام به عميد العراق أبو جعفر محمد بن الحسن العراقي في سد بشق النهروان بسبب كثرة الحروب بين السلطان بركروق ومحمد، وأعمال بهروز الخادم الذي قام سنة (534 , 536 هجري)، بإصلاح النهروان وصرف عليه سبعون ألف دينار.

رغم جهود بهروز إلا أنَّ النهروان بقي لا ينتفع به أحد ولم يعمل من أتى بعده على إصلاح ذلك النهر. ففي سنة (546 هجري)، انفجر بشق النهروان بسبب زيادة نهر ديالى. يعلل ياقوت الحموي بكتابه معجم البلدان الذي دونه سنة (615 هجري)، سبب خراب النهروان في عهده بحيث ليس له أثر، يُذكر سبب خرابه كثرة الحروب والقتال المستمر بين الأمراء السلاجقة وكان النهروان مسرحاً لتلك العمليات، وكذلك كونها إحدى الطرق التي سلكتها العساكر السلجوقي أثناء احتلالها بغداد، فقد وصل طغرل بك السلجوقي إلى النهروان ومعه خمسون ألف مُقاتل.

كانت كورة النهروان من أجمل نواحي بغداد وأكثرها دخلاً وأحسنها منظراً وأبهاها فخراً، وتعرضت أعمالها إلى الخراب كانت أسكاف العليا بين بغداد وواسط وأسكاف السفلى أسفل الهروان وكانتا عامرتين أصبحا خراب بخراب النهروان، و(جرجرايا)، وهي من أعمال النهروان كانت مدينة عامرة. وحولايا ودير العاقول كان بلداً عامراً وذات أسواق وخرب بخراب النهروان وكذلك الصافية.

كانت هذه الأعمال ذات دخول عالية سبب غلاتها الكثيرة من الفواكه والحبوب والكروم والسمسم بالإضافة إلى كثافتها السكانية العالية. لقد أدى خراب النهروان إلى حدوث أزمة في النظام الإروائي أدى إلى اندثار المستوطنات الريفية وتحولها إلى مواقع أثرية كشفت عنها المسوحات الأثرية.

أما الجانب الغربي من بغداد فكانت القرى والبساتيق تُسقى بواسطة نهر عيسى الذي يجري من نهر الفرات ويصب في الجانب الغربي من بغداد ليسقي بساتينها وضياعها.

المصدر: ❞ كتاب الإقطاع في الدولة العباسية ❝ مؤلفه د. محمد حسن سهيل الدليمي صفحة (246 – 257).❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفه سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث.❞ كتاب الخلافة العباسية في عهد تسلط البويهيين ❝ مؤلفته د. وفاء محمد علي. ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفه د.محمد سهيل طقوش.


شارك المقالة: