توزيع الإقطاع السلجوقي في بلاد الشام

اقرأ في هذا المقال


إقطاع مدينة دمشق:

توجهت أنظار السلاجقة نحو بلاد الشام من أجل إزاحة خطر الدولة العبيدية في مصر من بلاد الشام، فقد توجه أحد أمراء السلطان ألب ارسلان اتسزبن أوق الخوارزمي قاصداً مدينة دمشق فحاصرها واستطاع من دخولها في هذه الأثناء أرسل بدر الجمالي قواته لإحتلال دمشق، فأرسل أتسز إلى تاج الدولة تتشى يطلب منه إنجاده. في سنة (471 هجري) أقطع السلطان ملكشاة أخاه تتش بلاد الشام ومن ضمنها مدينة دمشق.

استطاع تاج الدولة تتش توسيع نفوذه في بلاد الشام وفي عدة مناطق فقد استولى على بحيرة طبرية وما يجاورها وكذلك بيت المقدس الذي أقطعه إلى أرتق بن أكسب أحد أمراء جيشه. وفي سنة (474 هجري) استولى على انطرطوس.

وفي سنة (483 هجري)، ملك حمص وفي سنه (485 هجري)،‏ ملك الرحبة وفي سنة (486 هجري)،‏ ملك ديار بكر. وفي سنة (496 هجري)،‏ استولى على بعلبك وأقطعها إلى مملوكه كمشتكين الخادم الذي بقي فيها إلى سنة (530 هجري).‏ وأقطع معرة النعمان واللاذقية إلى الأمير ياغي سيان صاحب أنطاكية.

بعد وفاة تاج الدولة سنة (488 هجري)،‏ خلفه ولده الملك دقاق وأتابكة طغتكين في حكم دمشق واستطاع ظهر الدين طغتكين من تأسيس أول أتابكية في منطقة بلاد الشام، استمرت في حكمها إلى سنة (549 هجري)،‏ عندما استولى عليها الأتابك نور الدين محمود بن عماد الدين.

إقطاع مدينة حلب:

توجه السلطان ألب ارسلان نحو أنظاره إلى منطقة حلب وكان أميرها محمود بن نصر بن صالح الذي أقره في إمارته وخلع عليه وقام بإرسال له توقيعاً بإقطاعه. في عام (470 هجري)، أقطع السلطان ملكشاه مدينة حلب إلى الأمير مسلم بن قريش العقيلي مقابل أن يقوم بتقديم له مبلغ من المال قدره ثلاثمائة ألف دينار.

في سنة (478 هجري)،‏ قتل الأمير مسلم فانتقل حكم حلب إلى أيدي الأمراء السلاجقة فقد أقطعها السلطان ملكشاه إلى مملوكه الأمير قسيم الدولة، وبقيت في يده إلى أنّ قتل سنة (487 هجري).‏ ثم آلت مدينة حلب إقطاعاً إلى تاج الدولة تتشى ورتب فيها نائب عنه.

بعد مقتل تتش سنة (488 هجري)،‏ تولى ابنه الملك رضوان حكم حلب وكان سيء السيرة مع أهلها عاجز عن قتال الأفرنج، قتل الملك رضوان سنة (507 هجري)،‏ تولى ابنه ألب ارسلان الذي لم يستمر سوى سنة واحدة حيث قتل سنة (508 هجري)، جاء بعده أخوه سلطان شاة بن رضوان، وفي سنة (511 هجري).

تولى أمر حلب إيلغازي بن أرتق وأناب بها ابنه تمرتاش الذي لم يستطيع من الصمود أمام القوات الأفرنجية المحاصرة لمدينة حلب، فاستنجد أهلها بوالي الموصل لبرسقي الذي انجدها وضمها إلى الموصل ثم أصبحت مدينة حلب من إقطاع عز الدين مسعود بن البرسقي. وفي عام (522 هجري)، أصبحت مدينة حلب من أملاك الأتابك عماد الدين زنكي الذي اتخذها قاعدة له للجهاد ضد الصليبيين.

إقطاع مدينة القدس:

أقطعها السلطان ألب ارسلان إلى مملوكه أتسز بن أوق الخوارزمي. ولمّا أقطع السلطان ملكشاه أخاه تتش بلاد الشام أقطعت القدس إلى أحد مماليكه وهو أرتق بن أكسب جد ملوك الأرتقية في ديار بكر. بعد وفاته سنة (484 هجري)، خلف ولدين هما إيلغازي وسقمان وقد أقرهم تتش على ما يبدهم واستمر الأراتقة لمدينة القدس إلى سنة (498 هجري)،‏ عندما انتزعها منهم بدر الجمالي. وظلت القدس بيد الجمالي إلى أنَّ أحتلها الصيلبيين سنة (491 هجري).

إقطاع مدينة منبج:

كانت من إقطاعات السلطان ملكشاه سنة (479 هجري)، ولمّا تسلم قسيم الدولة مدينة حلب إقطاعاً من السلطان ملكشاه أقطعت له أعمالها ومنها منبج وظلت في يده إلى أنّ قُتِلَ سنة (487 هجري). أقطعت مدينة منبج إلى غازي بن حسان المنبجي الذي ظل يحكمها إلى أنَّ تسلمها صلاح الدين سنة (572 هجري).

إقطاع مدينة الرحبة:

كانت من إقطاعات الأمير محمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي أقطعها له السلطان ملكشاة سنة (477 هجري)، بالإضافة إلى أعمالها، وفي سنة (495 هجري) استولى عليها دقاق بن دتتش صاحب دمشق.

في سنة (500 هجري)، أقطعت الرحبة إلى الأمير جاولي سقاوة أقطعها له السلطان محمد بالإضافة إلى ما على الفرات وكان سبب إقطاعه هو للتصدي للفرنجة الذين استولوا على كثير من مدن الشام وأمر أمراء الدولة بأن يمدوه بالمال والرجال لتقويته على حرب الفرنجة. في سنة (508 هجري)، أقطعت الرحبة إلى آق سنقر البرسقي فأقام بها بعد أخذ الموصل منه من قبل السلطان محمد وكان البرسقي قد استناب فيها أحد مماليكه.

وبعد أنّ تم الصلح بين الملك مسعود صاحب الموصل مع أخيه السلطان محمود أقطعه مدينة مراغة والرحبة وكان البرسقي أتابك الملك مسعود. ثم انضمت إلى أملاك الأتابك عماد الدين زنكي عندما أقطعت الموصل له فأقطع مدينة الرحبة إلى الأمير جاولي وسيره إليها.

النظام الإقطاعي الصليبي في بلاد الشام:

قامت الكيانات الصليبية على أسس إقطاعية فقد كان النظام الإقطاعي الغربي الأساس الذي عليه تلك الكيانات، إنَّ الذين قادوا الحروب الصليبية هم بالأساس سادة إقطاعيين في أوربا لذلك فإن النظام الذي اتبعوه في إدارة تلك الكيانات قائم على أسس إقطاعية مقتبسة من النظام الذي نشأوا فيه وعرفوه من ذلك، يمكن اعتبار أنَّ النظام الإقطاعي الذي طبقه الصليبيين في المنطقة العربية هو انعكاس للإقطاعية الغربية.

لقد قامت في المنطقة العربية أربع مستعمرات إقطاعية (القدس، الرها، أنطاكية، وطرابلس)، ثم جزءت كل واحدة منها إلى إقطاعيات صغيرة، ولقد تفاوت هذه الإقطاعيات من حيث المساحة وإلى جانب ذلك ظهرت إقطاعيات متناثرة نتيجة المنح من قبل الكنيسة لبعض الطوائف الدينية أو العسكرية، وكانت القرية هي الأساس في الإقطاعيات.

إنَّ العلاقة التي كانت سائدة بين الأمراء الصليبيين علاقة إقطاعية والدليل على ذلك أنَّ بوهيمن هدد الأمراء بالانسحاب من حصار أنطاكية إذا لم يتعهدوا أمامه بالتسليم إليه إمارة أنطاكية عند فتحها. لذلك فإن روح الإقطاعية قد وجدت بين الأمراء الصليبيين من خلال الحروب التي نشبت بينهم.

1- إمارة بيت المقدس: كان صاحبها يلقب بـ (ملك)، أما بقية الإمارات فكانت تتبع مملكة القدس التي كانت أوسعها رقعة وحجم الأراضي التابعة لها، لذلك تم أخذ بنظام مملكة القدس الإقطاعي كنموذج للنظم الإقطاعية التي سادت في باقي الإقطاعيات الصليبية.

2- إمارة الرها: وهي إمارة الأفرنج الثانية وهي إمارة حاجزة تحمي أنطاكية وتمتد على جانبين نهر الفرات من راوندان وعينتاب إلى الشرق من أنطاكية، أسست سنة (492 هجري)،‏ بدعوة من صاحبها الأرمني الذي بعث إلى الصليبيين يستنجد بهم فلبوا دعوته وعين عليها بلدوين ملكاً عليها واستمرت هذه الإمارة قائمة إلى أنَّ فتحها الأتابك عماد الدين
سنة (539 هجري).

3- إمارة أنطاكية: تألفت هذه الإمارة من الوادي لنهر الأورنت وسهل أنطاكية وسلسلة جبال الأمانوس بالإضافة لميناء الإسكندرية والسويدية. كان الأمير بوهيمند حاكمها واسثمرت الإمارة قائمة إلى سنة (667 هجري).

4- إمارة طرابلس: كانت إمارة طرابلس تربط بين الأفرنج المقيمين شمال الشام والأفرنج بفلسطين. ظهرت هذه الإمارة سنة (496 هجري)،‏ واحتلها الأفرنج بمساعدة أساطيل جنوة وبروفانس واستمرت إلى سنة (688 هجري).

إنَّ نظام الحكم الذي أقامه الصليبيون في القدس تميز بازدياد نفوذ رجال الدين أيام جون فري الذي انتخب لحكم بيت المقدس وبعد وفاته نشأ صراع حول السلطة بين رجال الدين والأمراء العسكريين، فقد حاول دايمبرت بطريرك القدس من الاستحواذ على السلطة، إلا أنَّ فرسان جورفري استدعوا بلدوين أخو جورفري وتنصيبه بالحكم. وبذلك تأسست في القدس حكومة ملكية إقطاعية كان الإقطاع الغربي هو طابعها المهيمن عليها فكان ملكها أقرب إلى السيد الإقطاعي لا كونه ملكاًَ.

كان على الملك أنّ يعترف بنفوذ النبلاء الإقطاعيين الذين حصلوا على الإقطاعات وفق القوانين الإقطاعية للملكة العليا. كان الملك على رأس الهرم الإقطاعي في مملكة القدس، وكانت أملاكه تتألف بالإضافة إلى القدس وعكا ونابلس وهي تسمى بالأملاك الخاصة. وكانت مملكة القدس تتألف من أربع إمارات إقطاعية وهي (يافا الجليل، صيدا، وما وراء نهر الاردن).

لقد كان الأمراء الإقطاعيين يعترفون بالتبعية للملك الإقطاعي الذي يحاسبهم على ما لديهم من قوة عسكرية ومقدار الأموال التي يحصلون عليها من الإقطاعيات التابعة لهم على أساس حقوق السيد الإقطاعي.

كان على الأمير المقطع أنّ يقدم عدد من العساكر تبعاً لإمكانية أمراء يافا وصيدا والجليل عليه تقديم مائة وخمسين فارس بكامل عدتهم بينها أمير عكا يقدم ثمانين فارس وأمير نابلس خمس وسبعون فارس بينما أمير نهر الاردن عليه تقديم ستين فارساً. أما الواجبات المالية فكانت الضريبة غير محددة وكان السيد الإقطاعي يأخذ جزء من الوارد على شكل محصول كافي له ولحاشية.

المصدر: ❞ كتاب الإقطاع في الدولة العباسية ❝ مؤلفه د. محمد حسن سهيل الدليمي صفحة (114 – 126).❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفه سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث.❞ كتاب الخلافة العباسية في عهد تسلط البويهيين ❝ مؤلفته د. وفاء محمد علي. ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفه د.محمد سهيل طقوش.


شارك المقالة: