خرافة البعاتي تسيطر على المخيلة الشعبية السودانية

اقرأ في هذا المقال


“البعاتي” من أكثر القصص الخرافية إثارة للجدال في المخيلة الشعبية السودانية، وقد بقيت الجدات يرددنها ويروينها بشكل دائم على مسامع الأطفال الصغار في الأحاجي وقصص ما قبل النوم، إذ لا تكاد تخلو ثقافة من ثقافات الشعوب حول العالم من خرافات رجوع أرواح الموتى إلى عالمنا هذا بعد الموت، وتتمثل هذه الخرافات في بعض الديانات في شرق آسيا وغيرها ممن يعتقدون بهذه الفرضية.
في كتاب “الأحاجي” لمؤلفه عبد الله الطيب نجد أن طابع الحكايات الخرافية قد طغى على مضمون الكتاب، وأهم هذه القصص الخرافية، خرافة ترب البنية “البعاتي”، والتي مفادها أن أشخاصًا بحدّ ذاتهم تطوف أشباحهم بعد موتهم بين الأحياء بطريقة تُذهب الصواب.

الأسطورة والخرافة:

إن الخرافات والأساطير تشكّل مادة دسمة وغنية وشديدة الشراهة في مخيلة الموروث الشعبي السوداني، فبالبحث نجد شخصيات خرافية، مثل: “البعاتي” والذي هو مخلوق خرافي يتخصص في أكل لحوم البشر، والمخيلة الشعبية وموروثاتها، بصرف النظر عن تقييمها العقلاني والعلمي، وبعيدًا عن منطقيتها واتساقها مع الحقائق العلمية، غير أن هنالك عددًا كبيرًامن الأشخاص والمجتمعات يؤمنون بوجودها، والبعض يجزم على أنها حقيقية، وفي مكونات المجتمع السوداني المختلفة، تشير أحاديث كبارها إلى أن هناك عائلات تكررت لديها قصة الحياة عقب الممات والذين يُطلق عليهم خرافيًّا مُسمّى “البعاعيت”.

النظرة الاجتماعية لخرافة “البعاتي”:

يقول الباحث الاجتماعي السوداني “محمد عبد الباقي”: “إن الصورة الذهنية لشخصية “البعاتي” في المخيلة الشعبية أن هذا الكائن الخرافي يمشي على أمشاط قدميه، وهو لا ينظر إلى الأعلى، وفي بداية ظهوره يكون ملتفًا بكفنه”، كما أنه يكون نسخة طبق الأصل عن الشخص الميت، وأضاف الباحث أن البعاتي ما هو إلا نتاج للخوف من الأشخاص الغرباء، ومحاولة من كبار السن لتخويف الأطفال الصغار حرصًا عليهم من الأخطار التي قد تحيط بهم إذا ما ابتعدوا عن منازلهم.
ونبّه نفس الباحث إلى أن الخوف من الأشخاص الغرباء هو المحرك الأساسي لخرافة “البعاتي”، وأضاف : “إن كثيرًا من الأسر ترفض الزواج من بعض القبائل بحجة أن أفرادها بعد الموت يرجعون كـ”بعاعيت”، وإيمانًا من بعض الأمهات بهذه الخرافة، فهن يرفضن أن ترضع امرأة غريبة لطفلها، إذ من الممكن أن تكون من سلالة البعاعيت، ولفت ذات الباحث إلى أن الخيال الشعبي يوضح الحالة النفسية والجسدية عندما يشاهد أحدهم “البعاتي”، والرعشات والتوتر الذي يظهر عليه.
كما أن خرافة رؤية الأشباح وكذلك رجوع الأشخاص للحياة بعد الموت ليست قصرًا على المخيلة الشعبيّة السودانية، بل إنها تتعداها وتتجاوزها إلى ثقافات الكثير من الشعوب، فنجد الكاتب المسرحي الأكثر شهرة “وليم شكسبير” في مسرحيته: “هاملت” يوظف ما ورثه من موروثه الشعبي الثقافي حول الأشباح وأرواح الموتى، إذ افتتح “شكسبير” مسرحيته بظهور شبح ملك الدنمارك المقـتول مطالبًا ابنه هاملت بالثأر له، ويتجدد ظهور الشبح أكثر من مرة مطالبًا هاملت بضرورة الانتقام له من أخيه الملك الغاصب، هذا بالإضافة إلى ما تتناقله السينما العالمية من أفلام الخيال الخرافية، مثل: “الزومبي، ومصاصي الدماء والمستذئبين“، لا يكاد يخلو تراث أمة من الأمم من استلهام حكايات وأحاجي عودة أشباح الموتى وتوظيفها في القصص والرواية والسينما والمسرح.

خرافة البعاتي تصل إلى القضاء السوداني:

لقد شهدت قاعات المحاكم في السودان العديد من القضايا التي تتعلق بالكائن الخرافي “البعاتي”، وكانت كلها تدور حول جرائم قتل عن طريق الخطأ حيث يعتدي المتهم على شبح ما ظنًّا منه أنه “بعاتي”، ومن هذه القضايا الغريبة أن امرأة طلبت الطلاق من زوجها، إذ زعمت أنّه “بعاتي”عاد للحياة بعد وفاته، في ولاية شمال كردفان.

قضية مشهورة أخرى من هذه القضايا المرتبطة بخرافة “البعاتي“، وهي قضية لا تزال محطّ استغراب الكثيرين، هي قصة رجل قضى على امرأة مسنّة ظنًّا منه أنها “بعاتي”، والقتيلة المجني عليها تعيش في قرية أخرى من نفس المنطقة ولا تربطها بالمتهم أي علاقة قرابة أو معرفة سابقة قبل الحادث، ويقال إن القاتل في طريق عودته إلى القرية شاهد شبحًا يرتدي قميصًا أسود ويحمل عصاً طويلة يمضي ناحيته، حينها انتابه الفزع واعتقد اعتقادًا جازمًا أنه “بعاتي”، فانهال عليه بالضرب بعصاته حتى وقع على الأرض مغشيًّا عليه بلا حراك، ثم ذهب ليبث الخبر إلى أهل القرية، خبر قتله “البعاتي”، فذهب أهل القرية معه إلى مكان الحادث فإذا بهم يكتشفوا أن المجني عليها في الحقيقة امرأة طاعنة في السن ومعروفة لديهم بالاسم وقد وجدوها ميتة.

المصدر: خرافات وتخاريف سودانية،جعفر عباس،2012الخرافات هل تؤمن بها؟ سمير شيخانى، 2011الإنسان والخرافة،أحمد علي موسى،2003سيكولوچية الخرافة والتفكير العلمي، عبدالرحمن الصاوي، 1982معجم اعلام الاساطير و الخرافات في المعتقدات القديمة، جورج اليسون، 1999


شارك المقالة: