دور القيم الاجتماعية في الحد من الجريمة

اقرأ في هذا المقال


القيم الاجتماعية هي مجموعة من المبادئ المقبولة أخلاقيًا من قبل المجتمع، ويتم إنشاء هذه المبادئ من خلال ديناميكيات المجتمع والمؤسسات في المجتمع والتقاليد والمعتقدات الثقافية للناس في المجتمع، والقوانين هي دليل للناس في المجتمع حول كيفية التصرف بشكل مناسب، وترتبط القيم الاجتماعية بالجريمة من حيث علاقة طردية بحيث غالبًا ما يُنظر إلى الجريمة على أنّها نتيجة التدهور الأخلاقي أي القيم- في المجتمع، وعلى وجه الخصوص عن زيادة الأنانية وتجاهل أعراف المجتمع وقوانينه، وعلى المستوى الفردي قد يتجلى ذلك في شكل نقص في الضمير الاجتماعي أو السيطرة.

كيف تحدث الجريمة في غياب القيم الاجتماعية

تختلف النظرية الثقافية الحالية في المقام الأول عن أفكار علماء الاجتماع الحضري من حيث أنّ الركيزة الثقافية التي يعرّفونها تفرض عقوبات على استخدام العنف، في حين أنّ التصور المفاهيمي لعلماء الاجتماع الحضري يرى أنّ السلوك العنيف لا يتم التغاضي عنه أو التسامح معه، والأهم من ذلك يشير هذا الفرع الجديد للنظرية الثقافية إلى أنّه بالنسبة للذكور السود (والإناث) في المناطق الحضرية المحرومة، يتم بناء هويتهم في وقت مبكر من الحياة وفقًا لمعايير الثقافة المعارضة.

في الواقع اقترح إيليا أندرسون أنّ الاغتراب الاجتماعي الناجم عن التحول الاقتصادي قد ولّد ثقافة شوارع معارضة أو رمز شوارع في أماكن داخل المدينة، كما إنّه يوفر القواعد المتعلقة بالطريقة الصحيحة للدفاع عن النفس، وفي نفس الوقت يحدد الأساس المنطقي المعياري لأولئك الذين يسعون إلى إثارة الأعمال العدوانية، وتعمل الشفرة كنصوص علائقية مشتركة يجب على كل من الضحايا والمجرمين الالتزام بها إذا أرادوا التنقل بنجاح في عالمهم الاجتماعي المحفوف بالمخاطر، وتتشابه أفكار النماذج الثقافية الفرعية المبكرة والحديثة في هذا الصدد لأنّ المدافعين عن كل منها يجادلون بأنّ الثقافة غير التقليدية التي لاحظوها مفيدة في السياق البيئي الذي توجد فيه.

دور الاحترام في الحد من الجريمة

وفقًا لأندرسون يتكون محتوى الكود أو الرمز المشفر في المقام الأول من القواعد لتحقيق الشرف والاحترام، ويعد الاحترام سلعة ثمينة في الثقافة الفرعية، فالشخص الذي يحظى بالاحترام هو أفضل استعدادًا لتجنب التهديدات المحتملة بالعنف، بالإضافة إلى الوضع غير المرغوب فيه المتمثل في أن يضايقه الآخرون، ولعل الأهم من ذلك أنّ الاحترام هو غاية في حد ذاتها توفر رفاهية تقدير الذات، ومن خلال إظهار سلوك واثق وارتداء الملابس المناسبة يقوم الممثلون بالإبلاغ عن استعدادهم للعنف، ويتطلب قانون الشارع من الجهات الفاعلة التعبير عن استعدادها للانخراط في عدوان جسدي إذا تطلب الموقف ذلك.

عندما يحدث هجوم يفرض القانون أنّه ينبغي مواجهته برد انتقامي بنفس النسبة، وخلاف ذلك يتم تقويض الاحترام ويدعو الضحية إلى هجمات مستقبلية، وفيما يتعلق بالإيذاء توضح كيفية استجابة الناس التفاوتات الثقافية الواسعة بين النظام التقليدي والنظام المعارض، ففي الحالة الأولى سيتصل الأفراد الضحايا بالسلطات الرسمية أو يمضون قدمًا دون تصحيح الوضع على الرغم من التدهور الذي تعرضوا له، وعلى النقيض من ذلك فإنّ الأشخاص الذين تهيمن على وجودهم مقتضيات قانون الشارع يتبعون بنشاط استراتيجية للانتقام، ولا يتوقف وضع المجموعة السابقة على ما إذا كان أعضاؤها ينتقمون من المعتدي عليهم، بل بدلاً من ذلك يتم تحديد الرتبة حسب مزاياها في الطرق التقليدية.

توجهات الأفراد للتعايش

تلاحظ النماذج الثقافية المعاصرة أنّه لا يقبل الجميع الثقافة المعارضة كنظام قيم شرعي، وبدلاً من ذلك من وجهة نظر أندرسون فإنّ المشهد الحضري مشغول بمجموعتين متعايشتين من الناس:

1- أولئك الذين لديهم توجه لائق.

2- أولئك الذين تتوافق حياتهم بشكل وثيق مع معايير الكود، وهي مجموعة يشير إليها أندرسون كـ (شارع)، ويقال إنّ الآلية التي يتم من خلالها نقل كود الشارع كنظام ثقافي لا تحدث فقط من خلال التعرض العام لمظاهر الرمز ولكن أيضًا من خلال التنشئة الاجتماعية في الكود الذي يحدث في منزل الشارع.

دور الأسرة في الحد من الجريمة

وفقًا لأندرسون يقوم الأشخاص المحترمون بإقامة علاقات اجتماعية مع أطفالهم وفقًا للقيم السائدة، كما إنّهم يعتقدون أنّ النجاح يُكتسب جزئيًا، وذلك من خلال العمل الجاد والحفاظ على نمط حياة يحترم القانون، ويعتمد الآباء في الأسر المحترمة على أساليب تأديب صارمة لإضفاء الطابع الاجتماعي على أطفالهم وفقًا للقيم السائدة، ونظرًا لكونهم مدركين للبيئة الاجتماعية الخطرة التي يشغلونها فإنّ الآباء المحترمين يفرضون حظر تجول ويراقبون أنشطة أطفالهم.

على عكس العائلات الكريمة، فإنّ عائلات الشوارع أكثر تكريسًا للتوجه المُعارض الذي يجسده القانون وفقًا لأندرسون، وتتوافق تفسيراتهم لواقعهم وكذلك سلوكياتهم الشخصية بشكل صارم مع معاييرها، وتوجههم يقارب تلك التي يحملها الشباب في الثقافة الفرعية التي تصورتها بعض الحسابات القائمة على الإجهاد، وتتناقض مجموعة القيم التي يلتزم بها أهل الشارع مع قيم الطبقة الوسطى والوجود التقليدي، وتضع العائلات في الشوارع تركيزًا أقل على العمل والتعليم والذي يدعمه عدم ثقتهم العميق في الهيكل الرسمي ككل، ومعظمهم يعانون من ضعف مالي ويتم إساءة استخدام أي دخل يكسبونه وإنفاقه على أولويات أخرى مثل السجائر والكحول.

يشهد أطفال عائلات الشوارع العديد من الحوادث التي تشير إلى أنّ العدوان العنيف بدلاً من التفاوض اللفظي هو وسيلة لتحقيق الغاية المنشودة، وبالنسبة للشباب الذين تربوا في أسر الشوارع، فإنّ خبراتهم المبكرة في الحياة غير المواتية والتنشئة الاجتماعية العدوانية غير الكفؤة التي يتلقونها تتوج لتشكيل ميولهم القوية نحو اتجاه يتوافق مع قانون الشارع، والمعايير الثقافية التي تلتزم بها العائلات الكريمة والشوارع متناقضة تمامًا.

ونظرًا لأنّ كلا المجموعتين منغمسون في نفس البيئة السياقية، فإنّ توجهاتهم عرضة للتصادم على الرغم من أنّ الموقف العدواني لتوجيه الشارع يسود عمومًا، وبسبب هذا الظرف، فإنّ الأشخاص المحترمين لديهم حافز ليصبحوا على دراية وثيقة بالضرورات السلوكية للمدونة وعلاوة على ذلك يجب أن يكونوا مستعدين لأدائها للحظات.

علاقة القيم المعارضة بحدوث الجريمة

فيما يتعلق بالأدلة التجريبية أي التطبيقية، فإنّ النتائج التي تم الحصول عليها من بيانات المسح لا تتفق مع افتراضات نموذج الثقافة الفرعية لوولفغانغ وفيراكوتي، مما يشير إلى أدلة قليلة على الاختلافات بين المجموعات (على سبيل المثال العرق) ففيما يتعلق بدعم إملاءات ثقافة فرعية معارضة، ويُظهر البحث متعدد المستويات أيضًا أنّ السود لديهم آراء أكثر سلبية تجاه وكلاء السلطة الحكومية (على سبيل المثال الشرطة والمحاكم)، ولكن بعد دمج تدابير الحي تتضاءل العلاقة، مما يشير إلى أنّ مواقف السود تتأثر بشدة بظروفهم السياقية.

كما تفحص الدراسات الكمية العلاقة المزعومة بين تمسك الناس بالثقافة الفرعية المعارضة والسلوك غير القانوني، والنتيجة المجمعة لهذا العمل غامضة إلى حد ما، فقام بعض المحققين بفحص العلاقة بين العرق والقيم المعارضة وأنماط العنف المتضمنة في نظرية الثقافة الفرعية، ووجد البعض أنّ الأشخاص السود هم أكثر عرضة لارتكاب مخالفات عنيفة في السجن مقارنة بنظرائهم البيض، مما يشير إلى ثبات سياقي في السلوك بين السكان السود، مما يدعم النماذج الثقافية الفرعية النقية المبكرة.

كما يستخدم البحث على المستوى الكلي بيانات التعداد للتحقيق في صحة الثقافة الفرعية لأطروحة العنف من حيث صلتها بالعنف عبر شرائح السكان، وباستخدام هذه الطريقة كشف الباحثون عن الأثر الإيجابي للتكوين العرقي على العنف صافيًا من العوامل الاقتصادية، ويولد بحث آخر يقارب المكونات السلوكية لكود الشارع، وتظهر النتائج من هذا العمل أنّ الشباب الذين يقيمون في الأحياء المحرومة والذين يشعرون بالتمييز ضدهم من المرجح أن يتبنوا قانون الشارع.

تظهر النتائج أيضًا أنّ قانون الشارع يتنبأ بالانحراف العنيف، وأفادت دراسات مماثلة أنّ لقانون الشارع تأثير إيجابي على احتمالات تعرض الأفراد للإيذاء، وعلاوة على ذلك فإنّ مساوئ الحي تؤدي إلى تفاقم هذه العلاقة، ووجد آخرون أنّ جرائم القتل الانتقامية -تلك التي تعكس ضرورات الثقافة الفرعية المتعلقة بالشرف- من المرجح أن تحدث في الأحياء المحرومة.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: